نداء بوست – هاني العبد الله – تركيا
رغم تحديات اللجوء والمعيشة، إلا أن السوريين في تركيا حاولوا خلال السنوات الماضية، عمل بصمةٍ فريدة في مختلف مناحي الحياة ومنها مجال الرياضة، حيث حققوا عدة إنجازاتٍ، ولم يقتصر الأمر على المشاركة الفردية باسم سورية، بل حاولوا الاندماج في الرياضة التركية عَبْر تأسيس عدة أندية كروية.
البطولات المدرسية أولى خطوات الاندماج
في السنوات الأولى لتواجد السوريين في تركيا، كان هناك مدارس سورية مؤقتة، وكان من ضِمن النشاطات التي تمارسها تلك المدارس، التي كان يدرس طلابها باللغة العربية، هي المشاركة ضمن البطولات الرياضية المدرسية، والتي كان ينظمها الاتحاد التركي للرياضة المدرسية، وتتضمن مشاركة فِرَق من مدارس سورية وتركية.
كانت تلك البطولات فرصة للطلاب السوريين للاحتكاك مع الأتراك ضمن البطولات الرياضية، وبالتالي كانت الرياضة إحدى وسائل الدمج المجتمعي، وساهم وجود مثل هذه الأنشطة ما بين الأطفال السوريين والأتراك، في تعزيز التواصل المباشر بينهم وتبادُل الثقافات.
في عام 2017 أصدرت وزارة التعليم الوطني في تركيا، قراراً بإغلاق مراكز التعليم السورية المؤقتة، تمهيداً لدمج الطلاب السوريين بشكلٍ تدريجي ضِمن المدارس التركية، وبالتالي أصبح السوريون يشاركون في البطولات المدرسية باسم المدرسة التركية، وليس باسم المدرسة السورية كما كان يحصل مسبقاً.
تأسيس أندية سورية في تركيا
شعر بعض الطلاب السوريين أن مشاركتهم ضِمن بطولاتٍ رياضية مدرسية بجانب أقرانهم ضِمن المدرسة التركية، لا يجعلهم يحققون إنجازاً باسم بلدهم، وإنما يُحسب الإنجاز للمدرسة التركية التي يدرسون فيها.
هذا الأمر دفع بعض الرياضيين السوريين إلى تأسيس أندية رياضية سورية، حصلت لاحقاً على ترخيص من الحكومة التركية واستطاعت المشاركة ضِمن الدوريات التركية.
“جميل حمودي” لاجئ سوري في تركيا، حرص منذ قدومه إلى تركيا، على عمل شيء يخدم الرياضة السورية، فقام عام 2013 بتأسيس نادي “أجيال سبور” لتنس الطاولة، وفي أواخر عام ٢٠١٦ أسس أول نادٍ سوري لكرة القدم في تركيا، وحصل النادي على الترخيص عام 2017.
يقول مؤسس نادي “أجيال سبور”، جميل حمودي، لموقع “نداء بوست”: “دخلنا الدوري التركي بشكلٍ رسمي في موسم ٢٠١٧-٢٠١٨، حيث بدأنا المشاركة ضِمن الدرجة السابعة، وبعد موسمين صعدنا للمرحلة الأولى من الدرجة السادسة، ونواصل العمل حالياً لتجاوُز الدرجة الخامسة”.
وأضاف حمودي قائلاً: “من الإنجازات التي حققناها، إنشاء أكاديمية كروية لتعليم الأطفال السوريين في تركيا فنون كرة القدم بشكلٍ مجاني، حيث قمنا بتعيين كادر من أصحاب الخبرة لاكتشاف المواهب السورية في كرة القدم من الفئات العمرية الصغيرة”.
“أحمد الجفال” لاجئ سوري، قام كذلك بتأسيس ثاني نادٍ سوري لكرة القدم في تركيا في نهاية 2015، وأطلق عليه اسم “نادي الفرات” وذلك في ولاية شانلي أورفه التركية.
وقال الجفال لموقع “نداء بوست”: “تأسس نادي الفرات بجهود مجموعة من الرياضيين السوريين، غالبيتهم من أبناء المنطقة الشرقية، وبعد نجاح واستمرار النادي إدارياً وتنظيمياً، وضمه جميع المواهب السورية، تم دعوة النادي من قِبل مديرية الشباب والرياضة التركية، للمشاركة ضِمن مشروع دمج الشباب السوري في المجتمع التركي، عن طريق تنظيم بطولات كرة قدم بمشاركة عدة ولايات تركية”.
وأضاف الجفال: “هدفنا دعم الشباب السوري وإيصال فكرة أننا كسوريين قادرون على النجاح في أي مجال مهما كانت الظروف، لذا نظّمنا عدة بطولات في تركيا بين فِرَق سورية، وكانت تكاليفها على نفقتنا الخاصة، بينما البطولات التي نظمتها مديرية الرياضة التركية بالتعاون مع الأمم المتحدة ضِمن مجال الدمج الاجتماعي، كانت على نفقة الحكومة التركية”.
تحدِّيات
واجهت الأندية السورية التي تأسست في تركيا عدة صعوبات، يقول مؤسس نادي “أجيال سبور”، جميل حمودي: “عانينا خلال السنوات الماضية من مسألة الدعم، خاصةً أن الحكومة السورية المؤقتة، لم تقدّم لنا أيّ دعم، بينما كانت وزارة الشباب والرياضة التركية، توفّر لنا الملاعب الخاصة بكرة القدم والمواصلات بشكلٍ مجاني، وفي هذا الموسم، أصبحت مجموعة “إنجة كروب” الاقتصادية والتجارية، هي المالكة الجديدة للنادي، وأصبح اسم النادي الجديد (إنجة سبور الرياضي)”.
ولفت حمودي إلى أن “الفريق لم يواجه صعوبة في الاندماج ضِمن الرياضة التركية، ولا سيما أن جميع اللاعبين السوريين حاصلون على الجنسية التركية، ويجيدون تحدُّث اللغة، كما لمسنا تشجيعاً كبيراً من المحيط التركي لمشروعنا الرياضي”.
في السياق ذاته، تحدث أحمد الجفال، مدرب نادي الفرات، عن الصعوبات التي واجهتهم قائلاً: “تواصلنا كثيراً مع الائتلاف أو الحكومة السورية المؤقتة، لتقديم دعم للفرق السورية في تركيا، ولم نحصل سوى على مجرد وُعود، وبعدما فقدنا الأمل من وجود جسم رياضي يرعى الفِرَق السورية، قررنا الخوض في تجربةٍ جديدة والبحث عن داعم لفكرة ترخيص النادي ضِمن الدوري التركي، حيث تم الاتفاق مع (شركة فرات نت) ومقرها في أورفه، والتي قامت بدعم النادي وتأمين ترخيص له عام 2020 واستخراج بطاقات للاعبين، وبذلك أصبحنا قادرين على المشاركة ضِمن الدوري التركي”.
سوريون في المنتخب التركي
السوريون الذي حصلوا على الجنسية التركية، حاولوا الاندماج بشكل أكبر في الرياضة التركية، من خلال المشاركة ضِمن صفوف المنتخب التركي، وحقق العديد منهم بصمةً واضحة.
“آدم متين” لاجئ سوري لم يتجاوز السادسة عشرة، فرضت عليه ظروف الحرب في سورية القدوم إلى تركيا في أوضاعٍ صعبة، ولم يتخيل حينها أن حلمه سيُولد عقب مخاض هذه المعاناة، حيث بزغ نجمه سريعاً حتى أصبح يُلقب بـ “ميسي تركيا”.
وُلد “آدم” في 15 كانون الثاني 2004 بمدينة حماة، وهاجر إلى تركيا عام 2013 بسبب اندلاع الحرب هناك، ليبدأ مشواره الكروي عقب انضمامه إلى نادي “صوما أسلان غوجو” لكرة القدم في إسطنبول، ومثَّله في مسابقاتٍ رياضية عديدة للهواة، ونجح في جذب الأنظار إليه.
حصل “متين” على الجنسية التركية عام 2015، وبسبب موهبته الكبيرة انضم إلى المنتخب التركي للناشئين في الفئات العمرية 14 و15 و16 عاماً، وقدّم معه مستوياتٍ متميزةً.
عقب ذلك، وقّع “آدم متين” عقداً احترافياً لعامين نصف، للعب في صفوف فريق “أنطاليا سبور”، الذي يلعب في دوري الدرجة الأولى التركي.
يقول آدم متين: “تجاوزت صعوبات الحرب واللجوء واستطعت إثبات موهبتي، وحققت أول أحلامي بالانضمام إلى نادي أنطاليا سبور العريق، وتلقيت عروضاً كثيرة من أندية داخل تركيا وخارجها ترغب في ضمي لصفوفها، لكن طموحي الأكبر هو المشاركة في المنتخب التركي الأول”.
وأشار آدم إلى أنه “يسعى لأن يكون لاعباً مشهوراً على الصعيد العالمي، مثل قدوته الأرجنتيني ليونيل ميسي، وأنه سيبذل مجهوداً كبيراً لتحقيق هذا الحلم، موضحاً أن رئيس اتحاد كرة القدم التركي، يلدريم دمير أوران، هو من أطلق عليه لقب “ميسي تركيا”.
