قهر السوريين في قهرمان مرعش!

قهر السوريين في قهرمان مرعش!

لا شك أن زلزال تركيا وسورية الواقع فجر السادس من شباط ترك جرحاً عميقاً في ذاكرة سوريِّي تركيا، المتواجدين في كافة المدن والولايات، وبالأخص ولاية قهرمان مرعش، أولاً لكونها مركز الزلزال في المنطقة الجنوبية من تركيا، حيث حصل بمنطقة بازارجيك التابعة للولاية. وثانياً لأن الولاية كانت تحتضن قُرابة 100 ألف سوري مسجل نظامياً عدا غير المسجلين، وكان حضور السوريين فيها لافتاً لجهة الأنشطة التجارية والصناعية، والمجتمعات الصغيرة النازحة من مدنها داخل سورية، والتي تجمعت ضمن سلاسل تعرف بعضها وتساند بعضها اجتماعياً واقتصادياً.

زلزال قهرمان مرعش أصاب السوريين في الصميم، بسبب ارتفاع عدد الضحايا والمصابين منهم داخل أحياء الولاية، ولكون نسبتهم الأكبر تتركز في الأحياء الفقيرة (الشعبية) والتي تعرضت للدمار الواسع خاصةً بمناطق محيط سوق السمك ووسط المدينة وقرب قلعة مرعش. بيد أنه لا توجد إحصائيات دقيقة لأعداد السوريين الضحايا في سياق منفصل، بل يندرجون ضمن الإحصائيات الشاملة التي تصدرها السلطات التركية، والتي بلغت في آخر إحصائية أكثر من 43 ألف قتيل، مع دمار أكثر من ربع مليون شقة، مع ارتفاع العدد بشكل مستمر سواء في تركيا أو داخل سورية.

عندما تجولت في شوارع قهرمان مرعش، شممت رائحة الموت والأسى تنبعث من شوارع المدينة، وآثار التعب والإرهاق بادية على وجوه المارة، مع انتشار المأكولات في كافة أنحاء الولاية، بشكل مجاني، خصصتها البلدية والجمعيات الخيرية لإغاثة الناس والتخفيف عنهم.

تنتشر الخيام في ولاية قهرمان مرعش بشكل أوضح من مثيلاتها في ولاية غازي عنتاب مثلاً، فتجد أحياء كاملة مدمرة خرج سكانها إلى الجوامع في بداية الأمر، ثم تجمعوا قرب مساكنهم علّهم يتابعون ما سيحصل فيها، مع مغادرة أعداد أخرى كبيرة من السوريين للولاية باتجاه عمق الشمال التركي، على اعتبار أن المأساة كانت فوق طاقة السكان، والزلزال والهزات الارتدادية استمرت في أكثر من وقت، ما ينذر بعودة الكارثة مجدداً.

السوريون في قهرمان مرعش يتجولون في الشوارع لمراقبة حركة الإنقاذ، وتقديم المساعدة إن لزم الأمر، مع خوفهم من الدوريات أو الشكاوى التي قد تشتبه بهم في حال تجولوا قرب الأماكن المدمرة، بسبب انتشار حالات السرقة في بعض المناطق.

زلزال قهرمان مرعش راكم القهر لدى السوريين النازحين في معظمهم من ريفَيْ حلب وإدلب وحماة إلى المدينة، ليجدوا فيها مصيراً كان بعيداً جداً عن التوقعات، باعتبار أن المنطقة بعيدة عن خط الزلازل أو لم تشهد هذا النوع من الزلازل المدمرة سابقاً.

مدينة البطولات كما سُميت حين جابهت الاحتلال الفرنسي عام 1920، وتغير اسمها من مرعش إلى قهرمان مرعش، وفي العربية الدارجة "قهرمان مرعش"، بدا أن لها من اسمها نصيباً، فالقهر يحيط بشوارعها والدمار والركام يملآن أطرافها وقلبها، وجثث الضحايا المستخرجة من أنقاضها تجاوزت الآلاف، حتى كادت تشكل نسبة من مجموع سكان المدينة.

سوريُّو مرعش حاولوا بادئ أمر الزلزال أن ينقذوا نفسهم بنفسهم، فحفر بعضهم بيديه، واستعان آخرون ببعض الآلات الزراعية البسيطة، لحين وصول الدعم إليهم، أملاً في إنقاذ أحبتهم وأقاربهم وكل من يسمعون صوته تحت الأنقاض، فكانوا يهرعون جميعهم إلى جميع المستغيثين وكأن جرحهم واحد وحزنهم واحد.

سرعان ما وصل سوريون آخرون من خارج المدينة إما لرؤية أقربائهم والمساعدة في عمليات الإنقاذ والإجلاء، أو دخلوا بوصفهم ناشطين لمد يد المساعدة تجاه قاطني المدينة، ورغم ذلك كان مشهد السيارات الوافدة إلى مرعش لا يذكر أمام طابور السيارات المغادرة، دون أن تعرف بعض العائلات وجهتها، المهم بالنسبة لكثيرين هو مغادرة المدينة المنكوبة والمدمرة.

شاهدت في ولاية مرعش فِرَق إنقاذ من دول عديدة ككازاخستان وروسيا والصين والهند ومن دول أخرى كثيرة، كانت تلك الطواقم تدخل بين الأبنية وتقود مع الفرق التركية عمليات الإنقاذ التي استمرت لأيام طويلة بعد الزلزال، وحولهم يتجمهر سوريون يراقبون مسار الأحداث وإلى أين ستفضي في نهاية المطاف.

حكى لي بعض السوريين أنهم تحملوا القصف بكافة أشكاله، إلا أن الزلزال أخافهم بدرجة مماثلة أو أكثر لكونه كارثة طبيعية تعم جميع المباني، ولاعتباره ظاهرة مفاجئة يرونها لأول مرة فلم تكن معهودة في سورية بتلك القسوة والنتائج، ولأنهم ظنوا أن قهرهم وصل إلى ذروته بالقصف والتهجير واللجوء وأن يكونوا وقوداً للعنصرية والسياسة في تركيا، فجاء الزلزال ليزيد من قهر السوريين، منبعه مدينة يُسمونها قهرمان مرعش.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد