جاويش أوغلو في القاهرة.. إنفراجة بعد 11 عاماً عجاف
نداء بوست- ملفات- خاص
أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو زيارة إلى مصر، تلبية لدعوة نظيره المصري سامح شكري، وذلك في خطوة هي الأولى من نوعها منذ نحو 11 عاماً.
ووصل جاويش أوغلو ظهر السبت إلى مطار القاهرة، وكان في استقباله مساعد وزير الخارجية المصري إيهاب ناصر، والقائم بأعمال السفارة التركية لدى القاهرة صالح موطلو شن.
وقال جاويش أوغلو في مؤتمر صحفي مشترك مع شكري عقب لقائهما في القاهرة إنه بحث مع نظيره المصري العديد من الملفات ذات الصلة بتعزيز العلاقات الثنائية، مشيراً إلى أن الجانبين أظهرا إرادة لتعزيز العلاقات في مجالات كالطاقة والتجارة والنقل والدبلوماسية.
وأضاف: "ركزنا على العديد من المجالات، ونرغب في تعزيز التعاون الثنائي في مجال الطاقة، وإحياء النقل بين البلدين من أجل تعزيز التبادل التجاري، كما نرغب في رفع علاقاتنا الدبلوماسية إلى أعلى مستوى."
كما أكد جاويش أوغلو وجود رغبة لدى البلدين لإحياء التشاورات الثنائية السياسية حول الملفات الإقليمية، موضحاً أن اللجان المختصة لدى البلدين، ستواصل أعمالهما حول الملفات التي تمت مناقشتها خلال لقاء اليوم، وذلك لحين انعقاد اللقاء التالي.
وأضاف: "تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر سيعود بالنفع والفائدة على المنطقة أيضاً، وخاصة من حيث استقرار المنطقة ونهضتها الاقتصادية وإيجاد حلول لأزماتها.. منطقتنا بحاجة إلى الاستقرار. وبالتالي يجب علينا العمل معاً من أجل استقرار وبقاء منطقتنا".
وكشف جاويش أوغلو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي قد يعقدان لقاءً عقب الانتخابات المقبلة في تركيا، مشيراً 6 أنه يقع على عاتق وزيري الخارجية إعداد ترتيبات اللقاء، فيما يعود للزعيمين تحديد موعد اللقاء.
من جانبه، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إنه ناقش مع جاويش أوغلو "استعادة قوة وزخم العلاقات وعودة السفراء على مستوى البلدين".
وقال: "نسعد أن نطلق أنا ووزير خارجية تركيا تلك المشاورات لتكون المسار لاستعادة تطبيع العلاقات بين البلدين في كافة المناحي وبدء مرحلة جديدة يكون لها أثر إيجابي على شعبي البلدين وتؤدي لمزيد من الاستقرار في المنطقة".
وعن لقائه مع جاويش أوغلو، قال شكري: "تباحثنا في نحو ساعتين من الزمن في كافة العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية وكانت مباحثات معمقة وصريحة بحكم ما نراه من أهمية لهذه العلاقات".
وأردف: "هناك إرادة سياسية من قيادتي البلدين وتوجيهات بإطلاق المسار التشاوري وصولاً للتطبيع الكامل في العلاقات، وننظر للأمام وأثق فيما نقف عليه من أرضية صلبة وبما يربطنا من أواصر مصاهرة، في إطار السعي لاستعادة زخم هذه العلاقات وقوتها مع تركيا".
كما أعرب عن تطلعه "لاستمرار التواصل والتنسيق مع وزير الخارجية التركي وفتح قنوات التواصل بين الأجهزة الحكومية واستمرار عملنا بشكل كثيف لنصل إلى ما نتطلع له سوياً من استعادة هذه العلاقة الهامة".
العلاقات التركية - المصرية
توترت العلاقات بين البلدين بعد الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي في الثالث من تموز/ يوليو 2013، حيث نددت تركيا بالانقلاب ورفضت الاعتراف بنتائجه.
تلا ذلك تراجُعٌ سريعٌ في العلاقات، إلى أن أعلنت مصر في الثالث والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 اعتبار السفير التركي شخصاً غير مرغوب فيه، لتمهد القاهرة بذلك الأجواء نحو مزيد من التوتر.
