10 سنوات على ارتكاب قوات الأسد مجزرة بانياس

10 سنوات على ارتكاب قوات الأسد مجزرة بانياس

مضت عشر سنوات على ارتكاب قوات النظام السوري مجزرة بانياس في ريف طرطوس، والتي راح ضحيتها مئات المدنيين من أبناء بلدة البيضا وحي رأس النبع، قضى معظمهم ذبحاً لأسباب طائفية.

لم تكن هذه المجزرة الأولى من نوعها ولا الأخيرة، وأُضيفت كما سابقاتها ولاحقاتها إلى سجل النظام السوري المُتْخَم بالمجازر الطائفية المشابهة، التي ما زال السوريون يتذكرونها ويَرْوُون تفاصيلها جيلاً بعد جيل، للتذكير بأن المسؤول عن ذبح وإثكال وتيتيم الملايين لا يزال قابعاً في دمشق ومن الواجب على مَن سيبقى محاسبته.

بانياس كمدينة

قبل الحديث عن مجزرة قوات النظام السوري في بانياس، لا بُدّ من الحديث عن طبيعة هذه المنطقة وتركيبتها السكانية، وانخراطها في الثورة رغم صعوبة وتعقيدات الوضع فيها.

تُعتبر بانياس من كبرى مناطق طرطوس، إذ تبلغ مساحتها نحو 270 كيلومتراً، يقطنها نحو 170 ألف نسمة، منهم 105 آلاف من الطائفة العلوية، و45 ألفاً من السنّة، و20 ألفاً من المسيحيين.

وتتمتع هذه المنطقة بموقع إستراتيجي مميز، إذ تُعتبر حلقة وصل بين مدن الساحل السوري لوقوعها على الطريق الدولي بين طرطوس واللاذقية، كما تتصل بالمحافظات الداخلية عن طريق قرى القدموس ومصياف.

وعلى الرغم من طبيعة المنطقة ووقوعها وسط الخزان البشري لقوات النظام السوري والميليشيات الطائفية التابعة له كالدفاع الوطني وغيرها، إلا أن بانياس انخرطت في الحراك الثوري وشارك أهلها في المظاهرات الشعبية عام 2011.

وبعد اضطرار السوريين إلى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم من قوات النظام، كان الحراك المسلح في المدينة محدوداً ولم يتوسع كباقي المناطق التي شهدت تنفيذ هجمات ضد الحواجز والنقاط العسكرية التي تستهدف المدنيين.

مجزرة البيضا

في صباح الثاني من أيار/ مايو 2013، اندلع اشتباك محدود بين مَن يحمل السلاح من أبناء بانياس، ونقطة عسكرية تابعة للنظام قرب بلدة البيضا، وذلك رداً على تجاوُزات عناصر تلك النقطة.

وعقب أقل من ساعتين من ذلك الاشتباك، طوقت قوات النظام والميليشيات التابعة لها ومعظم عناصرها من القرى العلوية المحاذية للبيضا، وقطعت الكهرباء والاتصالات عنها.

ومن ثَم شرعت تلك القوات بقصف البلدة التي لا يتجاوز عدد سكانها الستة آلاف نسمة بشكل عشوائي ومكثف، واستمر ذلك القصف عدة ساعات.

وما إن توقف القصف حتى بدأت عملية الاقتحام البري والتي تخللها عمليات ذبح بالسكاكين والسواطير وإعدام ميداني رمياً بالرصاص، إضافة إلى الرمي بالحجارة حتى الموت.

وبلغ عدد ضحايا هذه المجزرة 264 مدنياً من بينهم 36 طفلاً و28 سيدة، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي وثقتهم بالاسم والصورة، وأكدت أن بعض الجثث تم حرقها بعد تصفيتها.

بعد ذلك، انسحبت قوات النظام من البلدة وبقيت على أطرافها، لتعاود في صباح اليوم التالي قصفها بالصواريخ والمدفعية، ومن ثَمّ قامت باقتحامها مجدداً.

وعن ذلك الاقتحام تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان: إن العملية الجديدة بدأت من محور آخر هو جبل العجمة ومحور قرية المراح ذات الأغلبية المسيحية التي لم تكن مشاركة ولم يتم الاعتداء على أهلها.

