8 آذار .. أيُّ نظام سوري يريده العالم؟

8 آذار .. أيُّ نظام سوري يريده العالم؟

مثل اليوم، قبل ستة عقود عجاف، كانت "ثورة آذار البعثية". بعض أوائل مَن فكّروا وحددوا أهدافها، ربما كانوا صادقين، فاختاروا للبعث شعارات تدغدغ طموح جماهير خرجت لتوّها من نِير احتلال فرنسي قصير وعثماني مديد. اعتبر الأوائل (الوحدة) و(الحرية) و(الاشتراكية) ثالوثاً مقدساً؛ صدّقته وآمنت به نسبة لا بأس بها من الجماهير؛ ولكن تناوب على البعث مَن كرّه جماهير الحزب والجماهير الأوسع بذلك "المقدس"، ونفّرهم منه؛ فكانت الارتدادات والنكسات بكل الاتجاهات؛ وكان الدمار والخيبة والتخلف والظلم والاستبداد. والمفارقة أن ذلك ربما كان المطلوب.

أن يكفر إنسان بمبدأ سامٍ كالحرية ليس منجزاً قليلاً في استهداف إنسانية الإنسان. وإنْ كانت الوحدة هي الدواء الأنجع والأنجح ليكون لأمةٍ وجودٌ بين الأمم؛ فإنَّ نسفها بمختلف السبل والوسائل، هو أيضاً نهاية لحلم نهضوي يرفع مقام هذه الأمة. أما الاشتراكية فقد تم تدمير جوهرها في العدالة، لتتحول إلى عدالة في الاستبداد والاضطهاد والابتزاز، ومن تكافؤ فرص ونمو وازدهار وديمقراطية إلى جشع وفساد وتخلُّف وفقر.

في هذا الفضاء السوري العربي – الكردي – السرياني – الآشوري – الأمازيغي – الكلداني – الشيعي - الماروني الدرزي – الأرثوذكسي – الكاثوليكي – العلوي – الأرمني - السني، عشنا نحلم بالوحدة، حتى ولو كانت "وحدة مهرجين". ورغم أن "البعث" جعل "الوحدة" أول أهدافه، إلا أنه حوّلها إلى فرقة وصِدام، حتى ضِمْنَ الحزب الواحد في بلدين عربيين متجاورين؛ لتصل الأمور بسلطةٍ سوريةٍ أن تكتب على جواز سفر مواطنها {كل بلدان العالم إلا العراق}. ولو استطاعت تلك السلطة أن تنسف وحدة البيت أو الأسرة السورية الواحدة، لما توانت عن ذلك؛ وللأسف أفلحت بفعلتها هذه أحياناً.

استطاع حافظ الأسد أن يقنعنا بالاكتفاء مؤقتاً بـ"التضامن العربي" نظراً للظروف؛ وسعى بكل طاقته أن يكون هذا التضامن حالة من المؤامراتية بين بلد عربي وآخر؛ ليصبح العربي آمِناً جانبَ الأجنبي أكثر من جانب أخيه. سكنت "الوحدة العربية" القذافي، فجعلَنا نتقيأ عند سماع عبارة "وحدة"؛ عَبْر تضامُنه العربي، هتك الأسد كرامة لبنان بدايةً، فاتحاً الطريق أمام المسؤول "البعثي" الآخر صدام حسين ليفتك بالكويت. تآمر الأسد، "القومي العربي الأول" مع إيران الفارسية، ليستنزف الأمة ويفتح أبوابها خراباً لكل المستبيحين. وكان أول مسيرته التدميرية لهذه الأمة قد ساهم عبر "لجنته العسكرية" بإعدام وحدة مصر وسورية، وابتدع بعثاً خاصاً به عبر خلق سلطة عميقه تحوَّلَ من خلالها إلى شِبه إله مهمته إعدام الوحدة والحرية والإنسانية في سورية ومحيطها العربي تحديداً.

باسم الوحدة تبعثر ما كان يُسمى "الوطن العربي"، وتم مسخه سياسياً في "جامعة عربية" بلا حول أو قوة أو إرادة. باسم الحرية والتحرير، لا تزال فلسطين مغتصبة، والجولان قايَضَ بها ربُّ البعث الجديد "الأسد"، ليبقى في السلطة أبدياً. وباسم الحرية، تم إعدام الحياة السورية، لا الحرية السورية فقط. وباسم الاشتراكية، أصبح خط الفقر الطبيعي أُمنية.

في سنوات الثورة السورية على الوريث ومنظومته الاستبدادية؛ وعندما كان يُلقى القبض على هاتف أو منادٍ بـ "الحرية" في مظاهرة سلمية: شاع ذلك السؤال التهكمي الاستغرابي الاحتقاري التجريمي: "بدكن حرية؟!"؛ وينهال عليه السائل بوابل من الوحشية، التي ما رأتها البشرية من قبل. أما الشعار الذي كان الأكثر استفزازاً لعصابات الأسد الإجرامية فكان: (الشعب السوري واحد).

لم يكن للبعث قيمة تُذكر في الدولة الأسدية إلا بما يكرّس سلطة الأسد المطلقة؛ فكان المطية الأساسية في تنفيذ الاستبداد والإجرام. نصّب الأسد البعث قائداً للدولة والمجتمع في دستوره، ليكون بشخصه الحاكم المطلق "دستورياً" والمتحكم بالحياة السورية اجتماعياً وثقافياً وتعليمياً وتربوياً ونفسياً واقتصادياً وعسكرياً وسياسياً؛ ولتصبح حياة سورية وأرواح أهلها ومصيرهم بيده حصرياً؛ والكل مُنَفِّذٌ مطيع؛ وإذا فكّر أو اجتهد أحد، فمصيره الموت. فهو الصانع الأول والمقرر النهائي لكل منحى من مناحي الحياة السورية.

باسم البعث، قتل جيش "حماة الديار" العقائدي شعب سورية. وكما مهرت قيادة البعث بحافرها دخول الأسد الأب إلى لبنان ليُجهز على المقاومة "اللبنانية-الفلسطينية"؛ وكما باسم البعث وأهدافه حمى "حدود" الكيان الصهيوني الشمالية في لبنان والجولان، كي يمنحه الصهاينة وأعوانهم سلطةً أبدية وراثية محصنة في سورية.

بمناسبة "ثورة البعث”، أقول لهذا الحزب الغائب-الحاضر؛ لقد تم تحويلك إلى أداة قمع وإذلال لسورية وأهلها: أين كنت عندما أُعلن النفير، وبدأ ذبح سورية؟! لقد كنت الرافعة، التي أعلت الأخفض إلى السلطة، والأقل أمانة إلى سدة المسؤولية؛ وكنت الشمّاعة التي عُلّقت عليها كل أسمال الفساد والإفساد والعبث بمصير البلاد والعباد ؛ وكنت شاهد الزور على أول رصاصةٍ أطلقها سوري على سوري.

إن كنت ميتاً، فأنت لم تعلنها، والأصح أن القائمين على قيادتك دفنوك، دون أن يعلنوا موتك. إنْ كنت ميتاً، وفي قبرٍ، فلن تجيب؛ ولكنني أعرف أنك ما زلت خارج القبر؛ "فالدفّان" لا يعرف أنك متّ أم لم تمت؛ فهو لا يعرفك أصلاً؛ "وكان قد سطا عليك دون أن يعرفك. هكذا كان قضاؤك وقدرك. لقد كنت شبحاً في مملكة الخوف؛ وإلى زوال، أنت وهذه الطغمة.

أخيراً، أيها "النظام"؛ لقد كُنتَ، بعد خروج الاحتلالات من سورية، أحد مشاريع الإفناء المُعَدَّة لهذا البلد العظيم؛ حيث كان هناك مشروع أمريكي، وآخر بريطاني، وثالث "عربي"، ورابع إسرائيلي؛ ويبدو أنه في النهاية، نجح مشروع الصهاينة، بدعم الجميع؛ وشاهده البسيط "كوهين". وها هو التاريخ ربما يكرر  نفسه الآن؛ ولكن بشكل أكثر سخرية ودموية؛ ففي أُفُق هذا البلد العظيم جملة مشاريع؛ وأيّها سيقع عليه الخيار لا ندري؛ ولا ندري أيضاً إذا كان هناك حاجة لكوهين جديد…!

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد