الاندفاع السعودي نحو الأسد.. ما علاقته بعقلانية السياسة السعودية؟

الاندفاع السعودي نحو الأسد.. ما علاقته بعقلانية السياسة السعودية؟

الاندفاع السعودي نحو الأسد.. ما علاقته بعقلانية السياسة السعودية؟

 

نداء بوست- أسامة آغي

اتسمت السياسة الخارجية السعودية على مدار العقود الماضية بأنها سياسة عقلانية هادئة، هذه السمات، منحت المملكة دوراً وازناً في رسم سياساتها الخارجية، وكذلك في التأثير على المواقف العربية، التي تحتاج رَوِيَّةً وبصيرة لاتخاذ قرارات حولها.

ولكن ما حدث أخيراً من تغيُّراتٍ -تمسّ جوهر السياسة السعودية- دفع مراقبي هذه السياسة إلى الاستفهام عما يقف وراء هذه التغييرات، حيث بدأت البوصلة السياسية السعودية تشير إلى انزياح واضح في مرتكزاتها، والتي كانت تؤشّر باتجاهٍ تحالفيّ مع الولايات المتحدة وحلفها الغربي، نحو سياسة تعتقد المملكة العربية السعودية أنها أكثر توازُناً دولياً، حيث بدأ انفتاح ملموس على دولٍ مثل روسيا والصين.

جِذر التغيير السياسي السعودي تقف وراءه معطيات مختلفة، أول هذه المعطيات، أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تقف مع السعوديين في حربهم ضد ميليشيات الحوثي المدعومة إيرانياً، بل إنها رفعت عن هذه الميليشيات صفة الإرهاب إرضاءً لحكام طهران، ومنعت في الآن ذاته تزويد السعودية بأسلحة نوعية، لمواجهة تهديدات الحوثيين المدعومين من ملالي طهران.

وثاني هذه المعطيات هو جوهر السياسة السعودية الجديدة بعد صعود الأمير محمد بن سلمان لسُدّة ولاية العهد، وهو موقف عارضته الولايات المتحدة عَبْر القنوات الدبلوماسية آنذاك، إذ خسرت برحيل ابن عمه الأمير محمد بن نايف ولاية العهد في المملكة، وهو حليف مضمون لواشنطن.

وثالث هذه المعطيات وأهمها، الموقف الأمريكي المتجاهل للسعودية جارة إيران في مسألة توقيع اتفاق خمسة + واحد، المتعلق ببرنامج إيران النووي. إذ تجاهلت قيادة أوباما الديمقراطي حليفتها المملكة العربية السعودية بشأن مخاوفها وهواجسها من البرنامج النووي الإيراني، وهذا يعني تجاهُل الحليف الحقيقي لمصلحة تخصّ البيت الأبيض الأمريكي آنذاك.

بقي أن نشير إلى معطًى آخر هو اتهام الولايات المتحدة الأمير محمد بن سلمان بتصفية الصحافي الحامل للجنسية الأمريكية جمال خاشقجي في قنصلية السعودية في إسطنبول.

هذه المعطيات، أحدثت شرخاً جدياً في العلاقة بين الحليفين التاريخيين السعودي والأمريكي، فغابت الثقة المتبادلة بينهما، وحلّ لدى السعوديين (الذين يحتلون المرتبة السادسة عشرة في مجموعة العشرين الاقتصادية العالمية) رأيٌ جديدٌ، هو أن الأمريكيين يريدون من المملكة العربية السعودية أن تتعاون معهم في قضايا تخصّ الأمريكيين وحدهم، مثل ضخّ المزيد من النفط في الأسواق العالمية، كي ينخفض سعر برميل النفط، حتى لا تستفيد روسيا من أسعاره المرتفعة.

هذه المعطيات والمواقف التي حدثت، هي مَن أزاح مؤشر اتجاه بوصلة السياسة الخارجية السعودية نحو البحث عن معادلٍ جديد، يحلّ محل التحالف القديم مع الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة.

إن اقتراب السعودية من الصين وروسيا أكثر، جعل قادتها يعتقدون أنهم تحرّروا من الضغوط الأمريكية عليهم، وتناسوا أن هذا التعديل في اتجاهات السياسة السعودية، سيُضعِف موقفَها حيال قضايا إستراتيجية تُهِمّها في المنطقة، فخسارة دول الشرق الأوسط العربية لصالح إيران وسياساتها التوسعية، ومحاولات الأخيرة تثبيت خط حرير جديد وَفْق ما يسمى (الهلال الشيعي)، إنما يؤجل مؤقتاً دفع السعودية لفاتورة تغيير موقفها المبنيّ أساساً على رد فعل حيال مطالب وأخطاء البيت الأبيض الذي يقوده بايدن حالياً.

