الأسد يوافق والأمم المتحدة تُرحِّب... هل تُسهم الأمم المتحدة في تعويم النظام؟

الأسد يوافق والأمم المتحدة تُرحِّب... هل تُسهم الأمم المتحدة في تعويم النظام؟

الأسد يوافق والأمم المتحدة تُرحِّب... هل تُسهم الأمم المتحدة في تعويم النظام؟

نداء بوست- التحقيقات والمتابعات- كندة الأحمد

تخاذل دولي يحلّ ضيفاً على سورية مرة أخرى في هدوء حَذِر، وبتهمة القتل عمداً يرفرف عَلَم الأمم المتحدة "مقلوباً" فوق الركام بعد أن هدأ الزلزال المدمر الذي ضرب الجنوب التركي ووصل إلى الشمال الغربي من سورية وسط الجدران المهدمة والأبنية التي سقطت أرضاً بلحظات فوق رؤوس ساكنيها، بدَا المشهد حزيناً فجر يوم الاثنين 6 شباط/ فبراير التاريخ الذي أعاد إلى ذاكرة السوريين صوراً من الحرب والقتل وانتشال الجثث من تحت الأنقاض.

كيف أصبح دخول المساعدات الإنسانية من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بإذن النظام السوري أي قبل وقوع الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سورية عندما كانت المساعدات الإنسانية تدخل من تركيا عَبْر معبر باب الهوى فقط وهي نقطة العبور الوحيدة وَفْق قرار مجلس الأمن إلى أن أعلن الأمين العامّ للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" أنّ رئيس النظام السوري بشّار الأسد وافق على فتح معبرين حدودييْنِ إضافييْنِ بين تركيا وشمال غرب سورية لإدخال مساعدات إنسانية للمتضرّرين من الزلزال، وهما معبرَا باب السلامة والراعي لفترة أولية مدّتها ثلاثة أشهر. وَفْق ما أعلنت دمشق في العاشر من فبراير/ شباط الجاري موافقتها على إرسال المساعدات إلى شمال غربي سورية وَفْق وكالة "فرانس برس".

سارعت الأمم المتحدة لانتهاز فرصة الكارثة لأخذ الموافقة من النظام السوري لفتح معابر إضافية (باب السلامة) و(الراعي) بذريعة تسهيل مرور المساعدات الإنسانية لشمال غرب سورية كما وصفت واشنطن موافقة الأسد بأنها أمر إيجابي وبغاية الجدية" ما هي الدلالات التي تتبع هذه الخطوة التي من شأنها أن تغير الموقف الدولي تجاه النظام السوري الذي وُصف سابقاً بأنه نظام فاقد للشرعية، هل هي إعادة تدوير لنظام الأسد أم اعتراف حقيقي به تلبيةً للضغوط الروسية.

كيف حوّلت روسيا باب الهوى لورقة ابتزاز؟

تحاول روسيا استخدام ورقة المعابر الخارجة عن سيطرة النظام لتعزيز موقفه السياسي والدولي في المنطقة، متذرعة بانتهاك السيادة الوطنية السورية، في محاولة لإنعاش اقتصاد النظام السوري في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد لتمارس الضغط بالملف الإنساني من خلال تلويحها باستخدام حقها بالنقض في مجلس الأمن لتقليص مرور المساعدات الإنسانية عَبْر المعابر الخارجة عن سيطرته من خلال إعادة تعويم النظام من جديد لجعل جميع المساعدات تمر عَبْر نظام الأسد فقط".

وَوَفْق ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في وقت سابق فإن روسيا تهدف من ذلك إلى تشجيع المجتمع الدولي على إعادة تأهيل الأسد، وفتح الباب أمام تمويل إعادة الإعمار الذي من شأنه أن يرسخ النظام في السلطة ويزيد معاناة السوريين”.

