استهدفت طائرات حربيّة روسيّة مساء أمس الخميس بغارتين جويّتين نقاط عسكريّة على خطوط التماس بين الجيش الوطني و "قسد"،حيث استهدفت إحدى الغارات محيط نقطة المراقبة العسكريّة التركيّة قرب قرية "مشيرفة الجهبل" شرق مدينة عين عيسى بريف الرقة الشمالي فيما استهد فت الغارة الثانية محيط إحدى نقاط تمركز قوات الجيش الوطني في بلدة "كفر خاشر" قرب مدينة "أعزاز " بريف حلب الشمالي ، دون تسجيل أي خائر بشريّة في أي من الاستهدافين.
قد يبدو هذا التصعيد الروسي مفاجئاً من حيث التوقيت ومكان الاستهداف لنقاط على طول خط تماس يتولّى الطرفين الروسي والتركي مراقبته وضبطه عسكريّاً، خاصة في ضل عدم وجدود أيّة مؤشرات لتوتر أو خلاف جديد بين أنقرة وموسكو في سوريا، لكن دوافع ودلالات هذا الاستهداف ستكون أوضح عند قراءتها كجزء من الاتفاق الأخير الذي جرى إتمامه بين الجانب الروسي وقسد في مدينة القامشلي مطلع الأسبوع الماضي، الاتفاق الذي انتهى بسيطرة "أسايش" قسد على حيّ طي بعد طرد ميليشيا الدفاع الوطني المحسوبة على إيران منه.
بالإضافة للمكسب العسكريّ الذي حققته قسد من الاتفاق من خلال بسط سيطرتها على "حيّ طي" الذي كان يشكل مصدر قلق دائم لها وخزان بشري لقوات النظام، فإن قسد تسعى من خلال هذا الاتفاق إلى إيجاد حليف أو قوّة دولية قادرة على تأمين الحماية العسكريّة لها ولو بشكل محدود من التهديدات والمخاطر التي تحيط بها وخاصّة من الجانب التركي وقوات الجيش الوطني لاسيما في خطوط التماس معهما في أرياف حلب والرقة التي انسحبت منها القوات الأمريكية في أكتوبر 2019، هذا الانسحاب الذي قد يكون خلق هامشاً ومبرّرا إضافيّاً لقسد أمام داعمها وحليفها الأمريكي للتحرك والبحث عن حماية عسكريّة لقواتها في تلك المناطق.
أمّا بالنسبة لروسيا فإن هذا الاتفاق قد يضمن لها مكاسب في عدّة مجالات، فاقتصادياً سيضمن زيادة في شحنات النفط والقمح التي توردها قسد للنظام السوري مما يخفف العبء المالي الذي تتحمله روسيا لتأمين هذه المواد الأساسيّة لمناطق النظام عن طريق شحنات النفط والقمح التي تتوّلى إيصالها إلى النظام بشكل دائم.
كما أن روسيا تسعى ومن خلال هذا الاتفاق لتحقيق مكاسب عسكريّة ولوجستية في مناطق سيطرة قسد متمثلة بتسهيل وتوسعة مسارات دورياتها شمال شرق سورية، أو حتى إنشاء نقاط تمركز جديدة للقوات الروسيّة في هذه المناطق وخاصة في محيط مدن وبلدات "رميلان" و "المالكيّة" و"القحطانية" و "عين ديوار" بريف الحسكة الشمالي الغنيّ بالنفط، والذي لطالما حاولت روسيا جاهدة أن يكون لها قدم فيه، لكنها محاولات كانت تصطدم دوماً بالرفض الأمريكي عن طريق قسد.
أما سياسياً، فستحاول روسيا من خلال هذه الاتفاق إظهار نفسها كقوّة عسكريّة وسياسيّة ومكافئة للولايات المتحدّة الأمريكية والتحالف الدولي في المنطقة، وقوّة قادرة على تبنّي قسد وحمايتها من المخاطر -العسكريّة على الأقل-التي تواجهها لاسيما في المناطق التي انسحبت منها الولايات المتحدة الأمريكيّة سابقاً.
خلاصة القول: يبدو أن ما يجري مؤخراً في شمال شرق سورية هو خطوات هدفها إثبات حسن نوايا واستكشاف إمكانية تطوير العلاقة بين موسكو و قسد، حيث بادرت الأخيرة قبل يومين لكسر الجليد وذلك من خلال مرافقتها وتسهيلها لعبور رتل يضم أكثر من ألف صهريج لنقل النفط وصل إلى حقول "رميلان" النفطيّة قادماً من مناطق النظام ليتم تحميلها بالنفط الخام وإعادة إرسالها إلى تلك المناطق لاحقاً، وتلى ذلك القصف الجوي الروسيّ الذي حدث يوم أمس لإثبات جدّيته وقدرته على الالتزام بالاتفاق، من خلال استهدافه لخطوط التماس الفاصلة بين قسد والجيش الوطني الذي يشكل الهاجس ومصدر القلق الأول لقسد، إلا أن هذا لا يعني حتمية تطوير الشراكة بين الطرفين على اعتبار أن هناك لاعب قوي قادر على ضبط تحركات "قسد" والحديث هنا طبعاً عن الولايات المتحدة الأمريكية التي قد ترفض أن تعزز روسيا نفوذها شمال شرق سوريا.