أهداف الجولاني من السيطرة على شمال حلب
بعد أن أدى الموقف الحازم للجيش التركي في تشرين الأول / أكتوبر 2022 إلى منع قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني من اجتياح منطقة شمال حلب عسكرياً والسيطرة عليها، ما دفع الجولاني لاعتماد سياسةٍ جديدة للسيطرة على المنطقة دون الدخول في صدام مباشر مع الجانب التركي.
حيث بدأ التغلغل في الكيانات العسكرية والمدنية محاولاً فرض نفسه كأمرٍ واقعٍ يدفع الجميع إلى التسليم بوجوده، مما يعكس حجم الإصرار لديه للسيطرة على المنطقة.
ويبدو أنّ هذا الإصرار يعود إلى جملةٍ من الأسباب أهمها:
أولاً- الشرعية السياسية:
يحاول الجولاني من خلال السيطرة على شمال حلب فرض نفسه قائداً لكامل مناطق المعارضة باستثناء " نبع السلام"، مما سينعكس إيجاباً على محاولته شرعنة وجوده.
وقد جرب الجولاني هذا السيناريو سابقاً في إدلب، فبعد سيطرته عليها عسكرياً وأمنياً وإدارياً واقتصادياً بدأ الكثيرون في الداخل والخارج يتعاملون معه كسلطة أمرٍ واقع.
ولهذا يسعى الجولاني للسيطرة على شمال حلب، مما يعزز من تواصل مختلف الأطراف معه وبالتالي زيادة احتمالية قدرته على تجاوز أهم المشاكل التي يواجهها ألا وهي مشكلة التصنيف الإرهابي.
ثانياً- تحقيق التواصل الجغرافي مع مناطق النفوذ الأمريكي في سورية:
يرى الجولاني أنّ وجود تواصل جغرافي مع مناطق النفوذ الأمريكي وما يؤدي إليه هذا التواصل من نشوء علاقات اقتصادية وإمكانية التعاون في بعض الملفات الأمنية يمكن أن يؤدي إلى تعزيز تواصل الهيئة مع الخارج وخاصة مع أمريكا وبالتالي زيادة احتمالية الخروج من التصنيف الإرهابي الذي يعتبر المشكلة الكبرى التي يسعى الجولاني لحلها.
كما أنّ هذا التواصل الجغرافي يمكن أن يؤمن للهيئة خيارات بديلة عن الجانب التركي الذي تتخوف الهيئة من أن يجعلها كبش الفداء في صفقة محتملةٍ لتسوية ملف المنظمات الإرهابية في سورية.
ثالثاً- العمق الإستراتيجي:
العمق الإستراتيجي هو مفهوم في العلوم السياسية والعسكرية يشير إلى المسافة الموجودة بين الحدود الأمامية لدولةٍ ما ومركزها الرئيسي، والتي يمكن أن تؤثر على القدرة العسكرية والإستراتيجية للدولة في حالة النزاع.
ولو نظرنا إلى مناطق سيطرة تحرير الشام لرأينا أن مدينتَيْ إدلب وسرمدا -وهما أهم مركزين بشريين واقتصاديين- تبعدان عن الحدود الأمامية (نقاط التماس العسكري) مسافةً بين 15 و20 كم فقط.
وهذا يضعف من قدرة الهيئة على المناورة العسكرية في حال القيام بهجوم واسع عليها، بل ويمكن أن يؤدي إلى فصلها عن مناطق شمال حلب في حال السيطرة على طريق الأتارب سرمدا.
ولهذا فإن هيئة تحرير الشام ترى ضرورة إستراتيجية في سيطرتها على شمال حلب وخاصة عفرين الملاصقة لإدلب وذات التضاريس الوعرة التي تساعد في الحروب اللامتماثلة واللامتكافئة.
رابعاً- السبب الاقتصادي:
يدرك الجولاني أنّ العالم اليوم يتهيأ للدخول في مرحلة تسود فيها الصراعات المباشرة وغير المباشرة "بالوكالة"، كما يدرك أنّ أي قوةٍ قادرةٍ على التحرك أو حتى المشاغبة ستكون قوةً لافتةً لأنظار القوى الكبرى التي تريد تعزيز وجودها في هذه المنطقة المهمة جيوسياسياً.
ولذلك يسعى الجولاني إلى زيادة عدد وعدّة فصيله ليكون فصيلاً قادراً على الدخول في أي حسابات عسكرية تتعلق بالمنطقة مستقبلاً، وهذا يتطلب موارد مالية تفوق ما يتم تحصيله حالياً من إدلب.
وبالتالي فإنّ السيطرة على شمال حلب وموارده هو أمرٌ بالغ الأهمية، وخاصةً أنّ منطقة شمال حلب هي من الناحية القانونية منطقةٌ آمنة على عكس إدلب التي تعتبر منطقة خفض تصعيد فقط، ممّا يعني أنها ستكون أكثر جذباً من إدلب لمشاريع الإنعاش المبكر وحتى إعادة الإعمار.
كما أن منطقة ريف حلب في حال تحقيق إدارة جيدة لها ستكون أكثر جذباً للاستثمارات، وهذا كله سيعود بالكثير من المال على من يسيطر عليها، إضافةً إلى أنّ السيطرة على المنطقة ومعابرها مع تركيا وخاصة معبر " الحمام" سيعطي الهيئة خياراتٍ بديلة عن معبر باب الهوى الذي كثر الحديث عن إمكانية إغلاقه.
سيستمر الجولاني في محاولاته للسيطرة على شمال حلب مدفوعاً بمجموعةٍ من الأسباب السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تصب كلها في هدفٍ أكبر وهو إخراجه من حالة التصنيف والعزلة الدولية.
ولكن يبدو أنّ هذا الهدف يصطدم بعقبة كبيرة تتمثل بالرفض التركي، هذا الرفض الذي بدأ الجولاني بالالتفاف عليه من خلال التغلغل العسكري والأمني والاجتماعي في المنطقة وفرض نفسه فيها، فهل ينجح في تحقيق هدفه، أم أنّ الجانب التركي سيكون له رأيٌ آخر؟!.