الأمم المنكوبة

نداءات عاجلة لم تستجب لها الأمم المتحدة في وقت مبكر من وقوع الكارثة في المناطق المنكوبة من سورية.. استجابة بطيئة وكميات ضئيلة من المساعدات المتأخرة مقارنةً بحجم الكارثة الموجعة، وسط صراخ الأطفال وبكاء الأمهات والجثث المتكدسة التي بقيت تحت الأنقاض لأيام لم يأخذها العالم على محمل الجدّ عَبَّر عنها السوريون بالكتابة على جدرانهم المهدمة موجهين رسائل شكر للأمم المتحدة التي وصفت بـ “المتخاذلة": شكراً لأنكم ساهمتم في قتلنا" وهنا "صندوق تبرعات لصالح الأمم المنكوبة" التي لم تستجب سريعاً للمناشدات العاجلة التي وجهتها منظمات إغاثية وفِرَق الدفاع المدني "الخوذ البيضاء" ومؤسسات محلية لانتشال الجثث وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة كالخيام والطعام والملابس التي تقيهم البرد الشديد بعد أن دُمرت مناطق بالكامل بعد تحذيرات من منظمة الصحة العالمية بأن هناك مجاعة تهدد حياة أكثر من 5 ملايين سوري في الشمال السوري.

فشل مُعترَف به أممياً

جاء الإقرار بالفشل الذريع في إرسال المساعدات الإنسانية إلى شمال غرب سورية وتخاذُلها مع المنكوبين من الزلزال على لسان مساعد الأمين العامّ للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ "مارتن جريفيث"، في تغريدة عَبْر “تويتر": "لقد خذلنا حتى الآن سكان شمال غربي سورية... إنهم على حق في شعورهم بالتخلي عنهم.. يتطلعون إلى مساعدة دولية لم تصل أبداً "مضيفاً أن واجبه والتزامه هو تصحيح الفشل بأسرع ما يمكن.. وهذا هو تركيزه الآن.

لماذا تأخرت المساعدات الأممية؟

تأخُّر بدون مبررات حقيقية من الأمم المتحدة لإيصال المساعدات سوى تضرُّر الطرق والأضرار التي لحقت بطواقم الإغاثة في تركيا وسورية، وبدورها أثارت سخطاً شعبياً وانتقاداً حاداً من قِبل مؤسسات محلية كـ "الخوذ البيضاء" التي وصفت الأمر بـ “الجريمة".

وكانت الأمم المتحدة قد تأخرت في إرسال قوافل المساعدات الإنسانية للمتضررين من الزلزال المدمر في شمال غرب سورية، متذرعة بأسباب لوجستية، كما لم تساعد في إرسال الآليات والمعدات اللازمة لعمليات الإنقاذ والبحث عن ناجين تحت المباني المدمرة.

كما كشفت منظمة الدفاع المدني السوري أن قافلة المساعدات الأممية التي دخلت بعد 4 أيام على وقوع الزلزال كانت دورية، فيما دخلت أول قافلة مساعدات في اليوم الخامس بعد وقوع الزلزال وكانت عبارة عن معدات خيام مجهزة منذ ما قبل الزلزال وتكفي 5 آلاف شخص فقط وتم بعد الزلزال إرسال حوالَيْ 200 شاحنة إلى شمال غربي سورية، مقارنةً مع معدل 145 شاحنة أسبوعياً عام 2022، حسب منظمة "أطباء بلا حدود".

آلية دخول المساعدات إلى سورية

اعتمد مجلس الأمن الدولي في عام 2014 القرار رقم 2156، الذي منح الإذن لوكالات الأمم المتحدة وشركائها لاستخدام أربع معابر حدودية في سورية وهي باب السلامة وباب الهوى مع (تركيا)، والرمثا مع (الأردن)، و اليعربية مع (العراق)، وذلك بهدف إيصال المساعدات الإنسانية دون إذن من النظام السوري لتتغير بعدها آلية التمديد بشكل جذري، حيث اعتمد مجلس الأمن في الحادي عشر من كانون الثاني 2020 القرار رقم 2504 الذي قضى بتمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية عَبْر الحدود إلى سورية، لكن هذه المرة عَبْر معبرين فقط، ومن خلال الحدود مع تركيا وهما “باب الهوى” وباب السلامة” ولمدة ستة أشهر فقط، حيث تم إغلاق معبرَيْ "اليعربية" في العراق و"الرمثا" في الأردن إلى أن حصرت روسيا الأمر في معبر باب الهوى لدخول المساعدات إلى سورية.

كما أن مساعدات الأمم المتحدة تدخل إلى تلك المناطق عَبْر طريقين فقط، هما معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، بموجب قرار صادر من مجلس الأمن الدولي (2672)، ومن مناطق سيطرة النظام السوري.