“إبراهيم عيدان”، لاجئ سوري من أصول تركية، تعرض منزل أسرته بمدينة منبج بريف حلب لغارةٍ من قِبل نظام الأسد عام 2015، ما أسفر عن مقتل عددٍ من أقربائه، وبتر قدمه اليسرى.
عقب تعرضه للإصابة نُقل “عيدان” على الفور إلى ولاية غازي عنتاب، حيث خضع للعلاج لمدة عامين، ومن ثم بدأ الذهاب إلى المدرسة فيها، حيث اقترح عليه أحد زملائه هناك البدء بممارسة كرة الطائرة وهو جالس.
يقول عيدان: “أمارس هذه الرياضة منذ 5 أعوام، واندمجت بسرعة ضِمن المجتمع التركي، وقدمت أداءً جيداً في الاختبارات، ما أدى لاختياري لتمثيل المنتخب التركي لكرة الطائرة، وسأعمل بجدٍ كبير لكي أصبح لاعباً دائماً في المنتخب”.
دور الحكومة المؤقتة في دعم الرياضة
في نهاية العام الماضي قامت الحكومة السورية المؤقتة، بإحداث “هيئة الرياضة والشباب”، وإلغاء كافة المسميات القديمة، وتم إطلاق عملها في نيسان الماضي من خلال مؤتمرٍ صحافي عُقد في مقر الحكومة المؤقتة في غازي عنتاب، بحضور رئيسها، عبد الرحمن مصطفى.
وقال رئيس “هيئة الرياضة والشباب”، الكابتن أحمد الخطيب، لموقع “نداء بوست”: “باشرت هيئة الرياضة خطة عملها بتشكيل جسمها الرياضي، ولمّ شمل جميع الرياضيين في تركيا والداخل السوري المحرَّر، من خلال تشكيل اللجان الفنية لكافة الألعاب الرياضية، وصولاً إلى تشكيل الاتحادات وانتساب الأندية الرياضية”.
وأضاف الخطيب: “إضافةً إلى العمل التنظيمي، تقوم هيئة الرياضة والشباب في الحكومة المؤقتة، بدعم النشاطات الرياضية في تركيا والداخل السوري، عن طريق اللجان الفنية المشكّلة من قِبل الهيئة، حيث أقامت اللجنة الفنية لكرة القدم في ولاية قيصري دورة الصداقة الكروية، كما تشرف اللجنة الفنية في ولاية مرعش حالياً، على دورة السلام في الولاية وبعدها في عينتاب، وجارٍ العمل على إقامة دوري لكرة القدم في عشر ولاياتٍ تركية لفئة الشباب”.
ودعمت هيئة الرياضة والشباب مشاركة منتخب الجودو للفئات العمرية من الداخل السوري، في بطولة كأس النصر الدولية للجودو، التي أُقيمت في ولاية صقاريا التركية نهاية الشهر الماضي، وأحرز خلالها المنتخب السوري المركز الأول بالترتيب العامّ لفئة البراعم، والمركز الثالث لفئة الصغار، وذلك بست ميداليات ذهبية وفضية وبرونزيتين.
وأوضح الكابتن الخطيب أن “الهيئة تنفذ خطة عملها، من خلال لجانها الفنية للألعاب الرياضية، حيث تقدم اللجنة الفنية الدراسة اللازمة لإقامة أي نشاطٍ رياضي، ويتم عرض الدراسة في اجتماع الهيئة للموافقة حسب الإمكانيات المتاحة”، مشيراً إلى أن الحكومة المؤقتة عقدت أمس اجتماعاً مع منظمة GiZ ، وتم تقديم عدة مقترحات ودراسات لإقامة نشاطات رياضية في تركيا والداخل السوري”.
وفي تموز الماضي حقق منتخب “سورية الحرّ” المركز الثاني بالترتيب العامّ في بطولة “كوجالي الدولية” لرياضة الجودو، التي أُقيمت في ولاية كوجالي التركية، بمشاركة 20 لاعباً قادمين من محافظتَيْ إدلب وحلب.
وحصل اللاعب يزيد شاهين على ذهبية وزن 26 كيلوغراماً لفئة الصغار، وأحرز اللاعب زين الدين الخطيب فضية وزن 34 كيلوغراماً لنفس الفئة، وأحرز الأخَوَانِ محمد وعبد الرؤوف أسد برونزيتَيْ وزنَيْ 22 و26 كيلوغراماً لفئة البراعم.