جسور للدراسات": المجتمع الدولي تقاعس في إدخال المساعدات إلى الشمال السوري عَبْر المعابر الحدودية
نداء بوست- مركز جسور للدراسات
اتهمت ورقة بحثية صادرة عن مركز "جسور" المجتمع الدولي بالتقاعس في إدخال المساعدات وآليات الإنقاذ إلى المناطق المنكوبة شمال غرب سورية مؤكدة أن المعابر البرية الحدودية بين سورية وتركيا كانت تصلح لإدخال المعدات الضرورية وبالتالي لإنقاذ أكبر عدد من الأرواح العالقة تحت الأنقاض وجاء في الورقة "خلال أول 72 ساعة من وقوع كارثة الزلزال لم تدخل أيّ مساعدات أُممية أو دولية إلى المناطق المنكوبة شمال غرب سورية، رغم نداءات المنظمات والجهات المسؤولة عن هذه المناطق بضرورة التدخُّل الإقليمي والدولي".
وأشارت الورقة أنه على الرغم من أن بعض المعابر تعرّضت لأضرار بفعل الزلزال إلا أن فِرَق الطوارئ تمكنت من إصلاح الأضرار وفتح الطريق بشكل سليم وآمِن خلال 48 ساعة من حدوث الزلزال.
ووفقَ الورقة تمتد المعابر الحدودية بين تركيا والمناطق التي ضربها الزلزال شمال غرب سورية يوم 6 شباط/ فبراير 2023 على مسافة 200 كم تقريباً، وتُعتبر الحدود التركية هي المناطق البرية الوحيدة التي تستطيع أن تستجيب منها الدول والمنظمات لنداءات التدخُّل الإنساني، بعد أن تم إعلان مناطق المعارضة السورية مناطقَ منكوبة وتحتاج لمختلف أنواع التدخُّل العاجل.
وفصّلت الدراسة المعابر الأساسية بين سورية وتركيا والتي كان من الممكن الاستفادة منها لإدخال معدات وآليات من شأنها تخفيف وقع الكارثة على الأهالي:
المعابر بين تركيا ومناطق المعارضة شمال غرب سورية
تتصل مناطق المعارضة شمال غرب سورية مع الأراضي التركية عَبْر مجموعة من المعابر البرية الرئيسية هي:
1. معبر باب الهوى: أكبر المعابر الحدودية وأهمها، يصل بين محافظة إدلب شمال غرب سورية وولاية هاتاي جنوب تركيا، وهو معبر مدني تجاري، وهو المعبر الوحيد المعتمَد لدى الأمم المتحدة لعبور قوافل المساعدات الإنسانية وَفْق قرار مجلس الأمن 2672 (9 كانون الثاني/ يناير 2023).
2. معبر باب السلامة: ثاني المعابر في الأهمية، يصل بين محافظة حلب شمال سورية وولاية كيليس جنوب تركيا، وهو معبر مدني تجاري، وكان من ضِمن المعابر المعتمَدة لدخول المساعدات الأممية بالقرار 2165 (2014) إلى أن تم إيقاف تجديد دخول المساعدات عَبْره بالقرار 2533 (2020).
3. معبر الراعي: يصل بين مدينتَي الراعي في حلب شمال سورية، وجوبان باي جنوب تركيا، وهو معبر مدني تجاري.
4. معبر جرابلس: يصل بين مدينتَيْ جرابلس شمال سورية، وقرقميش جنوب تركيا، وهو معبر مدني تجاري.
5. معبر حمام: معبر جديد تم إنشاؤه عام 2019، يصل بين مدينة جنديرس التابعة لناحية عفرين شمال غرب سورية، وولاية هاتاي جنوب تركيا، كان في بداية إنشائه معبراً عسكرياً، ثم تمت توسِعته ليصبح معبراً مدنياً تجارياً أيضاً.
وبعض هذه المعابر دولية وهي من المعابر الكبرى على مستوى المنافذ الحدودية في سورية، ويستوعب كل واحد من هذه المعابر أكثر من 500 شاحنة تجارية يومياً، فيما تصل الطاقة القُصوَى لبعضها مثل معبر باب الهوى إلى 1000 شاحنة في اليوم.
وتناولت الورقة وضع المعابر والطرقات شمال غرب سورية بعد الزلزال مشددة أن جميع المعابر التي تصل شمال غرب سورية مع الأراضي التركية بقيت صالحة لمرور قوافل المساعدات الإنسانية، سواء الطرق المؤدية إليها من داخل الأراضي التركية، أو الطرق المتفرعة منها إلى المناطق المتضررة بالزلزال داخل الأراضي السورية، باستثناء الطرق المؤدية إلى معبر باب الهوى ومعبر حمام من الجانب التركي، والتي تضررت بسبب الزلزال قبل أن تتمكن فِرَق الطوارئ من إصلاح الأضرار وفتح الطريق بشكل سليم وآمِن خلال 48 ساعة من حدوث الزلزال.
لكن مع سلامة معظم الطرق وإصلاح المتضرّر منها بشكل عاجل بقيت هناك حالة إرباك في التنقل والوصول بسبب اتِّساع الدمار الذي تسبب به الزلزال الأول وسلسلة الزلازل التي أعقبته، وبسبب الحالة الجوية التي كانت تمر بها تركيا وشمال سورية جرّاء العاصفة الثلجية.
وتحدثت الدراسة عن التقصير في الاستجابة الدولية بإدخال المواد الضرورية والمعدات من المعابر البرية بعد الزلزال مؤكدة أنه خلال أول 72 ساعة من وقوع كارثة الزلزال لم تدخل أيّ مساعدات أُممية أو دولية إلى المناطق المنكوبة شمال غرب سورية، رغم نداءات المنظمات والجهات المسؤولة عن هذه المناطق بضرورة التدخُّل الإقليمي والدولي، وبقيت المنظمات المحلية -وفي مقدمتها منظمة الدفاع المدني السوري والفِرَق التطوعية المحلية- تبذل جهوداً كبيرة بإمكانيات محدودة لمتابعة عمليات البحث والإنقاذ، وانتشال جثث الضحايا، وإسعاف المصابين، وتأمين الغذاء والماء والدِّفْء والإيواء للناجين.
تم إدخال أول قافلة مساعدات أُممية من معبر باب الهوى منتصف يوم 9 شباط/ فبراير 2023. ويُعتبر هذا التدخُّل الخارجي هو الأول بعد الكارثة، وإنْ كانت القافلة التي دخلت هي ضِمن برنامج المساعدات العادية التي كانت متوقفة بسبب الكارثة، ويُتوقَّع أن الأمم المتحدة بدأت اختبار طريق دخول المساعدات بهذه القافلة، لتسيير قوافل التدخُّل الخاص بالكارثة بعد ذلك.
وخلُصت ورقة "جسور للدراسات" إلى أن التأخير في إيصال المساعدات من آليات إنقاذ وغيرها لم يكن لأسباب لوجستية، وإنما هو ناتج عن تباطُؤ دولي وأممي أدى إلى تفاقُم الكارثة "عانت المناطق المنكوبة بالزلازل شمال غرب سورية نقصاً حادّاً في جميع أنواع الاحتياجات الإنسانية وفِرَق الطوارئ وآليات ومعدّات الإنقاذ، ومع الاستنزاف الكبير الحاصل في مناطق متسعة ضربها الزلزال في جنوب تركيا؛ فإنَّ أيّاً من المساعدات الخارجية أو التدخل لم يصل إلى المناطق المنكوبة في الأيام الثلاثة الأولى من حدوث الكارثة.
يُستبعد أن يكون سبب التأخُّر في وصول المساعدات لوجستياً، حيث كانت الطرق والمعابر البرية بمعظمها سالكة، فضلاً عن القدرات الدولية للتدخل بإلقاء المساعدات من الجوّ، لكن كان مُلاحَظاً التباطُؤ الدولي والأممي في فتح خطوط التدخُّل الإنساني رغم الحاجة لتفعيل أعلى مستويات الاستجابة الإنسانية الطارئة.
ومع وجود مفقودين تحت الأنقاض ومعاناة الناجين من صعوبات نقص الغذاء والماء والدواء والمأوى وانخفاض درجات الحرارة، فإن هذا التباطُؤ الأممي والدولي تسبَّب في تفاقُم المعاناة الإنسانية وتراجُع فرص إنقاذ الكثير من الأرواح، وإنهاك المجموعات والفِرَق المحلية المستنزَفة في مناطق الكارثة".