كأجملِ ما يكونُ اللوْن، تستيقظُ كاميرات المصوّرين من بياتِها الشتويّ، ملاحقةً فَراشات الرّبيع، مُعانقةً أغنيةً موسميّة، ملقيةً تحيةَ الصّباح على طفلةٍ سارحةٍ في الحُقول، نسِيها (مارس) إلهُ الحرْب، وعقدَ الخِصْبُ موعداً مع عيْنيها العسليّتيْن، وناداها مُنادي الغيْث: فلْنصعد إلى آذار.
لا يتأخّر (أبو ثلجات كبار) عن استحقاقاتِهِ الدوريّة، فهُو مطلعُ كلِّ لحْن، وصلاةُ كلِّ قِيامة، ونيروزُ كلِّ حِكاية، والعيدُ الكبيرُ عِندما يأتي (شمّ النسيم).
يتجلّى شهرُ آذار (مارس) في الوعيِ الشرقيّ، وفي عمومِ بُلدان حوضِ المتوسّط، إلى ذلك، بوصفِه أولَ إرهاصاتِ الرّبيع. صحيحٌ أنَّ الشتاءَ يحتلّ، بحسبِ التقويم (الغريغوريّ)، معظمَ أيامِهِ ولا يبرحهُ إلّا في الواحدِ والعشرين مِنه، وهناك مَن يقول في الثالثِ والعِشرين، ولكن، ورُغم ذلك، فإنّ الشهرَ محسوبٌ وجدانيّاً، وبِما يجْري عليهِ الموروثُ الشعبيُّ المُحيط، على الرّبيع.
آذارُ هو المِهاد، أوّلُ الصعودِ نحوَ عناوينِ الخصْبِ والوِلادةِ في معظمِ أساطيرِ الشرقِ ومعتقداتهِ ودياناتهِ السّماويّةِ مِنها وغيرِ السّماوية.
أغاني آذار
في حين حظيَ الربيعُ بأغنياتٍ على مدِّ البَصر، ولمْ تبقَ حضارةٌ، لعلّها، لمْ تغنِّ لَه، فقليلةٌ، بالمقابِل، هيَ الأغنياتُ التي يردُ اسمُ آذار فيها حصراً، بقطعِ النّظر عن ربطِ ذلك بالرّبيع.
لأسبابٍ كثيرة، فإنّ الموروثَ الفلسطينيَّ الشعبيَّ والفَصيحَ، أكثرُ من غيرِهِ احتفاءً بآذار، بعيداً عن ربطِه بالرّبيع ورموزٍ طقسيةٍ أسطوريةٍ أُخرى. لعلّ للأمرِ عُلاقة، هُنا، بانبثاقِ الحنّون (الزهرةُ الشعبيةُ الحمراء)، التي يعشقُها الفلسطينيونَ، وتشعّ في كلِّ مكانٍ تقريباً، ما أن تشمّ عبقَ الدفء. وقدْ يكونُ للأمرِ عُلاقة بيومِ الأرضِ الذي يصادفُ في الثلاثينَ مِنه. وما أدراكَ ما يومُ الأرْض؛ إنّه اليومُ الشامخُ من العام 1976، عندما أدهشَ الفلسطينيونَ المقيمونَ داخلَ حدودَ فلسطينَ التاريخيّة، العالمَ أجْمع، وفاجَؤُوا العالمَ العربيَّ على وجهِ الخُصوص، أنّهم ما يزالونَ على قيدِ الحَياة والمعْنى ورفضِ الاحْتلال، والتمسُّك بالأرضِ والحقِّ والتّاريخ.
يومُ الأرضِ شكّل، في سياقٍ متّصل، حافزاً لأبناءِ الضّفة الغربيةِ المفصولينَ بخطٍّ وهميٍّ عن أهلهِم في يافا وحيفا وعكّا والنّاصرة واللدِّ والرملةِ والجَليل، فخرجَ يوم 16 أيار/ مايو 1976 أهلُ نابلس في مظاهرةٍ احتجاجيةٍ ضدّ الكيانِ الذي أُعلنَ عن قيامِهِ في 15 أيار 1948.
ثمّة طفلةٌ في المظاهرة، لفتتْ انتباهَ الجميعِ بِمدى عشقِها لأرضِها وبياراتِ فلسطينِها غربَ الخطِّ الوهميّ، إنّها لينا التي كانت أيامَها في ميعانِ الصّبا والحَياة (عمرُ لينا النابلسي لحظةَ استشهادِها 15 ربيعاً؛ وُلدت في العام 1951 واستُشهدتْ في العام 1976).
