لم يخف "أبو المعتز" المنحدر من مدينة دمشق و المقيم في مدينة استنبول وصاحب مطعم وجبات سريعة، صدمته من الأنباء التي تتحدث عن إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإغلاق التام للبلاد بدءًا من 29 من الشهر الجاري، ولمدة تصل إلى 18 يوماً
"أبو المعتز" كان يُمني نفسه بأنّ تخفف الإجراءات الاحترازية المفروضة منذ بداية الشهر الكريم أملاً في موسم العيد والذي قد يخفف من الخسائر التي مُني بها، هذا الموقف لم يختلف عند "سعيد" اللاجئ من دير الزور والذي يعمل في بيع الملابس، فقد اشترى كميات كبيرة من ملابس الأطفال، على أمل أن تتحسن حالة البيع والشراء لكّنه فوجئ بهذه الإجراءات الاحترازية القاسية على حد وصفه.
أما "خالد" صاحب مصنع الإكسسورات فيقول إنّ المصيبة التي حلت به مضاعفة، هو يمتلك الآن بضاعة لا يمكن لأحد أن يشتريها بعد الإعلان عن الإغلاق التّام، وليس هذا فحسب بل هناك أكثر من 53 عاملًا في "رقبته".
وقال "خالد" في حديثٍ مع موقع "نداء بوست" مضطر أن أوقف هؤلاء العمال عن العمل، لأنّ المصنع سيتوقف ، وربما يعمل بأقلّ من طاقته، لا أدري إذا ما كانت السلطات ستسمح لنا وتعتبرنا جزءًا من القطاع الإنتاجي المسموح به لمزاولة المهنة".
وتابع "ما حدث هو كارثة كبيرة، من جهة الدولة مضطرة لأن تقوم بهذه الإجراءات، لكن في المقابل لدينا التزامات يجب الوفاء بها، ولا أحد يدري ماذا يفعل وما هو التصرف المناسب".
ورغم الإجراءات المشدّدة التي أعلنتها تركيا مطلع شهر رمضان المبارك، واصل معدل الإصابات بفايروس "كورنا" بالارتفاع ليصل إلى أكثر من 60 ألف حالة يوميًا ، فيما وصلت إلى أكثر من 4 ملايين منذ بداية الجائحة والوفيات تجاوز 39ألف، ويعزو البعض ذلك إلى الاجراءات التخفيفية التي سبقت رمضان، بما في ذلك السماح بإعادة فتح المطاعم واختصار مدة حظر التجول المفروض في عطلات نهاية الأسبوع.
وأعلن الرئيس إردوغان الإثنين، فرض إغلاق كامل في تركيا بدءاً من الخميس 29 إبريل إلى 17 مايو لمواجهة التفشي السريع لفيروس كورونا في بلاده، وهو ما يأتي استجابًة فيما يبدو لتوصيات وزير الصحة "فخر الدين كوجا"؛ الذي دائمًا ما يدعو لمزيدٍ من الحرص في التعامل مع الفيروس، وكذلك اللجنة العلمية المكلفة بمتابعة الوباء.
مئات الشبان السوريين يغادرون تركيا
ازدادت خلال الأسابيع الماضية أعداد الشبان السوريين الذين قاموا بتسليم بطاقات الحماية المؤقتة ( الكملك) واتجهوا إلى الأراضي السورية، لكنّ الإقبال على دائرة الهجرة من أجل إتمام معاملة المغادرة باتجاه سوريا تضاعف منذ الإعلان عن الإغلاق الكامل في تركيا.
وأفاد مراسل "نداء بوست" أنّ أكثر من 400 شاب سوري تجمعوا اليوم الأربعاء أمام دائرة الهجرة في ولاية هاتاي التركية من أجل تسليم بطاقة الحماية المؤقتة والتوجه إلى سوريا.
وبحسب ما أكده عدد من الشبان المتجمهرين قرب دائرة الهجرة في هاتاي لمراسلنا، فإنّ الغالبية يعملون في المطاعم والمقاهي وورشات الإنشاءات، وهم الآن غير قادرين على تأمين دخل لهم من أجل السكن والمعيشة، وقرروا بعد أن سرى قرار الإغلاق التوجه إلى سوريا بسبب ضبابية الوضع وعدم وجود بوادر على عودة الحياة إلى طبيعتها قريبا.
