عندما امتلك بوتين الضوء الأخضر لتدخُّله العسكري في سورية من قِبل الولايات المتحدة والغرب ظنّ نفسه أنه الوريث للاتحاد السوفياتي أو كطائر الفينيق الذي سينهض بأمجاد الاتحاد الذي تفكَّك إثر الحرب الأفغانية من جديد.
جابت طائرات ضابط المخابرات السوفيتية السابق مدن وبلدات سورية ليس فيها إلا بضعة مدرسين وفلاحين وأطباء يقاومون ببنادقهم سلطة دكتاتورية تعاونت مع كل شُذّاذ الآفاق لقتل حلمهم في الحرية.
دمرت طائراته الحربية مدن السوريين وردمت أطفالاً تحت أنقاض منازلهم وحوّلت مرضى على أسرّة المشافي إلى أشلاء ودمرت مدارسَ ومخيمات وملاجئ وقتلت أطفالاً وشيوخاً ونساءً وضللت هذا العالم لصالح حليفها الأسد.
كل الحرب الروسية في سورية كان فيها الغرب متواطئاً أو صامتاً في أحسن الأحوال ولكنه بذات الوقت ربما كان طعماً للقيصر الروسي ليتمادى في غطرسته ليظن نفسه أن بإمكانه إعادة العالم إلى متعدد الأقطاب ويكون منافساً للولايات المتحدة.
مع إعادة مساحات واسعة من سورية لنظام الأسد وتمكينه من الثبات على قدميه بشكل أو بآخر سال لعاب بوتين ليواصل تمدده ولكن هذه المرة اختار أن تكون أوكرانيا هي الهدف ليشعل حرباً في أوروبا كانت خامدة منذ الحرب العالمية الثانية.
بدأ الغرب والولايات المتحدة بإرسال رسائل للمسؤولين تطمئنهم بإمكان التخلي عن كييف من خلال حديث الولايات المتحدة عن سقوط كييف خلال أيام بأيدي الروس وتارة أخرى بعرض اللجوء على زيلينكسي.
بدأ الروس حربهم وشعرت أوروبا بخطر محدق يطرق أبوابها فحشدت خلف أوكرانيا وبدأت بإنشاء جسور جوية لدعم الأوكران من سلاح وأموال ومقاتلين وتجهيزات لوجستية.
اقتنصت الولايات المتحدة بقيادة الديمقراطي بايدن الفرصة والذي يعتبر روسيا هي العدو الجيوسياسي لبلاده وبدأ إرسال راجمات الهيمارس والذي فتكت بالجنود الروس إضافة إلى قرار تأجير السلاح الأمريكي للحكومة الأوكرانية والذي ساهم في خسارة الجيش النازي إبان الحرب العالمية.
بدأ آلاف الجنود الروس يتساقطون ومثلهم أصبحوا جرحى ومصابين ومنهم من هرب من أرض المعركة فشعر بوتين بخطورة المعركة فذهب للتهديد بالسلاح النووي تارة وآخر بقطع الغاز عن أوروبا وتهديدها بشتاء قاسٍ.
هذه التهديدات لم تثنِ أوروبا عن معركة باتت تعتبرها مصيرية فتواصلت بدعم كييف حتى تمكنت الأخيرة بقيادة رئيسها المحارب زيلينكسي من استعادة 6000 كم مربع في خيرسون وأسر جنرالات روس ما أغضب الشارع الروسي الذي بات يعاني من أثر العقوبات الغربية.
مع ثقل حجم الخسائر ووصول بنك الاستهداف ليطال ابنة المفكر الروسي ومستشاره الشخصي للقيصر الروسي دوغين ثارت ثائرة الروس فخرج بوتين بخطاب تصعيدي لم يسبق له مثيل.
الرئيس الروسي أعلن التعبئة الجزئية في روسيا واتخذ قراراً بتوجيه ضربة استباقية في أوكرانيا بهدف السيطرة على دونباس، مضيفاً أنها تتعرض لتهديدات بالسلاح النووي ولدينا أسلحة دمار شامل مضادة للأسلحة الغربية.
من جانبه خرج المسؤول الروسي ميدفيدف ليصعد الموقف بالقول سيتم ضم المناطق الأوكرانية التي يتم الاستفتاء فيها إلى روسيا مؤكداً أن بلاده ستدافع عن هذه المناطق كما تتدافع عن روسيا حتى بالأسلحة النووية.
وأضاف: “الجنرالات الحمقى المتقاعدون في الناتو لا يخيفوننا بتصريحاتهم (يقصد تهديد القائد السابق للقوات الأمريكية في أوروبا حول ضرب الأسطول السادس أو القرم”.
وواصل تهديده بالقول: إن أسلحتهم الفرط صوتية قادرة على الوصول لأوروبا ولأمريكا، مشيراً إلى أنه يجب أن تعلم المؤسسات الغربية أن روسيا اختارت طريقها، ولن تتراجع.
ومع إعلان التعبئة العامة بدأت مئات الرحلات الجوية بالخروج من روسيا مع هروب آلاف الروس خارج البلد مع خروج مظاهرات ضد هذا القرار حيث واجه الأمن الروس بالاعتقالات.
الغرب رد على ما أسماه بالجنون الروسي عن طريق الرئيس الفرنسي ماكرون الذي قال: إعلان بوتين تعبئة عسكرية جزئية خطأ وسيزيد من عزلة روسيا فيما حذر بايدن روسيا من استخدام السلاح النووي وقام جيشه بأمر طائرة القيامة التي تملك القرار باستخدام أسلحة الدمار الشامل بالتحليق.
مع وصول الخسائر إلى 50 ألف مقاتل روسي وعدم قدرة القيصر على ربح المعركة أصبحت ملامح خسارته تظهر جليّاً بعد سنوات من حلمه بإعادة أمجاد غابرة وبات تراجُعه سيكلفه أكثر من الإكمال في المعركة لذلك فإن الطعم الغربي في سورية قد أتى أُكُله.