الوحدات العسكرية التي شكلتها روسيا في سورية.. الدلالات والمستقبل في دراسة لـ"مركز جسور" 

الوحدات العسكرية التي شكلتها روسيا في سورية.. الدلالات والمستقبل في دراسة لـ"مركز جسور" 

نشر "مركز جسور للدراسات" تقريراً اليوم الخميس، استعرض فيه الوحدات العسكرية التي شكلتها روسيا في سورية، ومناطق انتشارها والمستقبل المحتمل لها.

وبدأ المركز تقريره بالإشارة إلى إعلان النظام السوري بين عامي 2015 و2016 تشكيل الفيلقين الرابع والخامس، في حدث هو الأول من نوعه منذ سبعينيات القرن الماضي.

وأوضح المركز أن الفيلق الرابع والخامس والفرقة 25 تعتبر من أبرز الوحدات العسكرية التي استحدثتها روسيا عبر مأسسة الميليشيات المحلية التي شكلها النظام لمواجهة الثورة.

الفيلق الرابع في سورية

وأعلن النظام عن الفيلق الرابع 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، بعد التحشيد له في اللواء 87 على الطريق الشرقي الواصل بين مدينة حماة وبلدة معر شحور.

وتم تشكيل هذا الفيلق بدمج عناصر من أفرع المخابرات وميليشيات الدفاع الوطني واللجان الشعبية داخل مدينة حماة وخارجها، للالتحاق بجبهات المعارك والقتال في ريف حماة.

ويتألف هذا الفيلق من الفرقة الثانية مشاة، وتنتشر في ريف اللاذقية الشمالي، والفرقة السادسة مشاة، والفرقة الثامنة دبابات، وتنتشران في ريف حماة الشمالي الغربي.

الفيلق الخامس في سورية

تم الإعلان رسمياً عن الفيلق الخامس في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وأنشأ مراكز تجنيد مخصصة له في دمشق وحمص وحماة وحلب وطرطوس واللاذقية والسويداء.

ويتألف الفيلق من اللواء أول مهام خاصة، وتنتشر في ريف إدلب الجنوبي، واللواء الثاني، ويتواجد في ريفي حماة الشمالي والشرقي، واللواء الثالث شمال حماة.

كما يضم الفيلق الخامس اللواء الرابع المنتشر شرق حمص، واللواء الخامس شمال دير الزور، واللواء السادس في السويداء.

كذلك يضم اللواء السابع مدفعية شرق دير الزور، واللواء الثامن شرق درعا، والفوج الأول مهام خاصة المنتشر في ريف إدلب الجنوبي.

[caption id="attachment_77983" align="aligncenter" width="906"] خريطة توضح أماكن انتشار الفيلقين الرابع والخامس - مركز جسور للدراسات[/caption]

دلالات تشكيل الوحدات العسكرية الجديدة في سورية

من الناحية العسكرية، يقول المركز إن تشكيل الفيلقين الرابع والخامس ومناطق انتشارهما والمهام الموكلة لكل منهما يدل على جملة من النقاط، أبرزها:

- غياب المعايير النموذجية في تشكيل الفيلقين الرابع والخامس قياسياً على معيارية الفيالق الأساسية في الجيش قبل عام 2011.

- عدم الالتزام بالقوانين العسكرية المعمول بها في التطوع في كلا الفيلقين وتجاوز كافة الفحوصات التي يتم بموجبها قبول المتقدم للعمل في المؤسسات العسكرية.

- يدل البناء المتدرج والمختلف لكلا الفيلقين على التدهور الكبير في القوى البشرية التي ترفد قوات النظام؛ حيث يعتمد الفيلق الرابع على التنظيم الفرقي والخامس على الألوية في هيكليته.

- الاعتماد على الامتيازات، لا سيما المادية للمتطوعين في صفوف الفيلقين، بهدف تلافي الظواهر السلبية التي تنتشر في قوات النظام كالفرار من الخدمة أو التخلف عن أدائها.

- مخالفة كافة القوانين العسكرية التي تشترط التفرغ للعمل العسكري، باعتماد العمل مع العناصر وفق نظام العقود، ودعوة المدنيين للتطوع فيهما، وخاصة الفيلق الخامس.

لكن هذا الأسلوب يعكس من جانب آخر حالة التعبئة والاستقطاب التي تدفع بالشباب للتطوع، ويظهر ذلك بوضوح في الفيلق الرابع؛ لأن غالبية منتسبيه من مدن وبلدات الساحل وريف حماة الغربي.

- البنية الميليشياوية التي تغلب على هيكلية وتشكيل كلا الفيلقين، مما يحول دون وصفهما كوحدات تابعة لجيش حقيقي، نتيجة تعدد الجماعات المسلحة غير الحكومية فيهما.

ولجأت روسيا إلى ذلك بسبب سيطرتها على سورية وعدم حاجتها للتنسيق مع قيادة النظام، وعملت على ضم الفيلقين لبنية الجيش النظامي المكون من ثلاثة فيالق لإضفاء الطابع المؤسسي على القوات الإضافية الرديفة ودمجها في الجيش.

ولتجنيبها المساءلة القانونية الدولية لمشاركتها بحرب أهلية، وإبقائها كقوات تقوم بمهام محاربة الإرهاب.

- عدم خضوع المنتسبين لكلا الفيلقين لتدريبات عسكرية، حيث اشترطت روسيا على المنتسبين المتطوعين الفيلق الخامس أن يكونوا قد أدوا الخدمة الإلزامية، كي لا تتكلف عناء تدريبهم من ناحية، والحرص على عدم إظهار فشلها بالنسبة للتشكيل الجديد على غرار تعثرها في الفيلق الرابع.

أسباب تشكيل روسيا فيالق جديدة في سورية

رأى المركز وجود عدة أسباب مركبة متداخلة دفعت روسيا إلى تشكيل الفيلقين الرابع والخامس، والتي تحقق بموجبها أهداف تدخلها في سورية، دون إحداث مواجهات ما أمكن مع طرف ما، والعمل على احتواء طرف آخر.

ومن ضِمن تلك الأسباب:

- توظيف حالة التعبئة والاستقطاب التي شكّل بموجبها النظام ميليشيات الدفاع الوطني من المجتمعات التي يسيطر عليها والمهمة بالنسبة إليه، مثل اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة، والتي تحولت لاحقاً إلى الفيلق الرابع، لتشكل روسيا بموجبه نطاق حماية ودفاع عن قاعدة حميميم التي حولتها إلى ما يمكن اعتباره مقر قيادة لقواتها في سورية؛ مستفيدة من انتماء عناصر الفيلق لذات مناطق انتشاره في اللاذقية وحماة.

- معالجة النقص الحاد في القوى البشرية بامتيازات تشجيعية ظاهرة في عقود التطوع كالمنح المالية والبطاقات الأمنية، وربطها بالقيادة العسكرية المركزية للقوات الروسية في حميميم، لتأمين التدريب النسبي والمرونة في تحركهم خلال العمليات.

ولقطع الطريق على إيران التي تعمل على تجنيدهم ضمن ميليشياتها، وبالتالي العمل على وقف تنامي دور إيران التي تزج بالمقاتلين الشيعة من كل مكان في ساحة المعركة للدفاع عن مصالحها، في ظل عجز روسيا عن توفير العنصر البشري الروسي والتضحية به.

- التقارب مع المعارضة ومحاولة احتوائها بالتدريج لإخراجها من ساحة المواجهة، ويُلاحظ ذلك بوضوح في حالة الفيلق الخامس من خلال لواءيه السابع مدفعية الذي ينتشر في دير الزور ويستقطب الأشخاص الذين خضعوا للتسويات والتحقوا باللواء لإعفائهم من الخدمة الإلزامية، واللواء الثامن في درعا.

إضافة إلى هدف التقارب مع المعارضة المسلحة وإظهار روسيا في موقع الوسيط والضامن بين الفصائل وقوات النظام، ولعدم رغبتها في التورط عسكرياً بمعارك استنزاف، يترتب عليها تبعات عديدة أبرزها تنامي خسائر الاقتصاد الروسي وارتفاع تكاليف الحرب.

- تكليف الفيلقين بمهام إمساك الأرض (رباط) تتحدد في مناطق انتشارهما المذكورة أعلاه، بما يتناسب مع التطورات في سورية، والتي تمثل روسيا الفاعل الرئيسي فيها مناطق خفض التصعيد، ومناطق التسويات، والمناطق المحايدة مثل السويداء.

3 سيناريوهات لمستقبل الوحدات العسكرية الجديدة في سورية

حدد المركز 3 سيناريوهات لمستقبل الفيالق التي شكلتها روسيا في سورية، وهي على الشكل التالي:

السيناريو الأول: الاحتفاظ بالفيالق الجديدة، ويقوم على فرض نجاح روسيا بإعادة تأهيل النظام، وإحداث تغيرات طفيفة في مؤسساته، مما يستدعي الحفاظ على الفيلقين بوضعهما الراهن دون إصلاح بسبب الصعوبات الكبيرة المالية والعسكرية.

ويماثل هذا السيناريو سياسة النظام في الحفاظ على التعبئة والعسكرة في المجتمع السوري خلال الفترة التي سبقت عام 2011؛ لا سيما أنّ مناطق انتشار الوحدات العسكرية قبل عام 2011 تُعتبر قليلة، مقارنة مع الانتشار العسكري في المنطقة الوسطى والجنوبية، وبالتالي الحاجة للحفاظ على أماكن انتشار الفيلقين.

ومما يُعزز ذلك احتمال انتقال النظام من حالة عسكرة المجتمع إلى عسكرة الطائفة التي تبدو واضحة في الفيلق الرابع.

السيناريو الثاني: دمج الفيالق الجديدة بالفيالق الأساسية: ويرى المركز أن هذا السيناريو هو المرجّح لكونه أحد المسارات الأساسية لعملية الانتقال أو الإصلاح الأمني والعسكري للمجموعات المسلّحة ما دون الدولة في سورية والتي تشمل كل الميليشيات والفصائل من جميع أطراف النزاع، مما يعني التعامل مع الفيلقين كميليشيات لا تشكيلات نظامية.

ويبدأ هذا السيناريو بإرساء وقف إطلاق النار بشكل كامل، ونزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، وصولاً إلى إصلاح القطاع الأمني والعسكري بشكل عام.

السيناريو الثالث: حل الفيالق الجديدة نهائياً: ويستبعد المركز هذا المسار الذي يقوم على فرض عدم نجاح وقدرة روسيا على إعادة تأهيل النظام على المدى البعيد، مقابل استعادة المعارضة لقوتها مقابل ضعف النظام، مما يعني أن التسوية السياسية في سورية قد تكون مشروطة بحل المؤسستين العسكرية والأمنية؛ نظراً لانحيازهما إلى جانب النظام ضد الشعب والمعارضة.

وخلص المركز إلى أن أداء الفيلقين أظهر تداعي المؤسسة العسكرية لدى روسيا والنظام، إلا أنه على الرغم من ذلك تحاول موسكو تشكيل وحدات برية تابعة لها وتتبع شكلياً النظام، وتعزيز تلك الوحدات كلما سنحت الفرصة كاقتراح نشرها مكان قسد شمال شرقي سورية.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد