المصدر: وول ستريت جورنال (رأي)
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: روبرت ساتلوف
تؤكد مناقشاتي في الأيام الأخيرة مع العرب – من كبار المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال البارزين والدبلوماسيين السابقين- الفجوة بين الكيفية التي يُنظر بها إلى حرب أوكرانيا بشكل عام في الشرق الأوسط وهنا في أمريكا.
بالنسبة للكثيرين في الولايات المتحدة، فإن صدمة الغزو الروسي لأوكرانيا قد أفسحت المجال للتعبير عن حالة الغضب مع الورود اليومي لقصص التعذيب والاغتصاب والأعمال الوحشية التي تقشعرّ لها الأبدان وبشكل أفظع مما كانت عليه في اليوم السابق. وفي مواجهة العدوان الروسي، يعتقد الأمريكيون أنهم على الجانب الصحيح من المواجهة من خلال الوقوف بحزم في دعم الأوكرانيين الشجعان للدفاع عن وطنهم.
ولكن الكثير من العرب ينظرون إلى الأمر بشكل مختلف. فهم ينظرون إلى أمريكا في عام 2022 من منظور تجربتهم على مدار الثلاثين عاماً الماضية. فبالنسبة لهم، هناك ثمّة خطبٌ ما.
ففي عام 1990، عندما قام رئيس دولة عربية بغزو جاره الأصغر والأضعف – صدام حسين يغزو الكويت – كان رد الرئيس الأمريكي، جورج دبليو بوش، ليعلن أن “هذا الوضع لن يدوم”. ثم قام بتنسيق أكبر تحالف دولي منذ الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك نصف مليون جندي أمريكي، لطرد الغازي واستعادة سيادة الكويت وترتيب المليارات لإعادة بناء البلاد. يحب العرب أن يتذكروا أنه عندما أبدت أمريكا تصميماً صارماً ضدّ العدوان، استجاب قادتهم لنداء واشنطن، سواء بالمساهمة بقوات أو باستضافة قوات التحالف. كانت تلك لحظة ثقة عالية من قبل الحلفاء العرب في عزيمة أمريكا.
لقد تركت تجربتهم الأخيرة مع أمريكا طعماً مريراً مليئاً بالشكوى. وقد بدأ ذلك بخطاب باراك أوباما عام 2009 في القاهرة، والذي فُسِّر على أنه مدّ يد ممدودة إلى جماعة الإخوان المسلمين، وتلاه قرار التخلّص من حسني مبارك، الحليف العربي الأطول خدمة لأمريكا. واستمرّ ذلك مع تنازل السيد أوباما شبه الرسمي عن سورية للسيطرة الروسية برفضه فرض “خطه الأحمر” ضد استخدام الأسلحة الكيماوية. وقد بلغ ذروته مع مستشاره عندما أعلن أن: المملكة العربية السعودية، الشريك الأمني منذ عقود، يجب أن تتعلم مشاركة الشرق الأوسط مع القادة المتطرفين في جمهورية إيران الإسلامية، الذين تفاوض معهم على اتفاق مثير للجدل يكافئ إيران على التأجيل، ولكن ليس التخلّي عن طموحاتها النووية.
ثم تنتقل قائمة شكاوى العرب إلى السنوات الزئبقية لدونالد ترامب، الذي تحدّث عن استعادة الشراكات مع الأصدقاء التقليديين لكنه أظهر لامبالاة “أمريكا أولاً” عندما هاجمت إيران أكبر منشأة لمعالجة النفط في المملكة العربية السعودية.
في ظل الإدارة الحالية، يشير العديد من العرب إلى العديد من المواقف المُحرجة. فهناك ممارسة إيران للردّ على الهجمات الإسرائيلية من خلال استهداف الأصول الأمريكية لأنها تعلم أن أمريكا لن تردّ. وبحسب ما ورد حصلت إيران على تنازلات غير متوقعة من دبلوماسيين أمريكيين في محادثات فيينا النووية التي ما زالت غير حاسمة. وقلّصت واشنطن ردّها على الهجمات الإيرانية المُتعددة بالصواريخ والطائرات بدون طيار على السعودية والإمارات، رافضة فرض أي تكلفة مباشرة على إيران مقابل عدوانها.
والنتيجة هي، في نظر العديد من العرب، أن الأصول العسكرية الأمريكية المثيرة للإعجاب في جميع أنحاء الشرق الأوسط هي خدعة تخفي انسحاب الالتزام وتراجع العزيمة.
عند رؤية نهج أمريكا الذي سنقاتل فيه حتى آخر أوكرانيا تجاه العدوان الروس، يستنتج العديد من العرب أنه لا يمكن اعتبار الولايات المتحدة ضامناً موثوقاً للأمن، وأن الأسلحة النووية -التي تمتلكها روسيا، ولم تمتلكها العراق والتي تخلّت عنها أوكرانيا- تُحدث كل الفارق.
يضيف الكثير إلى هذه القائمة قضية معمر القذافي في ليبيا. وأشاروا إلى أنه تفاوض بعيداً عن طموحاته النووية فقط ليتم إقصاؤه من السلطة وقُتل بعد سنوات قليلة.
من المؤكد أن العديد من المحاورين العرب أتقنوا فن التعبير عن المظالم من خلال الانتقاء التاريخي: تسليط الضوء على أوجه القصور في أمريكا مع تجنّب حماقات حكوماتهم ومشاكلها الخاصة. الواقع أكثر تعقيداً، ولا يمكن لأي انتقاد للسياسة الأمريكية أن يبرر الانغماس في السلوك الإجرامي لروسيا أو إحجامها عن تقديم المساعدة إلى الشعب الأوكراني.
لكن هؤلاء العرب على حق فإذا كان الرئيس الأمريكي غير راغب في أن يقول في عام 2022 ما قاله سلفه في عام 1990، “هذا لن يدوم” فليس من غير المعقول الشك في العزيمة الأمريكية والسعي وراء الردع في أي مكان آخر.
الجادّون يعرفون أنهم لن يجدوا الحلّ في موسكو أو بكين. فقد يلجأ البعض إلى إسرائيل، والتي يمكن أن تساعد بالتأكيد، لكن هذا البلد الذي يقل عدد سكانه عن 10 ملايين ليس قوة عظمى. الجواب، إن وُجد، يعود إلى واشنطن.
تحتاج الولايات المتحدة إلى إيجاد طريقة لتعزيز ثقة هؤلاء العرب في قوة العزيمة الأمريكية. ويعني هذا جزئياً استعداداً للعمل في الشرق الأوسط بالطريقة التي تعمل بها إيران، باستخدام القوة والترهيب كأدوات للدبلوماسية. وفي علاقاتنا الثنائية، هذا لا يعني السماح لأصدقائنا بشراء أي شيء يريدونه في قوائم البنتاغون، ولكنه يعني السماح لهم بشراء أكثر قدر من الأسلحة الدفاعية التي لا تفعل شيئاً لثني إيران.
إذا لم نتمكن من القيام بذلك، فلا ينبغي أن نتفاجأ بالاستيقاظ ذات صباح لنجد أن بعض هذه الدول قد توصلت إلى نتيجة غير منطقية مفادها أن الأمن لا يمكن العثور عليه إلا في السعي وراء أسلحتها النووية. هذا درس واقعي نتعلمه من أوكرانيا.