ديلي بيست": انتصار إيران وروسيا في سورية وصمة عار على الولايات المتحدة

ديلي بيست": انتصار إيران وروسيا في سورية وصمة عار على الولايات المتحدة

بعد غياب دام 12 عاماً، سيعود النظام السوري إلى حضور اجتماعات قمة جامعة الدول العربية هذا الأسبوع، إنه انتصار سياسي لا يمكن إنكاره لإيران، بعد دعم نظام الأسد خلال الحرب، ويمثل كذلك وصمة عار هائلة على وجدان السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

عندما قامت جامعة الدول العربية بتجميد عضوية نظام الأسد، كان سقوطه مسألة وقت وليس مساومة، حيث إن الجامعة لم تكن حينها ترغب ببقاء ذلك النظام، بل كانت تستعد بسرور للحدث الذي كانت تراه محتوماً وهو سقوط تلك المنظومة التي حكمت البلاد لفترة طويلة من الزمن.

ولكن الأسد تمكن من النجاة وذلك لثلاثة أسباب، أولها أنه لم يكن لديه أي تردد في قتل عدد كبير من السوريين، حتى لو تطلّب الأمر قتل الشعب بأكمله فقط من أجل البقاء في السلطة.

ثانياً، رفض الرئيس السابق باراك أوباما التدخل في الأزمة، وثالثاً، أنه كان لدى الأسد أصدقاء جيدون في طهران ولاحقاً في موسكو.

تظلّ الحرب السورية أكبر كارثة أخلاقية وخطأ إستراتيجي لهذا القرن، حتى أنها في رأي الكثيرين أسوأ من حرب العراق.

فلقد قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما وقتها برسم خط أحمر لمنع استخدام الأسلحة الكيماوية، وهو الأمر الذي فسره الأسد على أنه ضوء أخضر لقتل أكبر عدد ممكن من الناس كما يريد دون اللجوء إلى أسلحة الدمار الشامل- ثم بعد ذلك رفض أوباما فرض خطه الأحمر.

وقد أعقب ذلك قتل نصف مليون قتيل، ونزوح 15 مليون سوري، وصعود تنظيم داعش، وضرر لا يمكن إصلاحه لمصداقية الولايات المتحدة.

وقد أدّت الحرب أيضاً إلى تفاقم أزمة اللاجئين، الأمر الذي أدى بدوره إلى تنشيط صعود الشعبوية اليمينية في القارة، وانتخاب دونالد ترامب في عام 2016 رئيساً للولايات المتحدة.

لقد بقيت الولايات المتحدة بعيدة عن سورية لسببين، فمن ناحية، كانت سياسة ضبط النفس للتدخل الأجنبي، كإيديولوجيا ودافع، يتزايد لدى كل الأطراف الدولية الفاعلة.

ومن ناحية أخرى، تخشى الإدارة الأمريكية من أن العمل النشط للإطاحة بالشريك الوثيق لإيران من شأنه أن يقوض جهودها الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق للحدّ من انتشار الأسلحة النووية.

وفي نهاية المطاف، أصبح المبدأ المعتمد لدى الجميع أنه "لا يوجد حلّ عسكري في سورية" ولكن كان هناك حلّ عسكري قدمته إيران وروسيا لاحقاً.

بعد أشهر من الحرب السورية، انتشرت قوات الحرس الثوري الإيراني في سورية للدفاع عن نظام الأسد. وفي عام 2015، سافر قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى موسكو وأقنع فلاديمير بوتين بأن نظام الأسد يمكن أن يستمر، مما أدى إلى دخول الجيش الروسي إلى سورية، حيث قامت روسيا هناك بمهاجمة الجماعات المدعومة من الولايات المتحدة دون أي رد أمريكي، مما أعطى بوتين انطباعاً بأن الولايات المتحدة فقدت أي شهية للمواجهة، وحصلت إيران على فرصة لتجربة طائراتها بدون طيار - التي يشتريها الآن بوتين ويستخدمها لقتل الأوكرانيين.

وكانت النتيجة أول انتشار توسّعي عسكري لإيران خارج حدودها منذ قرون، والذي وصل إلى أعتاب إسرائيل، بالإضافة إلى عودة الجيش الروسي إلى الشرق الأوسط منذ ما يقرب من نصف قرن.

علاوة على ذلك، قام حزب الله بالمشاركة في القتال. ولدى تسلّم الحزب أسلحة من إيران في سورية، تمكن من تقوية نفسه لدرجة أنه نجح في أخذ السياسة اللبنانية كرهينة.

والأكثر دراماتيكية من كل ذلك هو أن أمريكا تركت انطباعاً باللامبالاة، أدى إلى اعتقاد بوتين بأنه قادر على غزو أوكرانيا بنجاح دون تدخل كبير من الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من هذا الخطأ الفادح، بالإضافة إلى الإبادة الجماعية في سورية، يتم الترحيب بعودة الأسد إلى الشرق الأوسط كدولة طبيعية وهذا يجعلنا نسأل: كيف يمكن لهذا أن يحدث؟

أولاً، وعدت الولايات المتحدة - في ظل ثلاث إدارات متعاقبة - بمغادرة الشرق الأوسط وتصرفت وفقاً لذلك، وبناءً عليه أصبحت دول الشرق الأوسط مؤخراً تتعامل مع حقيقة أن الولايات تغادر المنطقة فعلاً. يأتي هذا في وقت من المرجح أن تمتلك إيران، المتنامية في القوة العسكرية، أسلحة نووية قريباً. كما أنه يترك الأنظمة العربية المحيطة بإيران وهي معظمها أهدافاً سنية للثيوقراطية الشيعية الإيرانية والمتوافقة تقليدياً مع المصالح الأمريكية - معرضة للخطر وقلقة لأنها ستُترَك بمفردها.

لذلك تحاول الدول العربية أن تتودد لإيران، بما في ذلك التودد لشريكها النظام السوري.

ثانياً، عاد نظام الأسد -المتفوّق في حربه ضد شعبه- إلى الوضع السابق، وليس هناك ما يشير إلى أنه سيتغير في المستقبل القريب بينما تستمر الإبادة الجماعية!

ولكن القادة العرب لن يعتقدوا بحماقة أن تقديم مبادرات لطيفة تجاه إيران سيحلّ مشاكلهم.

لذلك يجب أن نتوقع أنهم - وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - سوف يسلحون أنفسهم بشكل متزايد لمواجهة إيران وستقوم إيران والسعودية بتسليح نفسيهما بشكل كبير ضد بعضهما البعض، بدون أن تتدخل أمريكا الغائبة عن المنطقة لإيقاف وتيرة التسليح.

إن الحرب السورية هدية تستمر في تقديم "عطاياها" السيئة. فلقد أدّت إلى تنشيط الشعبوية في الولايات المتحدة وأوروبا وتقليص قوة الولايات المتحدة في الخارج.

وقد خلّفت كذلك نظاماً إقليمياً جديداً يتضمن قواعداً عسكرية دائمة لإيران على الحدود الإسرائيلية، ولبنان الذي يسيطر عليه حزب الله ويقوم أيضاً بدور وكيل إيران العسكري ضد إسرائيل.

والأسوأ من ذلك، أن الأسد، على حد تعبير مرؤوسيه، أحرق بلده، وارتكب إبادة جماعية، وأفلت من العقاب. لقد تجاهلت أمريكا وبقية العالم الحرّ تلك الحقيقة. لذلك لا ينبغي أن يفاجأ أحد بأن جامعة الدول العربية تتغاضى عن ذلك أيضاً. وهنا يمكن الدفاع عن جامعة الدول العربية، والتي على عكس الأمريكيين والأوروبيين، لا يدّعي أعضاؤها التفوق الأخلاقي في سياساتهم الخارجية.

إن التقاعس هو قرار، والقرارات لها عواقب وهناك أشياء كثيرة من عواقب سياسة الرئيس أوباما تجاه سورية، ولكن قبل كل شيء، إنها وصمة عار على ضمير الأمريكيين، الذين تجاهلوا الإبادة الجماعية في سورية مراراً وتكراراً.

وبفعلهم هذا، لم يسيئوا لعشرات الملايين من السوريين فحسب، بل أهانوا أنفسهم، وقاموا أيضاً بإهداء إيران وروسيا نصراً كبيراً.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد