تضارب المواقف الأمريكية حول سورية يُفقد الولايات المتحدة تأثيرها
ظَهرَ قبل أيام رئيس النظام السوري بشار الأسد في قمة جامعة الدول العربية في السعودية للمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمن، بعد طرد نظامه من الجامعة في عام 2011 بسبب قمعه الوحشي للاحتجاجات السلمية المطالبة بالديمقراطية خلال الربيع العربي.
تم استقبال الأسد في إطار جهود إعادة الإدماج التي تقوم بها عدة دول إقليمية، بقيادة السعودية والإمارات.
أدانت إدارة بايدن وكبار المسؤولين في البيت الأبيض هذه الخطوة، مع التعهد بمواصلة سياسة إبقاء النظام السوري معزولاً، ومواصلة مساءلة الأسد عن دوره في قتل مئات الآلاف من السوريين في حربه ضد شعبه والتي استمرت لأكثر من عقد من الزمان.
وقد قال أحد الخبراء في الشأن السوري لـ "فوكس نيوز": إن إدارة بايدن قد أرسلت رسائل متضاربة بشأن سياستها تجاه سورية في السنوات العديدة الماضية.
كما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول كبير في إدارة بايدن في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2021 قوله إنها لا تدعم بدء الأردن لعملية التطبيع بعد أن تحدث الملك عبد الله الثاني مع الأسد عبر الهاتف.
ومع ذلك، قال المسؤول: إن إدارة بايدن لن تعمل بنشاط لمنع البلدان من التعامل مع الأسد، إلا عندما يتطلب القانون صراحة ذلك.
وقال تشارلز ليستر، كبير الباحثين في معهد الشرق الأوسط: إن البيت الأبيض كان يعطي الدول الإقليمية نوعاً من الضوء الأصفر لمتابعة محادثات التطبيع مع النظام، في حين تتبنى الدائرة الدبلوماسية الأمريكية موقفاً مختلفاً علنياً.
وقال الباحث الأمريكي: "وزارة الخارجية تعارض بشكل ثابت عملية التطبيع وتدعم العزلة وفرض العقوبات والإجراءات العقابية وما إلى ذلك، ولكن عندما تكون لديك حكومة، ولا سيما أقوى حكومة في العالم، ترسل رسائل متضاربة بشكل كبير، فليس من المستغرب أن هذا يؤدي إلى سياسة عقيمة تتعارض مع ذاتها والتي في النهاية أدت بنا إلى الموقف الحالي، حيث تحاول بعض الدول في المنطقة إعادة التعامل مع النظام، لكنها في هذا العمل أفسدت بشكل كامل تأثيرنا كأمريكيين".
وأضاف: "إذا اخترنا أن نحاول دبلوماسية تتعلق بسورية، فقد ألغوا تأثيرنا، لأن بشار الأسد يعلم الآن أنه تمكن من إجبار الدول الإقليمية على الاستسلام له بشكل فعال، ولذلك، إذا قررنا كدولة الولايات المتحدة، أن نتصدى لأزمة سورية ونطلق عملية دبلوماسية رئيسية، فإن المنطقة قد تنازلت مسبقاً ومنحت النظام مزيداً من التأثير والرافعة المالية على هذه العملية أكثر من قبل".
إن قرار الجامعة العربية بالاتفاق على استقبال الديكتاتور السوري مرة أخرى قد أشعر السوريين الذين اضطروا للفرار من منازلهم بسبب القصف بالبراميل من قوات النظام والقصف من طائرات حربية روسية كما لو أنهم تعرضوا لصفعة قوية.
فهناك أكثر من 14 مليون سوري اضطروا للفرار من منازلهم ويقترب عددهم من 7 ملايين نازح داخلياً.
وقال خالد الشلاح، وهو سوري يعيش في محافظة إدلب في شمال غرب سورية، لـ "فوكس نيوز": "نحن نرفض التطبيع مع نظام الأسد، ولا يمكننا أن نتصالح أو نعتبره رئيساً لنا".
وأضاف: "نظام إجرامي إرهابي قام بتشريد ملايين العائلات السورية إلى دول مختلفة حول العالم واعتقل مئات الآلاف في سجونه، ولا نعرف مصيرهم".
لقد فرّ خالد الشلاح وعائلته من منزلهم من معرة النعمان في عام 2019 بسبب القصف المستمر.
وقد تم تشريدهم لعدة سنوات قبل أن ينتقلوا إلى شقة قرب الحدود بين تركيا وسورية.
وأكد أنه على الرغم من معاناة الجوع والتشرد التي يعانيها هو وعائلته، فإنهم يفضلون أن يستمروا في المعاناة بدلاً من التصالح مع النظام.
وقال: "بشار الأسد هو مجرم حرب، قاتل الأطفال، أكبر إرهابي، زعيم عصابات المخدرات، نحن شعب سورية ونعرفه".
تم وصف الجهود التي تقودها السعودية لإعادة التعامل مع النظام السوري من قبل حكومات عربية بأنها مشروطة.
وصرّح ليستر لـ "فوكس نيوز" بأن الدول الإقليمية مثل الأردن والإمارات كانت في الغالب ميالة للمضي قدماً في عملية التطبيع بهدف دفع النظام للتعامل مع المسائل التي يقولون إنها تؤثر على بلدانهم، على سبيل المثال، القضاء على تهريب المخدرات، وتسهيل عودة اللاجئين إلى سورية، ومكافحة الفساد والتطرف والإرهاب داخل البلاد.
وقال ليستر: إنه على الرغم من أن المحادثات تبدو على شكل صفقة متبادلة، إلا أنه لا توجد آليات متاحة للتأكد من تنفيذ النظام للتعهدات المطلوبة.
وأوضح بالقول: "لم يتم ذكر أي آلية تنفيذ في أي من البيانات الرسمية أو التصريحات العلنية التي أدلى بها المسؤولون، ولا يوجد وسيلة لقياس ما إذا كانت الأمور تتعارض أم يتم التنازل عنها.
ويعتقد ليستر "أن هذا يخبرنا بكل ما نحتاج معرفته فهذا بكل تأكيد ليس تعاوناً مشروطاً، بل هو مجرد تعاون من أجل التعاون"، وفقاً لتعبيره.
وأضاف أن النظام السوري لديه سجل طويل في إثارة المشاكل ثم القدرة على التحكم في حجم تلك المشاكل كتهديد أو ابتزاز الدول الإقليمية.
ومن أكبر "أدوات الابتزاز" التي يمتلكها النظام هو تصدير المخدر الكبتاغون.
وقال الباحث البارز: إن حبة واحدة تكلف سنتاً في التصنيع ويمكن بيعها بقيمة 15 دولاراً في الخليج، مما يثبت أنه عمل تجاري ذو قيمة كبيرة للنظام.
ففي الأسابيع القليلة الماضية وحدها، تم ضبط مخدر الكبتاغون المصنوع في سورية بقيمة ما يقرب من مليار دولار في الدول المجاورة.
وقال ليستر: "لدى النظام السوري تاريخ طويل في تحكمه في تصاعد الضغط عندما يرغب في ذلك، وتخفيض الضغط عندما يرغب في استعطاف بعض الجهات والتملق لهم.
وأردف: "أعتقد أنه من المرجح أن نرى بعضاً من تلك السياسة حيث إنني أعتقد أن النظام السوري يدرك أن وسيلته الرئيسية لممارسة تأثير ابتزازي على السعودية خاصة يكمن في تجارة المخدرات".
وأضاف "لذا أتوقع أنهم قد يساعدون في تسريب معلومات أو معلومات استخباراتية للحكومة السعودية أو الأردن عن هوية وموقع بعض الشحنات أو الأفراد المتورطين في تجارة المخدرات، بهدف خطب ودّهم وإظهار استعداد النظام السوري للتعاون مع جهات مثل السعودية".
مشروع محاربة التطبيع مع الأسد
قدمت مجموعة من أعضاء الكونغرس الأمريكي من الأحزاب الديمقراطية والجمهورية، برئاسة النائب جو ويلسون، مشروع قانون يحظر على أي إدارة حكومية فيدرالية أو وكالة اعترافاً أو تطبيعاً للعلاقات مع نظام الأسد.
ويُعرف مشروع قانون منع التطبيع مع نظام الأسد لعام 2023 أيضاً بتوسيع العقوبات الاقتصادية للأشخاص "المتورطين في تحويل وسرقة المساعدات الإنسانية المخصصة لشعب سورية والمشاركين في سرقة ممتلكات الشعب السوري لأسباب سياسية أو مكاسب شخصية".
تمت الموافقة بالإجماع على المشروع من قبل لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، في لجنة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ووسط آسيا في الأسبوع الماضي.
المصدر: فوكس نيوز
بقلم: أشلي كاراناهان
ترجمة: عبد الحميد فحام