بعد وصول العلاقات التركية المصرية إلى نقطة الصفر، باتت الدولتان تقفان على طرفَيْ نقيض في معظم الملفات الإقليمية والدولية، ووصلت في بعض الأحيان إلى مرحلة المواجهة غير المباشرة.
وكان اتهام مصر لتركيا بالتدخل في شؤونها الداخلية من أبرز القضايا التي وترت علاقة البلدين، وبنت القاهرة اتهاماتها على مواقف أنقرة المنددة بشدة بالانقلاب ومنحها إقامات لعدد من مسؤولي جماعة الإخوان المسلمين الذين شغلوا مناصب قيادية خلال فترة مرسي.
الملف الليبي بدوره، كان نقطة كبيرة للاختلاف بين أنقرة والقاهرة، حيث قدمت مصر الدعم للواء المتقاعد خليفة حفتر الذي حاول الإطاحة بالحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، فيما دعمت تركيا حكومة الوفاق وقدمت لها دعماً عسكرياً كبيراً مكنها من الصمود وحال دون سيطرة الطرف الآخر على العاصمة طرابلس.
وفي عام 2019 وقعت تركيا اتفاقية مع الحكومة الليبية لترسيم الحدود البحرية، وأخرى للتعاون العسكري والأمني، لتكون هذه الاتفاقيات بمثابة فتيل أزمة جديدة مع مصر، وصلت إلى حد تلويح السيسي بالتدخل العسكري المباشر في ليبيا.
لسنوات مضت، كانت منطقة شرق المتوسط والموارد التي تحويها نقطة للصراع بين أنقرة والقاهرة، حيث وقعت مصر اتفاقية مع اليونان -التي تدور بينها وبين تركيا خلافات كبيرة أيضاً- للعمل المشترك شرق المتوسط بغية بناء تحالُف مناهض لتركيا.
الانفراجة
مطلع العام الماضي، أرسل مسؤولون أتراك إشارات واضحة على نية أنقرة بتحسين العلاقات مع القاهرة، وذلك من خلال مجموعة من التصريحات الإيجابية تجاه مصر.
وبدأت تلك الرسائل بثناء وزير الدفاع خلوصي آكار على مصر لاحترامها للجرف القاري التركي شرق المتوسط، وتأكيده على إمكانية إبرام مذكرة تفاهُم مع القاهرة “انطلاقاً من القيم التاريخية والثقافية المشتركة”.
كما أن المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جليك، أشار إلى وجود “أواصر قوية للغاية مع الدولة المصرية وشعبها تعود لتاريخ قديم”، مضيفاً: “دون شراكتنا التاريخية لا يمكن كتابة تاريخ المنطقة”.
وألمح جليك إلى استعداد أنقرة للدخول في حوار مع القاهرة لحل الخلافات العالقة “دون تخلي تركيا عن موقفها السابق القائم على المبادئ” -في إشارة إلى الانقلاب العسكري في مصر عام 2013- مضيفاً: “لكن هذا بالطبع منوط بأن يكون نفس النهج مُتبادَلاً”.
من جانبها، رحبت مصر على لسان وزير خارجيتها سامح شكري برغبة تركيا في إعادة العلاقات، إلا أنها رهنت التطبيع الكامل بـ”حدوث تغيُّر حقيقي في السياسة والمنهج والأهداف التركية لتتوافق مع السياسات المصرية”.
عقب ذلك، ترجمت الدولتان الرسائل الإيجابية التي تم توجيهها بشكل متبادل إلى خطوات عملية، تمثلت بعقد جولتين من المحادثات الاستكشافية على مستوى نواب وزراء الخارجية، تم خلالهما مناقشة القضايا الثنائية والإقليمية، والأوضاع في سورية وليبيا وشرق المتوسط.
وزارتا الخارجية التركية والمصرية، أكدتا عقب تلك المحادثات أن الجانبين أبديا الرغبة في اتخاذ مزيد من الخطوات من أجل إحراز تقدُّم في القضايا التي تم مناقشتها وتطبيع العلاقات بين البلدين.
وكان التطور الأبرز هو اللقاء الذي جمع أردوغان والسيسي على هامش افتتاح مونديال كأس العالم في قطر 2022، ومن ثم زيارة وزير الخارجية المصري إلى تركيا عقب الزلزال للتضامن معها.