ما هي فحوى القرار 2672؟

صاغ مشروعَ القرار كلٌّ من البرازيل وسويسرا، اللتين تسلمتا ملف الحالة الإنسانية في سورية خلفاً للنرويج وإيرلندا "مشروع القرار يؤكد تمديد (مرور المساعدات عَبْر) معبر باب الهوى لمدة ستة أشهر إضافية، أي حتى العاشر من تموز/ يوليو 2023... عملاً بالقرار 2642، ويطلب من الأمين العامّ تقديم تقرير خاص عن الاحتياجات الإنسانية في سورية في موعد أقصاه العاشر من حزيران/ يونيو 2023".

يطالب القرار رقم 2672 جميع الدول الأعضاء بالاستجابة بخطوات عملية لتلبية الاحتياجات الملحة للشعب السوري في ضوء التأثير الاجتماعي والاقتصادي والإنساني العميق الذي خلفته جائحة "كـوفيد-19" على سورية، باعتبارها بلداً يمر بحالة طوارئ إنسانية معقَّدة.

ويرحب القرار بالجهود الجارية، وحثّ على تكثيف المزيد من المبادرات لتوسيع الأنشطة الإنسانية في سورية، بما في ذلك المياه والصرف الصحي والصحة والتعليم والكهرباء حيثما تكون ضرورية لاستعادة الوصول إلى الخدمات الأساسية ومشاريع الإنعاش المبكر التي تضطلع بها المنظمات الإنسانية داعياً الوكالات الإنسانية الدولية الأخرى وذات الصلة إلى دعم هذه الجهود والمبادرات.

ما هي أهمية المعابر؟

معبر (باب الهوى) الشريان الوحيد لحياة السوريين والذي تدخل عَبْره المساعدات الإنسانية، وبحسب مركز "جسور للدراسات" فإن باب الهوى هو أكبر المعابر الحدودية وأهمها، يصل بين محافظة إدلب شمال غرب سورية وولاية "هاتاي" جنوب تركيا، وهو معبر مدني تجاري، وهو المعبر الوحيد المعتمَد لدى الأمم المتحدة لعبور قوافل المساعدات الإنسانية وَفْق قرار مجلس الأمن 2672 (9 كانون الثاني/ يناير 2023).

كما أشار مركز "جسور" إلى أن معبر (باب السلامة) هو ثاني المعابر في الأهمية، يصل بين محافظة حلب شمال سورية وولاية كيليس جنوب تركيا، وهو معبر مدني تجاري، وكان من ضِمن المعابر المعتمَدة لدخول المساعدات الأممية بالقرار 2165 (2014) إلى أن تم إيقاف تجديد دخول المساعدات عَبْره بالقرار 2533 (2020).

أما بالنسبة لـ“معبر الراعي" فيقول المركز إنه: "يصل بين مدينتَي الراعي في حلب شمال سورية، وجوبان باي جنوب تركيا، وهو معبر مدنيّ تجاريّ".
وأضاف المركز أن معبر (جرابلس) الذي يصل بين مدينتَيْ جرابلس شمال سورية، وقرقميش جنوب تركيا، أيضاً معبر مدنيّ تجاريّ.

فيما استبعد مركز "جسور" أن يكون سبب التأخُّر في وصول المساعدات لوجستياً، حيث كانت الطرق والمعابر البرية بمعظمها سالكة، فضلاً عن القدرات الدولية للتدخل بإلقاء المساعدات من الجوّ، لكن كان مُلاحَظاً التباطُؤ الدولي والأممي في فتح خطوط التدخُّل الإنساني رغم الحاجة لتفعيل أعلى مستويات الاستجابة الإنسانية الطارئة.

وقال مدير معبر باب السلامة العميد قاسم القاسم لـ “نداء بوست": روسيا كانت ترفض فتح معبرَيْ باب السلامة والراعي من خلال استخدامها حقّ النقض الفيتو، لكن هذه المرة أرادت من الأمم المتحدة أن تخاطب نظام الأسد فيما يخدم مصالحها كما رأينا سابقاً زيارة ممثل الشؤون الإنسانية ومدير الصحة العالمية لبشار الأسد وبضغوط أمريكية ليوافق هو الآخر على فتح المعبرين".

