حرب الإبادة على غزة.. الدوافع والمآلات (2)

حرب الإبادة على غزة.. الدوافع والمآلات (2)

لم تستطع الدولة العبرية بعد، امتصاص صدمة هجوم المقاومة في 7 أكتوبر وانهيار عساكرها أمام تلك الهجمة المباغتة. استنفار إسرائيل وإعلانها الحرب لأول مرة منذ عقود، ووقوف الولايات المتحدة الأمريكية والعواصم الغربية معها سياسياً ودعمها بالسلاح والذخيرة، أكد على هشاشة هذا الكيان والذي يحتاج لكل هذا الدعم ليواجه مقاومة قليلة العدة والعتاد، تعيش في إقليم صغير محاصر هو الأشد اكتظاظاً على مستوى العالم.

بدى لتل أبيب ولحلفائها اغتنام هذا الفرصة والدخول في معركة صفرية واستغلال هجوم المقاومة لتغيير الجغرافيا السياسية والقيام بعملية تغيير سكاني من خلال تهجير سكان غزة إلى سيناء، وتدمير المقاومة عسكرياً ومعنوياً وسياسياً.

انطلقت عملية شيطنة المقاومة وفبركة الأكاذيب مثل قطع رؤوس الرضع، وتورط ساسة على مستوى رئيس الولايات المتحدة بترديد تلك الأكاذيب بشكل متعمد لإتخاذ مواقف عسكرية وسياسية بناء عليها.

أُعطيت تل أبيب الضوء الأخضر لتدمير القطاع واقتراف جرائم إنسانية وعقوبات جماعية وقطع شرايين الحياة عن أهله وتحويلهم إلى ماسأة إنسانية عميقة وكبيرة، لتأديب شعوب المنطقة وغيرهم، ولعل الغزاويين يثورون على المقاومة وينفضّون عن تأييدها.

من الواضح أن ضغوطاً كبيرة مورست وتهديدات حادة انطلقت إلى دول متعاطفة مع الفلسطينيين مثل تركيا وغيرها لتجنب إتخاذ مواقف قوية ومتعاطفة بوضوح مع غزة خلال أيام الإبادة والمجزرة والتي أتصور أن أيامها قدرت بما لا يتجاوز عدد أصابع اليد والواحدة.

ولكن وعلى الرغم من البطش الصهيوني واستخدام أسلحة ممنوعة دولياً كالفوسفور الأبيض وعدد الضحايا الكبير خصوصاً من الأطفال، فإن صمود المقاومة وقدرتها على إطلاق الصواريخ، أصاب الدولة العبرية وحلفاءها بصدمة أشد من صدمة 7 أكتوبر.

بدأ العالم يتململ وظهرت انتقادات غير مسبوقة للكيان الصهيوني على لسان بوتين ووزيرة خارجية النرويج، واضطرت دول عربية كان موقفها متعاضد -وإن بصمت رسمي ولكن تم التعبير عنه من خلال الذباب الإلكتروني- مع الهجوم الإسرائيلي إلى التنديد بجرائم الاحتلال ومجازره.

العجز الصهيوني المدعوم غربياً على إنهاء المقاومة رغم المجازر المرتكبة والعقوبات الجماعية الوحشية على القطاع وأهله، سيشكل أكبر هزيمة تتلقاها إسرائيل منذ تأسيسها، هزيمة أخلاقية وعسكرية وسياسية.

الأيام القادمة بل وربما الساعات، ستعيد تشكيل خريطة المنطقة لعقود قادمة وسيكون لها تأثيراتها على خريطة القوى العالمية (الدور الصيني والروسي).

فإذا تجاوزت المقاومة وحاضنتها الاجتماعية هذة المحنة الصعبة والعصيبة، فستجد إسرائيل نفسها مضطرة للتحاور مع المقاومة ومخاطبتها بندية. كما أن ورقة الأسرى والتي بيد المقاومة ستبدأ آثارها الاجتماعية تتفاعل في المجتمع الإسرائيلي والذي يرى في حكومته عجزاً عن حمايته عسكرياً، والمساهمة في انهيار معنوياته وشعوره بالعجز والمهانة.

لقد أظهرت الأحداث الأخيرة وثبتت حقائق ربما كانت عند البعض مثار شك أو مجال للنقاش: الدولة العبرية تخفي بوحشيتها والتي عرتها أخلاقياً عجزها العسكري والميداني، الغرب ما زال يفكر بعقلية استعمارية فوقية ولا ينصاع وقت الأزمات لقيم ولا أخلاق ولا يحترم حقوق الإنسان ولا يبالي بكرامته، الأنظمة العربية ما بين عاجز ومتواطئ وجيوشها للاستعراض وحماية الأنظمة وتبديد الثروات من خلال صفقات تسلح فلكية، إيران وحزب الله سقطا في هاوية أخلاقية وظهرا في مظهر النفاق البائس، فهذه طهران بعد أن دمرت مدن عربية في طريقها المزعوم للقدس تحذر من اتساع رقعة النزاع وتراقب تطوراته ومعها حزب الله كما تفعل سيرلانكا والموزمبيق.

حرب الإبادة على غزة غيرت مفاهيم كثيرة، وفضحت عورات بائسة، وإذا ما صمدت غزة وشعبها والذي ذاق من الويلات ما لا يطيق تحمله بشر، فإننا سنرى ولادة جيل تحرير الأقصى وفلسطين.

سيكون لصمود غزة انعكاسات كبيرة في المنطقة العربية وعلى سيكولوجية المواطن العربي ورؤيته لأنظمة فشلت في حروبها المعلنة وسقطت في نهجها بالسلام المزعوم، وأوصلت بفسادها واستبدادها شعوبها للفقر والفاقة، ولتتخلف دولها علمياً وتقنياً وصناعياً ولتكون دولياً في موقع التابع الصاغر مكانة وسياسة ودوراً.

اقرأ أيضاً: حرب الإبادة على غزة.. الدوافع والمآلات (1)

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد