مع تزاحُم الأحداث الكثيرة التي ضجّ بها محرَّرنا منذ أوّل ساعات التحرير حتى هذه اللحظة، لم تخبُ يوماً جذوة الأسئلة المتراكمة التي ظلت تحرقني بشكلٍ يوميّ، وما زاد من لهيبها هو احتكاكي المباشر مع جيلنا -جيل الثورة- لهذا أردت أن أفجر هذه الأسئلة لعلّي أقرأ في بعض التعليقات إجاباتٍ مقنعةً.
هل مُحرَّرنا هو محرَّرٌ بالفعل؟ هل استطاع التخلص من وثنية التبعية وانفضّت عنه أيام الجاهلية؟ هل تحققت الصحوة الفكرية واستطاعت الأقلام أن تكتب فيه بحريّةٍ كحرية القلم الذي عهدناه منذ سبع سنواتٍ ونيِّف؟! هل تحرر فكر الشارع السوري وبدأ الشباب يتفكّر ويبحث في كل ما تطال يده من كتبٍ تاريخيةٍ وسياسيةٍ ودينيّةٍ ليحقق فهماً عقلانياً ومتوازناً لكل الأحداث التي تدور من حوله وليحلّلها وَفْق المنطق الخالي من التعصّب؟! أم أنّه انغلق على ذاته وتقوقع كما تقوقعت رقعة المحرَّر في هذه المساحة الضيّقة وصار نسخةً متكرّرةً من ذاته لكن بأشكالٍ مختلفة!
وإنْ كان الجواب على كل هذه الأسئلة نعم! إذاً لماذا نرى لغة الرصاص هي الصداحة عند الاختلاف المتكرر الذي لم يصل حتى الآن إلى أيّ تفاهُم. وإن كان شبابنا يسعى ويبحث ويقرأ إذاً لماذا عجز الجزء الساحق منه أن يجيب على سؤالٍ ثقافيٍّ بسيطٍ بمقابلةٍ أجراها مهدي كمخ في شوارع إدلب!. عند مشاهدة هذا النوع من المقابلات سوف يتبادر لذهن المشاهد سؤالٌ مهمٌّ يبحث فيه عن موطن للخلل في هذه المقابلة فجامعيٌّ هذا الذي لم يفقه شيئاً. وربّما ستتعزز عند المشاهدين فكرة أنّ التعليم ودُونَه متساويَان!. مَن يحمل خطيئةَ هذه النتيجة التي وصل إليها العديد من الأهالي في المناطق المحرَّرة؟
وأمّا عن مكتبة المركز الثقافيّ فإني على يقينٍ بأنها تملك الجواب الشافي لهذا النوع من الاستهجان حتماً ستبوح بكل أسرارها بمجرد القيام بزيارةٍ بسيطةٍ لها، وستحصي لكَ أعداد القرّاء الذين مرّوا بها منذ افتتاحها. فهُم معدودون على الأصابع.
ومن منطلق ابدأ بنفسكَ أولاً فقد بحثت في نفسي مليّاً وسألت ذاتي مراراً هل أنا حرة؟ ولم يتوانَ نيلسون مانديلا عن صفعه لفضولي بجملته الشهيرة: “ليس حراً مَن يهان أمامه إنسان ولا يشعر بالإهانة” نعم!! في كلّ يومٍ أرى أشخاصاً تنطلق للحياة بتوكلٍ أو ربّما بتواكلٍ ترضى بما قُسم لها من شقاءٍ، كالطفل العامل، وعامل النظافة ذي المرتب الزهيد والمعلم ذي المرتب المستجدى من عطف أحدهم فأشعر بإهانةٍ غريبةٍ ورغم أنّي أشعر بها إلا أنّني لا زلت أرى نفسي مقيدةً حدّ الاختناق كطاقات الشعب الكامنة التي قيّدها البحث عن رغيف الخبز اليوميّ المعجون بالفتور والتغييب عن الواقع!. وبعد البحث الطويل وقراءة التاريخ والتنقل بين الحضارات عَبْر العصور أدركت أن الحرية المنشودة هي رفع الظلم عن الجميع بغض النظر عن التوجه السياسي أو المذهب أو العِرْق أو الدين أو حتى مستوى التعليم الأكاديمي! تماماً كإدراك عصفورٍ عاش طيلةَ عمره في قفصه وبساعةِ احتضاره أدرك أنّ له جناحين!.