لاحقَها الجنديُّ الغاشمُ داخلَ عمارةٍ لَنا، وصوّب عليها أمامَ أعيننِا.
حادثةٌ استفزّت شاعراً من لبنان، فكتبَ حسن الظاهر وغنّى أحمد قعبور:
“لينا كانت طفلة تصنع غدها..
لينا سقطت لكن دمها كان يغني..
للجسد المصلوب الغاضب.. للقدس ويافا وأريحا
للشجر الواقف في غزة.. للبحر الميت في الأردن
يا نبض الضفة لا تهدأ أعلنها ثورة
حطّم قيدك.. اجعل لحمك جسر العودة
فليُمْسِ وطني حُرّاً.. فليرحل محتلّي فليرحل”.
حدثٌ في آذار أعقبه حدثٌ في أيار. وبين التاريخيْن جمعةٌ عَظيمة، ومعجزةُ قِيامة، وتلوينُ بيْض، وتدشينُ بَراري، وكذبةٌ اسمُها (إسرائيل).
الشاعرُ الفلسطينيّ/الأردنيّ إبراهيم نصر الله كتب “فلنصعد إلى آذار”، فلحّن الفنانُ الفلسطينيّ/الأردنيّ كمال خليل القصيدة وغنّاها، فصارَ آذارُ أغنيةً، وصارَ الصُّعودُ إليهِ أُنْشودةً استفزّت مجسّات المعنى لدى الكاتبةِ الأردنيّةِ د. سلوى عَمارين، فكتبتْ من وحيِ آذار واللحنِ والقصيدةِ مقالاً نشرتْهُ في جريدةِ “الرأي” الأردنيّة، حملَ عُنوان القصيدةِ نفسَه “فلْنصعد إلى آذار”، وَفيه، وبعدَ تعريجِها على الأمثالِ الشعبيةِ المُرتبطةِ بالشّهر، وعلى تعريبِ الجيْش (القواتُ المسلحةُ الأردنيّة)، وعلى معركةِ الكَرامة ويومِ المرْأة، تتقاطعُ عمارين مع قصيدةِ نصر الله:
“يمنحُنا آذارُ كما ينادونَه في بلادِ الشّام وفي العراقِ بأصولِه البابليّة المرتبطةِ بآشُور أبِي الآلِهة، دفءَ المَعنى، ووجاهةَ الفِداء.. يرتّلُ على امتدادِ حقولِنا قدسيةَ البَسْملة، وقداسةَ الأرضِ وقد حدبَ عليها فلّاحوها بفؤوسِ البحثِ عن أعمقِ ألوانِ حمرتِها وبركتِها وخيراتِها السِّمان.. يلوّن سماءَ تطلعاتِنا بأغنياتِ الحقلِ وحِداءاتِ القَوافل الذاهبةِ نحوَ حِنطةِ اليَقين. فلْنصعد إليكَ، إذاً، يا آذارُ يا جذر “هَدَر” ويا وعود العواصف والسيول والهدير، فلنصعد إليك يا آذار الهدَّار.
فلْنصعد إليك يا مَن ارتبطتّ بالتّراث والحَكايا الشعبيّة والأمثالِ في المشرقِ العربيّ: (آذار أبو الزلازل والأمطار)، (إذا إجت “أي كان المحصول غزيراً” وراها آذار، وإذا أمحلت وراها آذار)، (خبّي حطباتك الكبار لعمك آذار)، (في آذار بيتساوى الليل والنهار)، (في آذار العجوز ما بتفارق النار)، (آذار شمس وأمطار وينشف الراعي بلا نار)، (آذار فيه سبع ثلجات كبار غير الزغار)، (خبو الفحمات الكبار لهدرة من هدرات آذار)، (آذار أبو الزلازل والأمطار، بتفتح العنقة، وبدحي الشنار، وينبل الراعي ويدفا بلا نار، وينادي يا معلمتي كبري الرغفان قصر الليل وطول النهار)، (آذار أبو الزلازل والأمطار، بحمض اللبن وببرطع الجمل، وتفتح العنقة والنبقة، ويبيض الشنار، والعجوزة بترمي الشقفة على باب الدار، وأوله سقعة وآخره نار)، (في آذار بتبيض العنقة والنبقة وأصغر الأطيار)، (في آذار بعشش الدوري وتورق الأشجار)، (في آذار بتحيا الأشجار)، (في آذار طلع بقراتك من الدار)، (الربيع يعدل عوج العراقيب)، (اطعم الربيع وبيت في السقيع)، (إنْ هلّ آذار كتّف وارمي الزغار)، (في آذار افطم ابنك ولو انه قد الشنار) و(العنب في آذار قد دينين النار)”.
ثمّ ما تلبثُ في مقالِها المنشورِ بِتاريخ الثاني من آذار/ مارس 2013، أن تصعّد إيقاعَ الكَلام، وكأنّ آذارَ كلّه صعودٌ في صُعود:
“وفي آذار يومٌ لِلمرأة، وآخرُ لِلأمّ، وثالثُ للكَرامة، ورابعٌ للرّبيع، وخامسٌ لِلأرض، وسادسٌ للنّسيم، وسابعٌ للنّيْروز، وثامنٌ للشَّهادة، وتاسعٌ للشَّباب، وعاشرٌ للكِتاب.. فَفي كلّ يومٍ فيهِ مَعنى ينبضُ ورسالةٌ لا تَموت، وغيضٌ من فيضِ الحياةِ وعناوينِها ووعودِها ورعودِها وانهمارِ صعودِها عالياً.. عالياً حتّى آذار.. وحتّى قصيدةِ إبراهيم نصر الله “هذا عرسُك السنويّ، فلْنصعد إلى آذار، يُشْبهنا نهارُ الحقْل، يومُ العرْس، تشبهُنا أغاني الصّيف، تشبِهنا خنادقُنا.. بنادِقُنا، وصحوةُ أعينِ الشّهداء، يشبِهنا انفجارُ الرَّعدِ.. نكهةٌ طَيِّبةُ الأمْطار، ويشبِهُنا الغدُ المِدرار، فامْتشقي فضاءَ الطّيْرِ.. ضوءَ الفجْر والنُّوار، هذا عرسُكِ السنويّ، فلْنصعد إلى آذار”.
فرقةُ العاشِقين الفلسطينيّة غنّت، بدورِها، لآذَار أوْ مِن وحيِه. ففي مقطعٍ من مغنّاة “قَصيدة الأرْض” التي قدّمتها الفرقةُ مع أشعارِ محمود درويش في العام 1988، يرِد آذارُ بما يشبِه أصواتَ رُعاةِ الحُقول وهم في طريقِهم لحثِّ الخصْب على النّهوض:
“آذار أقسى الشهور..
أي سيفٍ سيعبر بين شهيق
وبين زفير ولا يتكسّر
هذا عناقي في ذروة الحب
هذا انطلاقي إلى العمر
في شهر آذار
في شهر آذار
هيلا هيلا هيلا هيلا.. هيلا هي
في شهر آذار نأتي على هوس الذكريات
وتنمو علينا النباتات صاعدةً
في اتجاهات كل البدايات”.
أغاني الربيع
على عكسِ آذار، كثيرةٌ هيَ أغاني الرّبيع.
يقول الأكاديميّ والكاتب المصريّ ياسر غريب في مقال نشرته له جريدة “العربي الجديد” بتاريخ 21 آذار/ مارس 2016: “غنّى المصريون لفصل الربيع على مدى قرون طويلة، لكن ضاع معظم هذا الغناء لضعف آليات التوثيق، فلم تحظَ الأغاني القديمة بما حظيت به، مثلاً، أغنية فريد الأطرش “آدي الربيع عاد من تاني”، سماعاً وتحليلاً وأرشفةً وترديداً. فقد ظلت الشفاهيّةُ وسيلةَ الحفظ الأولى للتراث الموسيقي والغنائي، حتى افتتحت الإذاعة المصرية في 31 مايو/ أيّار عام 1934. ومن يومها؛ صارت سجلات الإذاعة ومكتبتها المقروءة هي المرجع الأول لتوثيق بعض الأعمال الغنائية آنذاك”.
بدوره، يرصد أستاذ الموسيقى والناقد د. نبيل حنفي، في كتابه “هكذا غنى المصريون”، مجموعة من الأغاني النادرة والمبكرة التي حفظتها سجلات الإذاعة، مثل أغنية “الربيع” وهي من كلمات قاسم مظهر، وألحان إبراهيم شفيق وأغنية “بين الزهور البديعة”، من كلمات إبراهيم شفيق وألحانه، وقد غنتهما فرقة الاتحاد الموسيقية سنة 1936.
وبحسبِ ما رشحَ من أرشيفِ الإذاعةِ المصريّة، ففي عام 1939، قَدّمت الإذاعةُ -الأعرقُ عربيّاً لعلّها- مجموعةً من أغاني الرّبيع، منها إسكْتش تمثيلِي غِنائي فُكاهي بِعنوان “نُص سَاعة في القَناطر”، من تأليف عزيز أحمد فهمي وسيد مصطفى وتلحين سيد مصطفى، وأغنية “شمس الربيع”، من كلمات محمد التابعي الشرابي وألحان سيد مصطفى، وأغنية “على الجناين يالله”، من تأليف سيد شاهين وألحان سيد مصطفى، وأغنية “أهلا بشم النسيم”، من كلمات عبد العزيز سلام وألحان أحمد صبرة. وفي سنة 1940، غنّى سيد مصطفى من كلماتِ عبد المعطي حِجازي وألحانِه أغنيةَ “تانغو الربيع”. وغيرها العَشرات من الأَغاني.
الصّحافة المُصاحبة لتلكَ الفترةِ الزمنيّة، بثّت بعضَ نصوصِ الأغاني التي قدّمتها الإذاعة، كما فعلت، على سبيلِ المِثال، مجلة “الراديو المصري” التي نشرت في 19/4/1941 نص أغنية عن الربيع من تأليف محمد عبد المنعم، وألحان رياض السنباطي وغناء عبد الغني السيد، التي يقول مطلعها: “الحلو فتح عينيه/ نوم الهنا والنعيمْ. يا ورد صبح عليه/ خليه يشم النسيمْ. الشمس طلعت عليه/ من بين غصون الخمايلْ. دارى شعاعا بإيديه/ عنّه وراح دوغري مايلْ”.
كما غنّت شهرزاد في سنة 1954 من ألحان أحمد صبرة، وكلمات كمال منصور أغنية “الربيع” ومن كلماتها: “حبيبي الغالي وافاني/ ولاح الفجر من حُسنهْ. وصحاني وهناني/ وصحى الورد على غصنهْ. وقال لي اليوم ده يوم نادي/ ربيع وشبابْ. نسيمه عطّر الوادي/ ورق وطابْ”. وتحفظ سجلات الإذاعة أغنية “عيد الربيع” من كلمات عبد الفتاح عسل، وألحان عبد الحليم نويرة، حيث أداها فريق من المنشدين من الرجال والنساء سنة 1955: “غنّى الربيع لحن العشاق/ وقال يا ورد إزاي أبيعه؟. خلّى النسيم يسقي الأشواق/ ويعطر الكون حواليهم”.
وبحسبِ مصادرَ متواترةٍ مِنها مَقال غريب، غنّت عَلِيّة توفيق في سنة 1946، من كلماتِ فتحي قورة وألحانِ عبد الحميد توفيق زكي أغنيةَ “هلّ الربيع” التي أعاد غناءها عبد الحليم حافظ بعد سنوات، وتقول كلماتها: “هل الربيع الجميل ع الدنيا نوّرها/ ومال على الأرض زوّقها وخضّرها/ وفات على النسمة روّقها وعطّرها/ والوقت يحلى ما بين الميه والخضرة”.
لَم يتأخّر المُوسيقار محمد عبد الوهاب (1901-1991) عن كرنَفال الرّبيع، فقد غنّى في فيلم “ممنوع الحب” (1943) من كلمات حسين السيد أغنية “هليت يا ربيع”، وتقول كلماتها: “هليت يا ربيع هل هلالك/ متعت الدنيا بجمالك. نبهت الورد وكان نايم/ فوق عرشه الأخضر. والطير جمعته وكان هايم/ في الروض متحير. والزهر نقشته بجمالك/ والطير من فرحه غنالك”.
الناقد حنفي، يَعُدّ أغنيةَ “فتان يا ورد الربيع” للموسيقار، مرسي الحريري، من أكثر الأغاني تعبيراً عن إمكانات الموسيقى العربية، وتقول في مطلعها: “فتّان يا ورد الربيع/ وحسنك لحسنك شذى. بتميل بمنظر بديع/ نشوان بعطر الندى. رويان بعطر الصباح/ تبهج وشكلك عجيب. والشمس فارده الجناح/ تبعت شعاعها دهب”.
وقدَ ينسى الناسُ، كلُّ النّاس، اسمَ فيلم “أميرة حبي أنا” (1975)، ولكنهم أبداً لن ينسَوْا أغنيةَ “الدنيا ربيع والجو بديع أفّلي على كل المواضيع” التي غنّتها الفنانة سعاد حسني (1943-2001) داخلَ أحداثِ الفيلم، بحيويّة آسِرة، وروحٍ حاضِرة، ومزاجٍ عالٍ، يحتاجُ إلى صعودٍ يشبِه الصعودَ إلى آذار.
ولأنّ الملك فاروق اعْتلى عرشَ مِصر يوم الرّبيع (شم النسيم) في المعتقداتِ والطقوسِ المصريّةِ الفِرْعونية، فقد غنّى له عددٌ من مطربِي مِصر، رابطينَ بينَه وبينَ الرّبيع، ومن بينِ هؤلاء: محمد عبد الوهاب، أم كلثوم (1898-1975) وغيرُهما.
في الواحدِ والعشرينَ من آذار، اليومُ الذي يَتساوى فيهِ الليلُ مع النّهار، ويرى كثيرٌ من الفلكيينَ أنه أولُ أيامِ الرّبيع، تتجلّى مناسبتان، واحدةٌ كونيةٌ يحتفلُ بها العالمُ أجْمع: عيدُ الأُم، والثانيةُ خاصّة بالأردنِّ وفِلسطين وكرامةِ العرَب: إنّها معركةُ الكَرامة في العام 1968، حيث انتصرَ الجيشُ الأردنيُّ العربيُّ بمشاركةِ الفدائيينَ الفلسطينيينَ على العدوِّ الإسرائيليِّ في واقعةٍ مَرَّغَتْ أنوفَهم بالتّراب.
لِعيد الأمّ، غنّى كثيرٌ من المُطربين: فايزة أحمد (1930-1983) “ست الحبايب”، وفيروز “أمي يا ملاكي”، ومارسيل خليفة “أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي”، ودريد لحام “يامو” وأغانٍ أُخرى كثيرةٌ مَديدةٌ.
وَلِيوم الكرامة غنّى الوطن، وزغردَت أفئدةُ الأمّهات. وفي البَال، هُنا، أغنيةُ “الخيلُ والبارود” التي يؤدّيها الكورال، من كلماتِ حسين الغرايبة وألحان وتوزيع د. أيمن عبد الله، بشكلٍ هادِر، ويضعُ الفنانون: متعب السقار (شافاه الله وعافاه) وحسين السلمان وسعد أبو تايه وعبد الله خليفات ويوسف السيّد قبساً فِيها: “هذا اليوم يوم العز.. يوم صحنا لِعناها.. جيوش الخيل وما نهتز.. بصدورنا نلقاها.. الكرامة رح تعتز بسيف الجيش تتباها”.
وللحنّون غنى الفنّان السوريّ المعارِض لقمان حوري من كلمات وألحان أحمد ناصر: “وردُ الدحنون يا أحلى ورد بلادي.. زيّن الكروم حلّا درب الحصّادي”. وفيها لا ينسى المعنى التعريج على الحريّة.
بَقِيَ أنْ نقول: إنَّ الفنانةَ اللبنانيةَ ماجدة الرّومي، غنّت في الربيعِ الماضي، ربيعِ الجائحةِ الكونيّة، أغنيةً تحْتفي بِالحياة، كَما لوْ أنّها تُعيد التأكيدَ على حقيقةٍ ساطعةٍ ناصِعة: أنَّ الوَباءَ سَيَمْضي غيرَ مأسوفٍ عليْه، وتبْقى الحَياة، ويبْقى يَتَجَدَّدُ الرّبيع:
“غنّوا بكل اللغات
ونحنا منحب الحياة
بضحكتها ودمعتها وحتى بقسوتها
منعشقها مَعكُن بالذات
شو اشتقنا ترجع تندهنا
القهاوي بليل الساحات
وترجع العجقة تحبسنا
ع الطرقات تلت ساعات
قول لكل اللي قلبو معنا
بحبّك رغم المسافات”.
وأنْ نقول إنَّ فيْروز عندما صَدَحَت “المسيحُ قامَ مِن بيْنِ الأمْوات وَوطِئ الموتَ بِالموْت، وَوَهَبَ الحياةَ للذينَ في القُبور” إنّما هِيَ تحْتفي بالرّبيع.
فتعالوا نفرح بالربيع الذي صنعه الرَّب. نُغنّي.. نَرْسُم.. نَحْلُم.. نُصَوِّرُ ارتجافَ غُصْنٍ فَوْقَ الأيكةِ النّاعسة.
في آذار ثار السوريون على الطاغية، فتلوّن ربيعهم بالأحمر، وامتلأت الشرفات بالأمهات اللواتي ينتظرن عودة الأولاد من المعركة التي لا تنتهي، والسفر الذي دونه بحار وآلام.
Author
-
روائي وإعلامي فلسطيني/أردني..مُعِدّ ومنتج تلفزيوني.. صدر له ثلاث روايات وأربع مجموعات قصصية