وأضاف "القاسم" أن المساعدات التي تدخل من معبر باب السلامة هي مساعدات دورية مقررة من الأمم المتحدة وهي التي كانت تدخل من معبر باب الهوى وليست مساعدات لمتضرري الزلزال".
كما أشار "القاسم" إلى أن المعبر شهد دخول عدد من السيارات التابعة للأمم المتحدة محملة بمستلزمات ومساعدات غذائية وطبية وصحية وأيضاً منظمة اليونيسف ومنظمة الطفولة وصندوق الأمم المتحدة أرسلوا عدداً كبيراً من الأجهزة الطبية التي دخلت باب السلامة".

وتعليقاً على تباطُؤ الأمم المتحدة بالاستجابة لدعم الشمال الغربي من سورية علق "القاسم" قائلاً: شهدنا تأخُّراً واضحاً بالاستجابة الإنسانية لكن الحكومة التركية لم تُوقف عمل المنظمات الإنسانية وقامت بإدخال العديد من المساعدات للشمال السوري من اليوم الأول للزلزال".

ويقول "القاسم“: إن الزلزال كان حالة إنسانية طارئة رغم التذرع بالنزاعات الفصائلية في الداخل لكن بالمقابل النظام السوري يتلقى يومياً مساعدات بشكل مرعب من طائرات وأسلحة لكن الآن المجتمع الدولي متواطئ وبشكل كبير مع النظام السوري ويحاول استغلال الكارثة بكل أشكالها".

ومن جانب آخر يقول الصحافي والكاتب سامر الأحمد لـ “نداء بوست" يحاول نظام الأسد استغلال كارثة الزلزال من أجل طرح إعادة تعويمه بدعم من روسيا وبعض الدول العربية الأخرى نعم الأمم المتحدة تخاذلت وبشكل كبير في الاستجابة السريعة لإنقاذ أرواح السوريين والتزمت بإدخال المساعدات من معبر باب الهوى فقط وبالتالي كان قراراً بيروقراطياً ينتظر قراراً من مجلس الأمن وكان باستطاعة الأمم المتحدة إنزال المساعدات جوّاً".

وأضاف "الأحمد" أن روسيا حاولت اللعب أيضاً لكسب الوقت من خلال الالتفاف على اجتماع مجلس الأمن والمشروع الغربي الذي كان يقول بضرورة تمديد مهلة فتح المعابر لمدة سنة وإضافة معبرين آخرين إلى باب الهوى، ودفعت روسيا النظام السوري لإعطاء ما يسمى بالموافقة على فتح معبر باب السلامة لمدة ثلاث أشهر".

وتابع "الأحمد" بقوله: وبذلك أخرجت روسيا نفسها من موقف مُحرِج أمام المجتمع الدولي؛ لأنه في حال اجتمع مجلس الأمن كانت من ممكن أن تعترض على المشروع الغربي وبالتالي ستضع نفسها بموقف مواجهة حالة إنسانية طارئة، ولو وافقت فسيعني ذلك أنها رضخت للمشروع الغربي سواء في سورية أو أوكرانيا".

خطورة فَتْح المعابر

كما أشار "الأحمد" إلى أن خطورة فتح المعابر بموافقة النظام السوري تكمن بعد انتهاء المدة المتفَق عليها، وللأسف من الممكن أن تلجأ الأمم المتحدة أيضاً لأخذ موافقة بشار الأسد وتعويم نظامه بدلاً من اجتماع مجلس الأمن وفرض القرار بالقوة، والمفارقة هنا هي أن حكومة الأسد لا تملك السلطة على هذه المعابر".

وختم "الأحمد" قائلاً: للأسف التعويم الذي يبدو أنه يلوح بالأفق أكثرَ لبشار الأسد من خلال بعض مواقف الدول العربية كالإمارات وسلطنة عُمان والأردن وربما تلتحق السعودية ومصر بركب التطبيع مع النظام وإعطاء هذه الشرعية القانونية والدولية له بدعم روسي وهذا يتطلب موقفاً حازماً وحاسماً من الولايات المتحدة والغرب للوقوف إلى جانب المدنيين المحاصرين في الشمال السوري الذين من الممكن أن يخضعوا لابتزاز النظام، وإذا ما رفض النظام تمديد فتح المعابر نعود إلى إدخال المساعدات عَبْر خطوط التماسّ وبالتالي ستذهب المساعدات إلى مكتب الأمم المتحدة في دمشق، وستكون عُرضة للسرقات والابتزاز والفساد، وستدخل بإشراف الهلال الأحمر السوري وسنكون أمام حصار جديد، والمدنيون سيدفعون ثمنها".

https://nedaa-post.com/?p=64695

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد