مترجم – مؤسسة راند
رداً على التجسس الإلكتروني الروسي الأخير، والتدخل في الانتخابات الأمريكية، وتسميم زعيم المعارضة أليكسي نافالني، أعلن الرئيس بايدن عن جولة جديدة من العقوبات ضد موسكو وطرد المسؤولين الروس.
السؤال هو، هل ستؤذي هذه العقوبات صناعة الدفاع الروسية بدرجة تكفي لكبح سلوك الكرملين؟
أضافت الولايات المتحدة 32 كياناً إلى قائمة الكيانات الخاضعة للعقوبات التي تضم أكثر من 700 فرد وشركة وكيان روسي خاضعين بالفعل للعقوبات، وتشمل هذه العقوبات التي تم تمريرها في أعقاب استيلاء روسيا العسكري على شبه جزيرة القرم عام 2014 والعدوان في جنوب شرق أوكرانيا، وتشريعات عام 2016 التي تهدف إلى تثبيط الدول عن شراء أسلحة تقليدية روسية متقدمة من خلال قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات.
بينما أشار الرئيس بايدن إلى أنه لا يسعى إلى دورة تصعيدية من الإجراءات ضد موسكو، إلا أنه كان أكثر قوة من سلفه في دعوة الحكومة الروسية لوقف تدخلها الخبيث في دول أخرى.
هناك القليل من المؤشرات على أن الأثر التراكمي لعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وطرد الدبلوماسيين ومكاتب المخابرات المشتبه بها، والقيود المالية، تجعل بوتين أكثر حذراً.
بعد حشد أكثر من 100 ألف جندي على حدودها مع أوكرانيا، سحبت روسيا بعض القوات، على الرغم من أن بعض معداتها لا تزال قريبة بشكل خطير من الأراضي الأوكرانية، كما أن مشاركة بوتين في قمة المناخ التي يرعاها بايدن والقمة المحتملة بين الزعيمين في حزيران/ يونيو هي مؤشرات على أن بوتين ربما يكون قد خفف من مقاربته للإدارة الأمريكية الجديدة، لكن سجل زعيم الكرملين لا يوحي بأنه سيتراجع ويرسم مساراً أكثر مسؤولية.
منذ العدوان العسكري الروسي في شبه جزيرة القرم وجنوب شرقي أوكرانيا، سعى نظام بوتين إلى إيجاد طرق لتخفيف الضغوط الاقتصادية الغربية، ستؤثر القيود المفروضة على روسيا، بمرور الوقت، على قدرتها على استيراد مكونات هامة وأدوات آلية عالية الأداء، بشكل ملحوظ.
لتقليل تأثير العقوبات على صناعتها التحويلية، أطلقت روسيا برنامجاً لاستبدال الواردات في القطاعات الصناعية الرئيسية، لكنها كافحت لتحقيق أهداف تلك العقوبات.
أحد الأمثلة على ذلك هو كفاح روسيا المستمر لاستبدال مكونات النظام الرئيسية مثل المحركات والمواد المركبة لأجنحة الطائرات، والتي زودتها الشركات المصنعة الأوكرانية والغربية سابقاً، وقد أدى ذلك إلى تأخيرات في تطوير كل من الطائرات العسكرية، مثل المقاتلة الروسية من طراز Su-57 من الجيل الخامس والطائرات المدنية مثل MC-21 الروسية.
كما اعترف سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف العام الماضي بأن صناعة الدفاع الروسية "لا تزال تعتمد على التقنيات الأجنبية".
على الرغم من أن روسيا تحولت بشكل متزايد إلى الصين للحصول على المكونات، إلا أن هذه المواد لم تكن قادرة على مطابقة جودة العناصر التي استوردتها روسيا سابقاً من أوكرانيا أو الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة مثل ألمانيا واليابان.
بمرور الوقت، قد يكون لهذه المشكلات تأثير على جودة وتحمل الأسلحة التقليدية الروسية المتقدمة، والتي تعد سلعة التصدير الروسية النهائية الوحيدة المعترف بها دولياً.
بصرف النظر عن صادرات النفط والغاز، فإن الصادرات الرئيسية لروسيا هي أسلحتها التقليدية المتقدمة، لكن على الرغم من أنها تقوم بتسويق الأسلحة والتفاوض لبيعها بقوة في الخارج، إلا أن صادرات الأسلحة لا تدر قدراً كبيراً من الإيرادات كما فعلت في الماضي.
في تقرير حديث لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، انخفضت صادرات الأسلحة الروسية في السنوات الأربع الماضية (2016-2020) بنسبة 22 بالمئة مقارنة بالسنوات الأربع السابقة (2011-2015)، كما أدت التدخلات الدبلوماسية الأمريكية المدعومة باحتمال فرض عقوبات إلى تأثير سلبي على مبيعات الأسلحة الروسية، حيث تفكر عدد من الدول مثل إندونيسيا والمغرب في أنظمة بديلة لتلبية احتياجاتها الأمنية.
على الرغم من أن هذا الجهد لم يوقف مبيعات الأسلحة الروسية، إلا أن الانخفاض في مبيعات الصادرات يرفع التكلفة التي سيتعين على الجيش الروسي دفعها مقابل التحديث العسكري المخطط له لأن اقتصاديات الإنتاج الكبيرة لن تكون مفيدة للغاية، وسيؤدي ارتفاع تكاليف الإنتاج إلى ضغوط مالية أكبر على صناعة الدفاع الروسية، والتي على الرغم من الجهود العديدة التي تبذلها الحكومة لشطب الديون المالية، لا تزال تكافح من أجل تحقيق أرباح.
اتخذت روسيا إجراءات أخرى للمساعدة في مبيعات الأسلحة في الخارج، على سبيل المثال، سعت إلى التكيّف مع العقوبات من خلال استكمال معاملات البيع بالعملات الوطنية بدلاً من الدولار الأمريكي أو قبول سلع مثل زيت النخيل للدفع.
كما بدأت أيضاً في الحد من المعلومات المتعلقة بالمبيعات لحماية الشركات الروسية غير الخاضعة للعقوبات حالياً، وقد حققت هذه الأساليب نجاحاً محدوداً ، لكنها تُظهر أن روسيا ليست محصنة ضد الضغط الدولي، فعند نقطة معينة، قد تصبح الحلول أكثر تكلفة من فوائد التبجح العالمي الروسي.
قبل ثلاث سنوات، أقر الكونغرس تشريعاً يهدف إلى ثني البلدان عن شراء الأسلحة التقليدية الروسية المتقدمة باعتباره نهجاً آخر للحد من السلوك الروسي الخبيث، في حين أن تهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول التي تشتري أسلحة روسية دفع بعض الدول إلى التفكير ملياً في شراء الأسلحة الروسية، فقد تسبب أيضاً في مشاكل في بعض العلاقات الثنائية للولايات المتحدة.
في العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى، يمكن للولايات المتحدة التأكيد على كيفية تصميم العقوبات التي يفرضها الكونغرس لتسليط الضوء على السلوك الروسي الخبيث في النظام الدولي، وليست مصممة لمعاقبة دول الطرف الثالث.
عندما توقف الدول شراء الأسلحة الروسية بسبب سلوكها السابق، فإنها تقلل من قدرة روسيا على استخدام هذه المعاملات كوسيلة لتوسيع نفوذها في جميع أنحاء العالم وحرمانها من التمويل لأنشطتها الخبيثة.
من خلال عدم شراء أسلحة روسية، يمكن للدول أن تشير إلى موسكو بأن تدخلها الخبيث في شؤون الدول الأخرى له تكلفة.
بدلاً من الأسلحة الروسية، قد تحتاج البلدان إلى بدائل لتلبية احتياجاتها الأمنية، هناك العديد من الدول المنتجة للأسلحة التي يمكن أن توفر بدائل للأنظمة الروسية، لكن لا ينبغي أن يكون السلاح هو البديل الوحيد، يمكن أيضاً النظر في المناهج الدبلوماسية متعددة الأطراف والترويج لها كوسيلة للحد من مخاطر الصراع بين الدول.
مع استمرار البلدان في معاناتها من الأضرار الصحية والاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد-19، قد تحتاج إلى تخصيص الكثير من ثرواتها الوطنية للاحتياجات المحلية، الأسلحة التقليدية المتقدمة هي سلع كمالية وسط جائحة يجب على العديد من القيادات الوطنية أن تدرسها بعناية.
على الرغم من أنه يبدو أن العقوبات الموجهة ضد صناعة الدفاع الروسية كان لها تأثيرات ملحوظة، إلا أن سلوك روسيا المستمر قد لا ينذر بتعديل في سلوكها الدولي.
بعدة طرق، قد تحتاج الولايات المتحدة والشركاء المتحالفون معها إلى تذكير بوتين والقلّة القليلة الذين يدعمونه بأن هناك تكلفة على النشاط الخبيث لروسيا في النظام الدولي.