تحقيق لـ"نداء بوست": إقبال العرب على الأسد وتدعيم أركان الحكم الطائفيّ في سورية
منذ انقلاب البعث عام 1963، ووصول حافظ الأسد إلى سُدَّة الحكم بعد سبعة أعوام، تغيَّر شكل سورية كلياً، وتغيَّرت معه حياة السوريين وحرياتهم، وحتى لغتهم التي تحولت من لغة الضاد العربية إلى لغة القاف الطائفية.
لطالما مَثَّلَ نطق حرف القاف الصريح مصدر رعب للسوريين طِيلة السنوات الخمسين الماضية، كيف لا؟ وهي لهجة أزلام النظام والأفرع الأمنية، لهجة الطائفة الأقلية الحاكمة المتحكمة بالأكثرية.
وعقب اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، أصبحت تلك اللهجة العهد الذي بين الفئة القليلة من ”الوطنيين” التي وقفت إلى جانب الأسد ودافعت عن جرائمه، وبين غالبية السوريين الذين كانوا ضحية للمجازر التي ارتُكبت تلبية لـ ”علي” و”الحسين” و”زينب” و”آل البيت”.
العلويون وحُكم سورية
أصبحت الطائفة العلوية صاحبة النفوذ الأكبر في الدولة السورية، منذ الانقلاب، حيث عمل صلاح جديد على هندسة أركان الجيش السوري بما يتناسب مع خططه ومساعيه الرامية للهيمنة على الدولة.
وفي بادئ الأمر، قام جديد بتسريح الضباط غير المنتمين للحزب، واستبدلهم بمدنيين منتمين، وكذلك مكَّن البعثيين وأوكل المناصب القيادية الحسّاسة إليهم، وفي الخطوة التالية استبعد الضباط السُّنة وعيّن ضباطاً علويين مكانهم.
لاحقاً، وفي مرحلة تصفية التيار الناصري في الجيش، تم زيادة العنصر العلوي والاعتماد عليه في المؤسسة العسكرية، وتزامن ذلك مع تنامي طموحات وزير الدفاع حافظ الأسد في الاستيلاء على السلطة، الذي بدأ بتشكيل تيار علوي موالٍ له في الجيش.
ويختلف نهج حافظ الأسد عن تيار صلاح جديد، أن الأول كان تياره علوياً صافياً، أما الثاني فكان ريفياً اشتراكياً إلى جانب كونه راديكالياً.
ورويداً رويداً تمكن حافظ الأسد من تطييف الجيش السوري، وإطلاق يد العلويين وفرضهم على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وإتاحة المجال لهم للاستثمار في فساد مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية.
بشار على خُطى والده
لم يختلف الحال كثيراً عقب تولي بشار الأسد السلطة بعد وفاة والده عام 2000، بل تعزز حكم الطائفية وتوسَّع ليشمل المنتمين للمذهب الشيعي، متأثراً بتطوُّر العلاقات الكبير مع إيران.
وبعد اندلاع الثورة، وجدت الطائفة العلوية نفسها في مواجهة المجتمع السوري عموماً، حيث ارتضت لنفسها أن تكون ذراعاً أمنياً يستخدمه النظام في قمع الحراك الشعبي واقتحام المناطق الثائرة والتنكيل بأهاليها.
وعزز نظام بشار الأسد الأحقاد بين العلويين وباقي السوريين، من خلال اللعب على وتر الطائفية منذ الأيام الأولى للحراك، وقيامه بالتجييش ضد العلويين، الذين ما كان منهم إلا الولوغ في دماء السوريين أكثر بحُجة أن رحيل الأسد يعني فناءهم.
وارتكب أبناءُ الطائفة المدنيون والعسكريون منهم عشرات المجازر وجرائم الإبادة العرقية، راح ضحيتها آلاف المدنيين من السنَّة.
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن قوات الأسد ارتكبت ما لا يقل عن خمسين مجزرة تحمل صبغة طائفية منذ عام 2011 وحتى 2018، أسفرت عن مقتل 3098 شخصاً، منهم 3028 مدنياً و70 من مقاتلي المعارضة، ومن بين المدنيين 531 طفلاً و472 امرأةً.
وشهد العامان الأوَّلان من الثورة النسبة الأعلى من مجازر التطهير الطائفي، حيث جنَّد نظام بشار الأسد ميليشيات طائفية من أبناء الطائفة العلوية، واستعان بميليشيات إيرانية، لإذكاء صراع سُنيّ علويّ شيعيّ.
ومارست تلك الميليشيات في مجازرها مختلف أعمال القتل، وتعمَّدت تسريب صور وفيديوهات لجثث مشوَّهة وحرق مدنيين وهم على قَيْد الحياة وأطفال ذُبحوا بالسكاكين وقُطّعت أرجلهم، ونساء جردن من ملابسهن، وذلك بقصد تأجيج الصراع الطائفي.
العرب يفتحون ذراعهم للأيدي الملطَّخة بالدماء
وبعد 12 عاماً من الثورة، والحرب التي يشنها بشار الأسد ضد السوريين الحالمين بالحرية والكرامة، لم تؤثر دماء الملايين في طبيعة النظام، كما أنها لم تكن كافية ليتذكرها القادة العرب ويدافعوا عنها باستمرار العزلة على مَن كان السبب الأول لها، وذلك أضعف الإيمان.
فلم يغير بشار الأسد أيّاً من تركيبة النظام في سورية، وتمسك بالاعتماد على الضباط والمسؤولين العلويين في إدارة مفاصل البلاد، كما هو حال الأفرع الأمنية، التي يديرها زمرة من كبار الضباط الذين أوغلوا في دماء السوريين.
وبإلقاء نظرة سريعة على رؤساء تلك الأفرع، نلاحظ أن شعبة الأمن العسكري يديرها اللواء كفاح ملحم، ونائبه اللواء إبراهيم الوعري، وهما من الطائفة العلوية.
وكذلك الحال بالنسبة لفروع الشعبة المركزية، كفرع تحقيق صف الضباط الذي يقوده اللواء مفيد خضور، وفرع شؤون الضباط والذي يقوده العميد آصف الدكر، وفرع فلسطين بقيادة العميد ماجد إبراهيم، وفرع المداهمة والاقتحام والذي يسمى بسرية المداهمة أو فرع القزاز، ويقوده العميد معروف عباس، وجميعهم من العلويين.
وبالنسبة للمخابرات الجوية، فيقودها اللواء غسان جودت إسماعيل، ونائباه اللواء أديب سلامة، واللواء قحطان خليل، وجميعهم علويون.
وأما الأفرع المركزية، فيقود فرع المعلومات العميد سلطان تيناوي وهو علوي، وفرع التحقيق العميد عبد السلام محمود وهو شيعي، وفرع المهام الخاصة العميد حسن عبدو عيسى وهو علوي.
وأما إدارة المخابرات العامة أو جهاز أمن الدولة، فيديره اللواء حسام لوقا وهو شركسي، وينوب عنه اللواء غسان خليل واللواء أكرم محمد علي، وهما علويان.
الجدير بالذكر أنه لا يوجد إحصائية دقيقة للتركيبة الدينية في سورية، إلا أن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية للحريات الدينية الصادر عام 2011، قدَّر أن نسبة المسلمين السُّنة في سورية تبلغ 77%، و10% علويون، و3% دروز وإسماعيليون وشيعة اثنا عشرية، و8% مسيحيون من طوائف مختلفة.