وشددت الشبكة على أن التعليمات كانت واضحة بأن تتم عمليات الذبح باتجاه الطائفة السنية فقط.

وبعد الاقتحام جرت عمليات ذبح بالسكاكين والسواطير وإعدامات ميدانية، استمرت لقرابة الساعة الثانية ظهراً.

وأكدت الشبكة أن هناك أعداداً ضخمة من الضحايا لم يتم قتلهم مباشرة، بل تم اعتقالهم واقتيادهم إلى قرية الزوبة المنتمية للطائفة العلوية، وسط أنباء عن حرقهم هناك.

وبقيت الجثث في طرقات بلدة البيضا وفي داخل البيوت وفاحت منها رائحة التعفن، كما أحرقت قوات النظام عدداً من البيوت والسيارات قبل الانسحاب.

قوات الأسد تلاحق الناجين من مجزرة البيضا

عقب الانتهاء من قتل وحرق من تمكنت منهم قوات النظام في البيضا، شرعت بملاحقة الهاربين إلى البساتين والبلدات المجاورة.

وفي هذا الإطار شنت قوات النظام حملات دهم وملاحقات واعتقالات في كل من منطقتَيْ وطا البيضا الزراعية، وسهم البحر، وتؤكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان ورود أنباء عن عمليات إعدام حصلت هناك.

كما فرضت الميليشيات التابعة للنظام حصاراً خانقاً على قريتَيْ المرقب والبساتين، وشنت حملات اعتقالات طالت العشرات.

واقتادت تلك الميليشيات عدداً كبيراً من العوائل بكل من فيها من رجال ونساء إلى قرية تدعى الكوكب، وسط ضرب وإهانات وشتائم، بعد ذلك سمحت للنساء والأطفال بالعودة إلى قُراهم مشياً على الأقدام.

وتزامن ذلك مع عمليات نهب واعتقال استمرت على مدار يومَيْ الثالث والرابع من شهر أيار/ مايو، حيث شاهد الأهالي سيارات كبيرة محملة بالمفروشات تم نقلها من القرى السنية إلى البلدات العلوية.

مجزرة رأس النبع 

بعد ورود أنباء المجزرة التي وقعت في البيضا إلى أهالي حي رأس النبع في مدينة بانياس، بدؤوا بمحاولات الفرار من المنطقة تجنُّباً لمصير مشابه لجيرانهم.

منعت قوات النظام المتمركزة على حاجز الجسر الأهالي من الخروج، وقامت بإذلال الرجال وإهانتهم قبل السماح لهم بالعودة إلى الحي.

وفي صباح اليوم التالي الثالث من أيار/ مايو، حاصرت قوات النظام حي رأس النبع، وقامت بقصفه بمختلف أنواع الأسلحة، وبدأت نحو الساعة الثانية ظهراً باقتحامه.

وتقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان نقلاً عن شهود عيان من الناجين: إنه "تم نصب المدفعية الثقيلة عند أسفل جسر رأس النبع، ومدفعية أخرى عند جسر القوز، إضافة إلى عدد من الدبابات، وفجأة ودون أي إشعار بدأ القصف العنيف المركز والمتعمد تجاه بيوت الأهالي لأنه لا يوجد في الحي أحد غير الأهالي، واستمر إطلاق النار الكثيف جداً لقرابة ساعة".

وبدأت بعد القصف المرحلة الثانية، وهي الاقتحام، حيث اقتحمت الحيَّ أعداد تُقدَّر بحوالَيْ ألف مقاتل وبدؤوا باقتحام البيوت بيتاً بيتاً، وبدأت عمليات الإعدام والقتل والذبح بحق عوائل تم إبادتها بأكملها، وفقاً للشبكة.

وأكدت الشبكة أن أعداد الضحايا الموثقين بالاسم والصورة في مجزرة رأس النبع نتيجة القصف وما تلاه من القتل والتطهير الطائفي بلغت 195 قتيلاً، من بينهم 56 طفلاً و43 سيدةً.

وبذلك تبلغ الحصيلة الكاملة لعملية التطهير التي حصلت في منطقة بانياس يومَيْ الثاني والثالث من أيار/ مايو 2013، 459 مواطناً مدنياً من بينهم 92 طفلاً و71 سيدة.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد