الانهيار العمودي".. كيف أثّرت الأبنية الرخوة على رفع عدد ضحايا الزلزال؟
"الانهيار العمودي".. كيف أثّرت الأبنية الرخوة على رفع عدد ضحايا الزلزال؟
ترجمة – تحرير: مجد كيلاني
24/02/2023
نشر موقع "فوكس" الأمريكي تحقيقاً تناول تأثير نوعية الأبنية في سورية وتركيا على عدد ضحايا الزلزال وأكدت مهندسة إنشائية من كلية كلوج في لندن أن الأبنية في تركيا شهدت ما يسمى بـ "ظاهرة الانهيار العمودي" نتيجة الطوابق الرخوة أما في سورية فقد تعرضت الأبنية لعمليات إضعاف بفعل الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من 10 أعوام.
بدأ التحقيق توصيفه لما حدث خلال الزلازل "انهارت الأبنية في تركيا بعد عدة ساعات من سلسلة من الهزات الأرضية وبعد الصدمات في السادس من شهر شباط العام الحالي.
أولاً انهار السقف السفلي ومن بعده انهار كامل المبنى فوقه فيما يسمى بظاهرة PANCAKE COLLAPSE الانهيار العمودي.
آلاف المباني بالقرب من مركز الزلزال في جنوب تركيا وشمال سورية هبطت مباشرة بشكل مشابه لهذه الطريقة.
شدة الزلزال وحدها تحمل الطاقة الكامنة للتدمير حيث تراوحت بين 7.6 و7.8 درجة بمقياس ريختر، ولكن ظاهرة الانهيار العمودي الذي سببه الزلزال كان لها التأثير الأوضح والتدمير الأكثر دموية في المنطقة".
الأبنية الجيدة لم تصمد أيضاً
وقالت البروفيسورة "ياسمين ديدثم أكتاس" مهندسة إنشائية في كلية كلوج في لندن: "حتى الأبنية النموذجية والمصممة بشكل جيد عانت في هذا الزلزال، وهذا لا يستبعد أن الأبنية كانت خالية من العيب".
وحول المباني المصممة بشكل جيد وهل لعبت دوراً مهماً في إنقاذ الأرواح؟ أجابت "ياسمين ديدثم أكتاس": لنتحدث بشكل شفاف، العديد من هذه الأبنية لم يخضع للمعايير القياسية.
وتابعت: وصلت حصيلة قتلى الزلزال حوالَيْ 42007 ولا يزال العديد من الضحايا عالقين تحت وزن الأبنية الثقيل، وعلى هذا ما سيكون وضع هذه الأبنية؟ وهل هذا الزلزال الأكثر تدميراً؟
دعنا أولاً ننظر إلى المنطقة الكبرى، والمعرضة لزلازل شديدة، بسبب خطَّي الصدع هذين، وهما يتموضعان على طول الطبقات التكتونية التي تلتقي ببعضها البعض، والتي تسبب احتكاكاً، وعندما يشتد الاحتكاك ينشأ زلزال قوي في النهاية.
خلال القرن الماضي، شهدت تركيا زلازل عظيمة على طول خطَّي الصدع هذين، آخِرها حدث هنا (على خريطة على الشاشة) وهذا التأثير الزلزالي يُظهر مركز الزلزال، وعندما تأخذ نظرة عن قرب للمناطق المتأثرة والتي كانت مكتظة باللاجئين السوريين والذي انتهى بهم الأمر بالسكن بأبنية بُنيت بشكل عشوائي ومهمل بشكل كبير.
وعلى الحدود السورية الأبنية في هذه المناطق تعرضت لعمليات إضعاف بسبب الحرب الأهلية، ولكن ما عقَّد هذه الكارثة حقاً، أن تركيا كانت على علم بهذه المباني التي كانت الأكثر خطورة. والتي أضعفتها الأحداث التي مرت عليها خلال فترة طويلة، ويطلق عليها اسم أبنية الطوابق الرخوة، عادةً ما تكون هيكلاً كبيراً مع طوابق متعددة ومساحة مفتوحة في الأسفل ، ويمكن للطابق السفلي في بعض الأحيان أن يكون مرآباً للسيارات للشركات الصغيرة أو منازل إضافية، هذه المباني شائعة جداً في جميع أنحاء العالم خاصة في دول مثل الهند وباكستان وتركيا؛ لأنها توفر حلاً للازدحام في المناطق المكتظة بالسكان ولكن هذه الأبنية على مر الزمن لا تؤدي دورها في تحمُّل زلزال متوسط إلى قوي.
أبنية مصنوعة من الأسمنت الهشّ
مشيرة إلى صورة توضّح ماهية الأبنية المنهارة قالت "ياسمين ديدثم أكتاس" :هذا هو السبب: هذه الأبنية يمكن أن تكون مصنوعة من الخرسانة (الأسمنت) الهشة. وقد تكون الطوابق الموجودة في الأعلى مصنوعة من مواد أثقل مثل الخرسانة. في بعض الأحيان تحتوي الأرضية السفلية على عدد أقل من الجدران من تلك التي فوقها، مع وجود جوانب قد تُترك مفتوحة، أو أعمدة غير متصلة مع الجدران، وهذا يعني أن الطابق الرخو هو أضعف أرضية، ولا يستطيع أن يدعم بشكل كامل الطوابق الأثقل منه والتي تكون فوقه، لذلك عندما يضرب الزلزال قد يهتز الهيكل حتى ينهار الطابق السفلي.
أثناء الزلازل القوية والتي حدثت في سورية وتركيا، قد يسقط ما تبقى من المبنى، هذا النوع من الانهيارات يحبس الناس تحت مواد البناء الثقيلة مما يجعل مهامّ الإنقاذ أكثر صعوبة.
واجهت تركيا هذا النوع من التحدِّيات من قبل، ففي عام 1999 حدث زلزال في منطقة إزميت درجته 7.6 ريختر مشابه لهذا الزلزال وسبَّب أكثر من 17000 وفاة، وأصبح من الواضح أن تصميم البناء الضعيف والطوابق الرخوة والتي شكلت ما يقارب 90% من المباني المنهارة فاقمت حصيلة القتلى في هذه الكارثة.
دفعت التداعيات الحكومة التركية إلى إعادة إدخال تقييم قوانين المباني مع التركيز على السلامة من الزلازل لكن لم يتم فرضها بسبب الفساد وقد تم بناء العديد من المباني في تركيا قبل عام 1999 بفترة طويلة مما يعني أنه لا يمكن تعزيز تلك المباني إلا بأثر رجعي.
هل يمكن تدعيم المباني الرخوة؟
وفقَ المتحدثة، فإن هناك طريقة للحفاظ على سلامة المباني ذات الطوابق الرخوة في حالة حدوث زلزال. وذلك بتعديلها بمواد يمكن أن تدعم وزن البناء.
في السيناريو المثالي يمكن استبدال هذه الأعمدة أو تقويتها بإطار من الحديد الصلب، ويمكن تقوية هذه الجدران المفتوحة أيضاً ويمكن حفر براغٍ ودعامات إضافية في الأساس، فإذا تعرض البناء لصدمات سيكون هناك دعم من هذه البراغي والدعامات في الطابق الأرضي، حل مثل هذا قد يبدو بسيطاً لكنه مكلف للغاية أثناء التنفيذ.
وحسب توصيات البنك الدولي فإن حوالَيْ 6.7 مليون مبنى سكني في تركيا بحاجة إلى تعديل أو إعادة الإعمار بتكلفة 465 بليون دولار، وفي عام 2021 تم تحويل حوالَيْ 4% من هذه الأبنية.
في الواقع يُعَدّ التعديل التحديثي مهمة مكلفة وتقريباً مستحيلة في دول مثل أمريكا. هنا كل مبنى من الطوابق الرخوة المتبقية في سان فرانسيسكو يحتاج إلى تدعيمات وتعزيزات قد تكلف بلايين الدولارات. وهناك مشكلة أخرى في تركيا أن شركات البناء تقطع زوايا البناء وتتجاهل المعايير القياسية للإنشاءات منذ عقود. والحكومة التركية سمحت بهذه الانتهاكات بالاستمرار.
وفقاً لـ BBC، فقد أُعلن عن مبنى يتوافق مع أحدث لوائح السلامة من الزلازل في تركيا، والتي تؤكد استخدامَ موادّ قوية، ولكن الطريقة التي انهار بها المبنى نفسه تشير إلى أنه كان عبارة عن بناء طوابق رخوة.
الآن تتخذ تركيا إجراءات صارمة ضد المقاولين الذين يُزعَم أنهم مسؤولون عن هذه الانهيارات.
حجم هذه الكارثة هو نتيجة لعوامل معقدة مثل الجغرافيا، والأحياء لا تزال تترنح من الحرب والمباني الضعيفة.
ولكن ما يجعل هذه اللحظة مروّعة بشكل خاص هو أنه في حين أن الزلازل على طول خطوط الصدع أمر لا مفرّ منه، فإنه لا يجب أن يقع هؤلاء -الأهالي في تلك المناطق- موتى.
تركيا جنباً إلى جنب مع البلدان الأخرى بالقرب من خطوط الصدع كلها عرضة للزلازل الشديدة لكن يمكن لهذه الزلازل أن تكون أقل إبادة إذا فرضت المدن القوانين وتعاملت مع السكن الآمِن على أنه حقّ من حقوق الإنسان.