بطالة مضاعفة
ومنذ أزمة كورونا تضافعت أزمة البطالة في صفوف العمال السوريين، حيث وصلت في بعض التقديرات لأكثر من 70%. ويقدر عدد العمال السوريين في تركيا بنحو 700 ألف عامل جُلْهم في إسطنبول، حيث أجبروا على ترك العمل خاصة في قطاعات المطاعم والسياحة، إثر تقنين أنشطة هذه الجوانب.
وفي هذا السياق يؤكد "محمد" والذي كان يعمل في مشغل للتطريز، أنّ إجراءات كورونا أثرت على ورشاتهم، موضحًا "أنّ إغلاق الكثير من مناحي الحياة في تركيا، والعالم بشكل عام ، أثر على مهنتهم ، ولم يعد هناك طلب كثيف كما كان الأمر في السابق ما اضطر أرباب العمل إلى ترحيل المئات من عمال التطريز".
ويقول "أنا حاليًا سأعتمد بالكلية على بطاقة المساعدات الإنسانية المقدمة من الهلال الأحمر، لكن المبلغ (نحو700 ليرة تركية شهريا) الذي يأتينا منه لا يغطي سوى الإيجار وجزء من الفواتير الشهرية"، حال محمد يشبه حال الآلاف من العمال، والذين يفتقدون إلى جهة رسمية أو حقوقية نقابية يمكن أن تمثلهم وتدافع عنهم أو حتى تقوم بدفع تعويضات تعينهم على تدبير لقمة العيش، هذا ويصل عدد الشركات التي يمتلكها السوريون في تركيا إلى 29% من الشركات الأجنبية في تركيا، ويعمل 30% من العمال السوريون في هذه الشركات.
ويقول "باسل هيلم" نائب رئيس منبر الجمعيات السورية؛ في تصريحات لـ "نداء بوست"، إنّ "جميع القطاعات السورية العاملة في تركيا قد تضررت بفعل جائحة كورونا، على اختلاف نسبة الضرر وتأثيرها، بداية من السياحة وصولًا إلى المطاعم والكافيهات وغيرها، وأضاف: "الإجراء الوحيد المتبع لدى الدولة هو الحظر والإغلاق، دون وجود أيّ إجراءاتٍ بديلة قد تخفف من وطأة الأزمة التي تضرر منها بشكل أساسي طبقة العمال".
ولفت "هيلم" إلى أنّ المفوضية العامة للاجئين التابعة للأمم المتحدة أرسلت 1000 ليرة لبعض المتضررين من جائحة كورونا عن طريق بريد الدولة PPT وهو رقم لا يساوي شيئاً أمام هذا العدد الكبير المتضرر من العمالة.
وبيّن "هيلم" بأنّه تم رفع نداءات للمسؤولين في تركيا ولكن حتى هذه اللحظة لا يوجد أيّ تطور وقد تعمل أنقرة بالضغط على الأمم المتحدة لتقديم مساعدات، مطالباً الدولة التركية " بأن تضغط على أصحاب العقارات بعدم رفع أسعار الإيجارات من جهة، ومن جهة أخرى على الأقل أن تصبر على المستأجرين حتى تتحسن الظروف والأوضاع"، كما اقترح أن تكون هناك ورشات عمل مشتركة للخروج من الأزمة بأخف الاضرار.
يُذكر أنّ شريحة واسعة من الشباب المقيم في تركيا تعتمد على المهن والحرف اليدوية من أجل تحصيل معيشتها، وبالتالي فهذه الفئة الأكثر تضرراً من جائحة "كورونا" لأنّها ليست ضمن قائمة العمالة المستثناة من قرار الحظر، وتمتاز هذه الطبقة بأنّها قريبة من خط الفقر لأنّ المدخول الذي تحصل عليه يوميا، كما أنّها مضطرة لخفض أجرتها لتتمكن من إيجاد فرصة عمل في ظل المنافسة الكبيرة ضمن السوق الحرة.