السوريون يطرقون أبواب إدلب وحلب هرباً من جحيم الأسد.. هجرة البحث عن الحياة
بعد أكثر من 5 سنوات من توقيعه على "التسوية"، وجد الشاب عامر سليمان نفسه مضطراً لمغادرة ريف حمص الشمالي والتوجه نحو الشمال السوري، بحثاً عن حياة آمنة ومستقرة تنسيه -ولو القليل- من المآسي التي لم يعرف غيرها طيلة السنين الماضية.
حال عامر يشبه حال آلاف السوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام السوري، فلا حياة تشبه الحياة هناك، ولا مقومات للعيش أو بصيص أمل يحيي نفوسهم التي أتعبتها سنوات الحرب والحصار.
ينحدر عامر من منطقة الحولة، وكان شاهداً على جميع الأحداث التي شهدتها مدينته خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، من قتل ومجازر وحصار، ومن ثم الاجتياح والتهجير، وما تبع "التسوية" من انتهاكات وفظائع.
خدعة "التسوية" والوعود الوهمية
أوضح عامر في حديثه لـ"نداء بوست" أنه كان كغيره من آلاف الشباب الذين بقوا في المنطقة بعد اتفاق التسوية عام 2018 ضحيةً للوعود التي قدمتها روسيا لهم خلال المفاوضات.
وفي تلك الفترة، زعمت روسيا أنها ستعيد الخدمات من مياه وكهرباء وشبكات الاتصالات، كما ستمنع النظام السوري من ملاحقة الشبان المطلوبين للخدمة العسكرية أو الذين شاركوا في الحراك الثوري.
وبعد انقضاء أسابيع قليلة، والانتهاء من عملية تهجير الرافضين للتسوية إلى الشمال، بدأت قوات النظام والميليشيات التابعة لها مسلسل التضييق والانتهاكات بحق المدنيين.
وفي أول نقض للتعهدات، قامت الأفرع الأمنية بفك أبراج شبكة الإنترنت الفضائي التي كانت تخدم المنطقة خلال سيطرة الفصائل المعارضة عليها، كما منعت تركيب ألواح الطاقة الشمسية دون ترخيص مسبق.
في المقابل، لم يقدم النظام السوري البدائل للأهالي، فحتى يومنا هذا لا يوجد في المنطقة شبكة اتصالات، ويتم تزويدها بالكهرباء لمدة نصف ساعة أو ساعة يومياً بأحسن الأحوال.
كما أن قوات النظام السوري لم تتوقف منذ دخولها للمنطقة عن حملات المداهمة والاعتقال، وأعادت فرض القبضة الأمنية التي كانت تفرضها قبيل اندلاع الثورة.
ولإكمال مخطط ضرب المجتمع، أغرق النظام السوري المنطقة بالمخدرات، وسهل ترويجها وبيعها في الأماكن العامة حتى وصلت إلى المدارس وباتت في متناول التلاميذ.
الشمال السوري قِبلة الهاربين من جحيم الأسد
قبل فترة ليست ببعيدة تمكن مراسل "نداء بوست" من الوصول إلى نقطة قريبة من معبر "عون الدادات" الذي يفصل بين مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري ومناطق سيطرة "قسد" في ريف حلب الشرقي.
وخلال تلك الجولة عاين مراسلنا تجمع مئات المدنيين في "ساحة العون" ، جميعهم قدموا من مناطق سيطرة النظام، وينتظرون السماح لهم بالدخول إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني.
ومن بين أولئك الأشخاص عوائل بأكملها بما في ذلك النساء والأطفال وكبار السن، إضافة إلى الشبان الذين شكلوا القسم الأكبر من الراغبين بدخول ريف حلب.
وفي الطريق من معبر "العون" إلى مدينة جرابلس تفاجأ الشاب حسن ديراني القادم من ريف دمشق بوجود الكهرباء في شوارع المدينة وبقدرة الأهالي على التجول فيها في ساعة متأخرة من الليل.
وقال ديراني في حديث لمراسل "نداء بوست" إن انعدام الحياة في الغوطة الشرقية وتضييق وانتهاكات النظام السوري دفعه إلى اتخاذ قرار الهجرة نحو الشمال.
كما أشار إلى أن مناطق سيطرة النظام تفتقد إلى أبسط مقومات الحياة، موضحاً أن تأمين رغيف الخبز -على بساطة هذا الأمر- بات هاجساً لرب الأسرة، فضلاً عن صعوبة الحصول على الماء والدواء والمواد الغذائية والمحروقات.
في المقابل، يشير محدثنا إلى أن قيادات الميليشيات وعوائلهم ينعمون بحياة مترفة، كما هو الحال بالنسبة للمسؤولين في النظام.
وأكد أن الازدهار الذي شهدته منطقة شمال غربي سورية خلال السنوات الماضية شجعه على الهجرة نحوها، مشيراً إلى أن رحلته كانت "سرية للغاية" تجنباً للاعتقال من قبل قوات النظام التي لا تتوانى عن اعتقال حتى من يجري اتصالاً هاتفياً مع شخص في إدلب أو ريف حلب.
قرار حتمي
من بين الذين صادفهم مراسلنا قرب معبر "عون الدادات" سيدة تنحدر من بلدة الجيزة بريف درعا تدعى أم باسل، قالت إنها لم تعد تصبر على مرارة الحياة في مناطق سيطرة النظام، وقررت التوجه إلى ريف إدلب حيث يقطن أبناؤها.
وأوضحت السيدة الستينية أن النظام عاجز عن توفير أدنى مقومات الحياة من خبز ومياه وكهرباء ومحروقات وأدوية، في وقت أغرق به البلاد بالمخدرات.
وأضافت أنها صبرت على غياب الخدمات وصعوبة تأمين المواد الأساسية، وتدهور الوضع الطبي وغيرها من المشاكل، إلا أن تسلط عناصر الميليشيات وانتشار المخدرات بشكل كبير جعلها تخشى على نفسها وعلى بناتها، وجعل من قرار الهجرة نحو الشمال أمراً حتمياً لا بد منه.
يُذكر أن مناطق سيطرة النظام تشهد أزمة اقتصادية ومعيشية غير مسبوقة، سببها تسلط الميليشيات وأفرع الأمن على مقدرات البلاد ونهبها وتمويل الآلة العسكرية التي لم تتوقف طيلة السنوات الماضية، ورفض النظام الانخراط في حل سياسي ينهي هذه المأساة.