المصدر: i24 (صحافة عبرية)
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: ساريت زهافي
لا يزال تأثير الحرب في أوكرانيا يتردد في جميع أنحاء الشرق الأوسط،
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، كان هناك العديد من المناقشات في إسرائيل حول الآثار المُترتبة على علاقات إسرائيل مع روسيا.
فغالباً ما يتمّ دراسة النقاشات من خلال منظور حرية الجيش الإسرائيلي في العمل في سماء سورية، والبحث عن أهداف إيرانية.
ولحرب أوكرانيا تداعيات أمنية رئيسية على إسرائيل في هذا السياق:
الأول هو أن تقليص الوجود الروسي في سورية سيؤدي إلى تعزيز وكلاء إيران في البلاد إذ إن أعداداً متزايدة من التقارير الصادرة مؤخراً تُشير إلى انخفاض عدد القوات الروسية في سورية بنحو 4000 جندي، حيث يبدو أنهم يُعيدون انتشارهم في أوكرانيا. وإذا كانت هذه المعلومات صحيحة، فهي عبارة عن تقلُّص بنحو 40 في المائة من إجمالي القوة الروسية المُتمركزة في سورية.
في الوقت نفسه، كانت هناك تقارير عديدة في الشهرين الماضييْنِ عن سيطرة القوات التي تعمل بالوكالة لإيران على مواقع روسية مهجورة، الأمر الذي أثار استياء نظام بشار الأسد.
التضمين الثاني – الحرب في أوكرانيا هي حرب بين القوى العظمى، على غرار الحرب الباردة، وقد تقوم روسيا بمعاقبة إسرائيل على اتخاذ موقف يدعم الجانب الغربي.
مصالح مشتركة؟
في بداية الحرب، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت السير بحذر شديد، ووضع نفسه كوسيط مُحايد، لكن سرعان ما أصبح ذلك مستحيلاً.
إسرائيل اليوم – بعد التصويت ضد روسيا في الأمم المتحدة وإرسال مستشفى ميداني للمساعدة الطبية للمواطنين الأوكرانيين – دخلت في نوع من التأزم في العلاقات مع روسيا. وقد وصلت العلاقات إلى انهيار زاده تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن “هتلر ربما كان دمه يهودياً”.
في الواقع، المعضلة ليست إسرائيلية فقط، بل روسية أيضاً -كيف يمكن التعامل مع العلاقات مع إسرائيل الآن؟ فالكثير من المحللين يُصدرون تقييمات مختلفة فيما يتعلق بالاتجاه الذي ستسلكه العلاقة.
من ناحية أخرى، لدى إسرائيل وروسيا مصلحة مشتركة في القضاء على الوجود العسكري الإيراني في سورية. ويتعزز هذا الاهتمام في مواجهة القوات الروسية التي أُعيد تكليفها بأوكرانيا – وبالتالي يصبح دور إسرائيل في هذه القضية أكثر أهمية.
أي شخص يعتقد أن روسيا ستتخلى عن سورية مقابل أوكرانيا يحتاج إلى التفكير بشكل أعمق. فبالنسبة لروسيا، الشرق الأوسط هو ذراعها الجنوبي في الصراع مع الناتو. ونفوذ الكرملين في سورية هو وسيلة لمنع تمدد نفوذ الناتو في المنطقة – وحلف شمال الأطلسي لروسيا هو العدو الرئيسي.
في العقود الأخيرة، فقدت روسيا حلفاءها في الشرق الأوسط واحداً تِلْو الآخر، وفي الواقع، لا تزال سورية المَعقِل الرئيسي حيث تمتلك روسيا أصولاً كبيرة.
وفي تقرير صادر عن مركز “ألما” للبحوث والتعليم نُشر الأسبوع الماضي، يمكن للمرء أن يعلم حقيقة الانتشار الروسي في سورية عشية الحرب في أوكرانيا: حيث يوجد 12 قاعدة والعديد من المواقع الميدانية المتنوعة.
رغم ضغوط الجبهة الأوكرانية، يصعب تصديق أن روسيا ستتخلى عن الإنجازات التي حققتها في سورية بجهد كبير منذ التدخل المباشر في الحرب عام 2015.
لقد وسّعت القواعد العسكرية القديمة التي تعود إلى الحقبة السوفييتية وأنشأت قواعد جديدة، ووضعت منصة للتأثير على الشرق الأوسط الأوسع من الأراضي السورية. وتُعدّ القواعد مثل طرطوس وحميميم محاور لوجستية مُهمّة من الناحية الإستراتيجية، ومطارات بحرية ومطارات يمكن لروسيا من خلالها الحفاظ على أهدافها الأوسع في المنطقة.
التأثير على إسرائيل
يسمح وجود روسيا في سورية بمجموعة واسعة من الأدوات عندما يتعلق الأمر بممارسة الضغط على إسرائيل. ولا شك في أنها تستطيع استخدام هذه الأدوات – كما فعلت عدة مرات من قبل – لـ “معاقبة” إسرائيل على موقفها مع الغرب.
ويمكن من خلال إلقاء نظرة خاطفة على التاريخ الحديث أن نُسلّط الضوء على تلك الأدوات. فعلى مرّ السنين، تقريباً منذ إنشاء دولة إسرائيل، لم يدعم الاتحاد السوفييتي الدول العربية فحسب، وزوّدها بالسلاح، بل فعل الشيء نفسه مع المنظمات الفلسطينية، الشيوعية وغيرها. لذلك، بالنسبة لإسرائيل، فإن توخّي الحذر من روسيا عندما يتعلق الأمر بالأمن جزء رئيسي من تفكير القيادة الإسرائيلية.
ووفقاً لبعض الشهادات في حرب الأيام الستة عام 1967، فقد تدخّل قائد وحدة من مُشاة البحرية السوفييتية في معارك بورسعيد وفقد 17 جندياً.
وخلال الاستعدادات للحرب في عام 1973، شارك الروس ليس فقط في توريد الأسلحة، بما في ذلك البطاريات المتقدمة المضادة للطائرات، ولكن أيضاً في المساعدة الهندسية للمساعدة في عبور قناة السويس.
وخلال حرب الاستنزاف بين إسرائيل ومصر (1967-1970)، قام الجنود السوفييت بتشغيل بطاريات مُضادّة للطائرات، وأسقطوا العديد من المقاتلات الإسرائيلية.
في شهر تموز/ يوليو من عام 1970، اندلعت معركة جوّية بين طائرات ميغ الروسية وطائرات سلاح الجو الإسرائيلي – حيث أسقط الطيارون الإسرائيليون خمس طائرات ميغ. فإذا حدث مثل هذا السيناريو اليوم (وهو أمر مُستبعَد)، فإن الروس سيواجهون تكنولوجيا أكثر تقدُّماً من الجانب الإسرائيلي.
ووفقاً لباحثين إسرائيليين جمعوا شهادات من قدامى المحاربين الروس، فقد قُتل العشرات من الجنود والضباط السوفييت بنيران إسرائيلية خلال حرب الاستنزاف على الحدود الإسرائيلية المصرية.
ومن المؤشرات الاستخباراتية على وجود نيّة لدى العرب على شنّ حرب عام 1973 كان خروج المستشارين الروس من العاصمة السورية دمشق. وكان “المستشارون” في الواقع ضباطاً عسكريين مُتمركزين في المَقرّات السورية، واليوم، كما في ذلك الوقت، ما زالوا يشاركون بنشاط في القتال – ولكن هذه المرة ضد فصائل المعارضة السورية.
في الوقت الحالي، تُعد المشاركة في القتال الفعلي للقوات البرّية أو الجوّية الروسية ضد إسرائيل سيناريو خطيراً- وغير مُرجح إلى حدٍّ كبير.
أدوات أخرى
ومع ذلك، فإن الأدوات الأخرى المُوضّحة أعلاه هي بالتأكيد ضِمن السيناريو المعقول وقد تم استخدام بعضها بالفعل.
وينعكس ذلك في إمكانية تمرير معلومات استخباراتية أوّلية بشأن نوايا الهجوم الإسرائيلي إلى السوريين و / أو الإيرانيين، أو على شكل إعلان لاحق للوقائع فيما يتعلق بتفاصيل الهجمات الإسرائيلية، أو نقل أسلحة تقليدية مُتطورة إلى السوريين.
أما بالنسبة لنقل الأسلحة المتطورة، فهناك احتمال أن يسمح الروس للسوريين بنقل أسلحة روسية متقدمة إلى عناصر المحور الشيعي الراديكالي بقيادة إيران، وخاصة حزب الله في لبنان. قد تكون هذه العملية قد حدثت بالفعل.
لاحظ أن الروس استخدموا حتى أنظمة حرب إلكترونية قوية أثّرت وعطّلت العمليات الجوّية فوق سورية وحتى فوق إسرائيل، مما أعاق الحركة الجوية المدنية الإسرائيلية.
يتمركز المستشارون الروس بالفعل في جميع أنحاء سورية، وعلى الرغم من نقلهم إلى أوكرانيا، فمن غير المرجح أن يتخلّوا تماماً عن الساحة.
في شهر أيلول/ سبتمبر 2018، أسقط سلاح الجو السوري بطريق الخطأ طائرة استطلاع استخباراتية روسية من طراز إليوشن IL-20M تحمل 15 عسكرياً روسيّاً، مما أسفر عن مقتل جميع مَن كانوا على متنها. وألقت روسيا باللوم على إسرائيل، مُتهمة إياها بحماية طائراتها عن طريق التخفّي خلف الطائرة الروسية أثناء قيامها بطلعات جوية على مواقع سورية.
ورداً على ذلك، زوّد الروس السوريين ببطاريات مُضادّة للطائرات من طراز S-300، وهي خطوة كانت قد أجّلتها قبل ذلك بأمر من إسرائيل. في حين أن نقل هذه الأسلحة لم ينهِ حرية إسرائيل في التصرّف في سورية، إلا أنه قيّدها، مع اضطرار طائرات القدس للتكيّف مع بيئة أكثر خطورة.
إلى جانب الأدوات العسكرية لمعاقبة إسرائيل أو الضغط عليها، تمتلك روسيا أدوات سياسية. ويشمل ذلك ممارسة الضغط عن طريق القضية الفلسطينية، ودفع القرارات الدبلوماسية في مؤسسات الأمم المتحدة حول هذا الموضوع.
خاتمة
من المحتمل أن ترى روسيا أن لديها الكثير لتكسبه من خلال اتباع طريق المصالح المشتركة مع إسرائيل. لكن يجب أن يكون الجيش الإسرائيلي مستعدّاً لسيناريو بديل يتّسم بالخطورة.
لقد حيّر المنطقُ الذي يحرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المحللين الغربيين ذات مرة هذا العام، عندما قلّلوا من تقدير مستوى الدمار الذي كان على استعداد لإحداثه في أوكرانيا.
لا ينبغي نسيان هذا، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن روسيا لا مصلحة لها في أخذ احتياجات إسرائيل بعين الاعتبار. إذا كان الكرملين يعتقد أن لديه المزيد من المكاسب من خلال العمل ضد إسرائيل -من خلال الضغط والعقاب- بدلاً من العمل معها، فقد يختار فعل ذلك.