المصالحة السعودية الإيرانية ونتائجها على قضايا المنطقة ستعقّد العلاقة بين السعوديين والأمريكيين، فهذه المصالحة، ستسمح لإيران بتنفيس واقع العقوبات الاقتصادية الغربية عليها، من خلال تعميق التبادل التجاري بينها وبين السعودية، وهذه المصالحة ستكفّ يد السعودية عن مساعدة قوى التغيير الإيرانية، التي تملأ شوارع إيران يومياً بالاحتجاجات والمظاهرات الهادفة إلى إسقاط نظام الملالي، كذلك لا مشكلة لدى حكام طهران بتمرير حل سياسي في اليمن (لا يموت فيه الذئب ولا تفنى من خلاله الغنم)، وهذا سيزعج الأمريكيين كثيراً.

المصالحة السعودية الإيرانية هي مَن فتح الباب على مصراعيْهِ للدعوة إلى تطبيع العلاقات العربية مع النظام الأسدي، هذا النظام مسؤول عن ارتكاب جرائم حربٍ وجرائم ضد الإنسانية بصورة موثقة، ولهذا تبدو الاندفاعة السعودية نحو قيادة التطبيع مع نظام الأسد غير مفهومة، لأنها ببساطة أظهرت ابتعاداً عن عقلانيتها المعهودة، وأظهرت أنها سياسة غير مبدئية حيال المظالم الكبرى التي ألحقها نظام الأسد بالشعب السوري المسالم.

إن السياسة السعودية التي ابتعدت لعقود من السنين عن قيادة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة في الشرق العربي، تجد نفسها اليوم بدون معادل قوّة حقيقية، وهذا يعني، أنها بامتناعها عن دعم التنمية العربية الشاملة، إنما فتحت الباب العربي أمام مشاريع إقليمية أخرى، هي ببساطة (المشروع الفارسي الخطير، والمشروع الإسرائيلي الخطير أيضاً، والمشروع التركي الأقرب للعرب).

السياسة السعودية الحالية، التي تقود التطبيع مع نظام الأسد، الذي يُعتبر حلقة من حلقات التَّبَعِيّة لإيران، إنما تتجاهل بصراحة بِنْية نظام الإبادة هذا، والذي يمارس الضغط على العالم عَبْر تحوُّله إلى مجموعة من معامل صناعة المخدرات، التي تذهب في غالبها نحو الخليج العربي.

هذه المخدرات سلاح إرهاب ضد أمن السعودية والخليج، ولا يصحّ التصالح مع إرهابه لتجنُّبه، بل المطلوب دعم قوى الثورة السورية لإجباره على قبول الانتقال السياسي في سورية.

إن الاندفاعة السعودية باتجاه إعادة نظام الأسد إلى ما يسمونه (الحظيرة العربية)، لن ينجز إصلاح النظام الأسدي سياسياً، فهذه رؤية سياسية غير عاقلة؛ لأنها تُغمض عينيها عن بِنْية فاسدة شريرة لا يمكن إصلاحها.

إن البروباغندا الإعلامية المؤيدة لنظام القتل الأسدي، تشيع بأن الولايات المتحدة هي مَن يؤيد هذا التوجه بصورة الإيحاء، ولكن الحقيقة غير ذلك، فالسيناتور الأمريكي ليندسي غراهام الذي اجتمع في جدة مع وليّ العهد السعودي منذ أيام قليلة، أبلغه غضب الولايات المتحدة وانزعاجها من دور السعودية في التطبيع مع نظام أسد.

إن السياسات العاقلة لا تُبنى على ردود الفعل حيال مواقف الآخرين، بل تُبنى على أساس المصالح الحيوية لهذه الدولة أو تلك، وإن اتجاهات السياسة السعودية الحالية تسير على طريق لا عقلانية؛ لأنها ببساطة، لا تقرأ الضرر الإستراتيجي الذي سيلحق بدول الخليج العربية أولاً، وبدول وشعوب المنطقة العربية ثانياً، نتيجة توهُّم أن استعادة النظام الأسدي للحظيرة العربية سيغيّره، إن التغاضي السعودي عن بِنْية نظام القتل والتدمير الحاكم في دمشق، لن يحلّ مسألة المظالم المستمرة التي لحقت بالشعب السوري، فهل فكّر السعوديون أنهم سيكونون بمأمن من شرّ النظام الأسدي حتى لو طبّعوا معه؟

إنها لا عقلانية السياسة، التي يبدو أن هناك مَن يبني عليها، لتدمير بلد عربي هو السعودية، ومنع أي مبادرة لخلق التنمية العربية الشاملة.

 

https://nedaa-post.com/%d9%87%d9%84-%d9%8a%d9%85%d9%83%d9%86-%d8%aa%d8%ac%d8%a7%d9%87%d9%8f%d9%84-%d8%aa%d8%a3%d8%ab%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d9%82%d9%81-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b7%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a7%d9%81%d8%b6-%d9%84%d9%84%d8%aa%d8%b7%d8%a8%d9%8a%d8%b9-%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%9f/

 

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد