نداء بوست – محمد الشيخ
أنهى وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” جولة خليجية استمرت لمدة 3 أيام، زار خلالها كل من الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ودولة قطر، بهدف بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها.
وعلى الرغم من أن الملف السوري كان ثانوياً في البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الروسية بخصوص أجندة الجولة، حيث تركز على الجانب الاقتصادي والاستثمارات، إلا أنه شغل فيما يبدو الحيز الأكبر من النقاشات، خاصة وأن ذاك الملف كان أساسياً في المؤتمرات المشتركة التي تم عقدها عقب كل لقاء.
وتأتي هذه الجولة قبيل الانتخابات الرئاسية التي يعتزم النظام السوري تنظيمها الصيف المقبل والدعوات الروسية من المجتمع الدولي بتقديم المساعدة للنظام في تنظيمها، وانتقاد نائب المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة “دمتري بولانسكي” للمواقف الغربية التي ترفضها وتعتبرها غير قانونية.
يضاف إلى ذلك، أنها تأتي على وقع التوتر غير المعلن الذي تشهده العلاقات السعودية – الأمريكية، والذي بدأ مع وصول الرئيس “جو بايدن” إلى البيت الأبيض، وإصداره قراراً بوقف دعم عمليات التحالف العربي في اليمن، وسماحه بنشر تقرير الاستخبارات حول اغتيال الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”.
ومن المحتمل أن موسكو سعت إلى استغلال هذه الضبابية التي تشوب علاقات بعض دول الخليج وواشنطن في تحقيق تقارب أكبر مع تلك الدول، وبشكل خاص الإمارت والسعودية، واستغلال ذلك في تحقيق مكاسب لها في سوريا من خلال تحويل عملياتها العسكرية إلى إنجاز سياسي يفضي إلى حل يناسبها.
واستهل “لافروف” جولته بلقاء ولي عهد أبو ظبي “محمد بن زايد” ووزير الخارجية الإماراتي “عبد الله بن زايد”، الذي دعا إلى عودة سوريا إلى “الحضن العربي”، كما وجه انتقادات لقانون “قيصر” الأمريكي الذي يحول دون التنسيق والتعاون مع النظام السوري.
وقال “بن زايد” خلال مؤتمر صحفي مشترك مع “لافروف”: إن “بدء مشوار عودة سوريا إلى محيطها أمر لابد منه، والأمر لا يتعلق بمن يريد أو لا يريد فالمسألة هي مسألة المصلحة العامة، مصلحة سوريا ومصلحة المنطقة”، معتبراً أن التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو قانون “قيصر”.
وأضاف: “إن إبقاء قانون قيصر كما هو اليوم يجعل الأمر في غاية الصعوبة ليس لنا كدول، وإنما أيضاً على القطاع الخاص، وهذا لابد أن يكون الحوار الذي نتحدث فيه بشكل واضح مع أصدقائنا في الولايات المتحدة الأمريكية”.
تصريحات “بن زايد” حملت في طياتها تلميحات مبطنة إلى الولايات المتحدة، بأنه من الممكن التعاون مع روسيا والتحليق خارج الفضاء الأمريكي، في حال استمرت الإدارة الأمريكية الجديدة بسياساتها الصارمة تجاه دول الخليج والتراجع عن اتفاقيات توريد الأسلحة المبرمة في عهد الرئيس السابق “ترامب”.
وفي اليوم التالي للجولة، التقى “لافروف” بولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، ووزير خارجية المملكة “فيصل بن فرحان”، الذي أعرب ولأول مرة وجود استعداد لدى الرياض للقبول بعودة سوريا إلى مجلس جامعة الدول العربية.
وعلى خلاف الموقف الإمارتي، فقد بدى موقف الرياض أكثر حذراً، حيث ربطت بين عودة سوريا إلى الجامعة العربية بتحقيق توافق بين النظام والمعارضة ينتهي بحل سياسي للقضية السورية، كما أن “بن فرحان” لم يتطرق لقانون “قيصر” ودوره في منع التطببع مع “الأسد”.
وختم “لافروف” جولته، بلقاء أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني” ووزير خارجيته “محمد بن عبد الرحمن آل ثاني”، الذي شدد على أن أسباب تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية ما زالت قائمة، معرباً عن أمل بلاده في حدوث تقدم سياسي في سوريا لأنه “السبيل الأسلم لعودتها إلى مجلس الجامعة”.
وحول أسباب هذه الجولة وأهدافها، رأى الباحث في الشأن الروسي “نصر اليوسف” أن روسيا والإمارات والسعودية جميعها من الدول التي تعتبر من “خصوم بايدن”، ووجدت نفسها عقب تفوقه على “ترامب” أمام حاجة لاعتماد تكتيك أو استراتيجية لحساباتها مختلفة عما كانت عليه في عهد الإدارة الأمريكية السابقة.
وأضاف “اليوسف” في حديث لموقع “نداء بوست” أن “بايدن” قد يتجه لتصفية الحسابات مع داعمي “ترامب” الخليجيين والروس، ويتختلف في مقارباته للعلاقات مع إيران ودول الخليج وروسيا، معتبراً أن الشيء الجامع بين التكتل “الروسي – الخليجي” هو عدم الراحة للسياسة الأمريكية الجديدة تجاه كل من هذه الدول، خاصة بعد إيقاف الدعم عن حرب اليمن ومعاقبة شركات روسية ورفع السرية عن جزء من التقرير المتعلق بمقتل “خاشقجي”.
ويرى محدثنا أن أحد أهداف جولة “لافروف” هي التسويق لروسيا، وإعطاء تطمينات للدول الخليجية بإمكانية بحماية مصالحها بحكم العلاقات القوية بين موسكو وطهران، وعرض الأسلحة الروسية على دول الخليج لتكون بديلة عن تلك التي أوقفها “بايدن”.
وأشار “اليوسف” إلى أن العلاقات “الروسية – الإماراتية” كانت جيدة جداً على مختلف المجالات بما في ذلك المجالات العسكرية والاقتصادية، لافتاً إلى أن “الإمارات هي أول دولة عربية اعتمدت اللقاح الروسي المضاد لفيروس كورونا “سبوتنيك V”، والذي بات معياراً لمتانة العلاقات مع روسيا، والزيارة الأخيرة جاءت لتقوية لتلك العلاقات”.
وفيما يخص الملف السوري، أكد الباحث المقيم في موسكو أن روسيا تضييق ذرعاً بالعقوبات الأمريكية المفروضة على النظام، وعدم سماح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالمباشرة بإعادة الإعمار.
وأضاف: “بعد توقف العمليات العسكرية، باتت الشركات الروسية تنتظر جني الأرباح من عملية إعادة الإعمار التي عرقلها قانون “قيصر”، وقد يكون “لافروف” طلب من العرب أن يتجرأوا أو أن يجدوا مخرجاً التفافياً على العقوبات، ربما عبر شركات مشتركة “روسية – عربية” تمولها دول الخليج بشكل غير معلن، مقابل الحصول على نسبة من الأرباح”.
من جانبه، أوضح الكاتب المتخصص بالشأن الروسي “سامر إلياس” أن روسيا تسعى إلى إنقاذ النظام من الأزمة الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة عبر إقناع بلدان الخليج بزيادة المساعدات، والمشاركة في إعادة الإعمار، وضخ الاستثمارات لتحسين الوضع الاقتصادي ومنع أي انهيار اقتصادي مفاجئ للنظام.
ولفت “إلياس” في حديثه لموقع “نداء بوست” إلى أن أي انهيار مفاجئ للنظام قد يؤدي إلى ضياع الاستثمارات الروسية الاقتصادية الضخمة في سوريا، منذ تبنيها وجهة نظر النظام بالكامل في بداية الثورة، ولاحقاً بتدخلها العسكري المباشر لحماية النظام من السقوط”.
وأضاف: “إن انهيار النظام بسبب “ثورة جياع” قد لا يأتي فقط على جميع جهودها، ويجعلها “صفرية”، ولكن يمكن أن يجعلها تغوص في مستنقع جديد، نظراً لعدم وجود استراتيجية واضحة للخروج مع الاستفادة من جهودها السابقة”.
وأشار “إلياس” إلى أن جولة “لافروف” جاءت في ظل توتر في العلاقات بين بلدان الخليج وإدارة الرئيس الجديد “جو بايدن” وخاصة بعد تقرير اتهم ولي العهد السعودي بالضلوع في قضية قتل الصحفي “جمال خاشقجي” ومراجعة الإدارة الأمريكية موقفها من “الحوثيين”، وكذلك الحديث عن العودة للاتفاق النووي مع إيران.
ومضى بالقول: “هنا أرادت روسيا الدفع بمبادرتها للأمن الجماعي في الخليج واستعراض زيادة نفوذها في المنطقة، خاصة أن لافروف التقى رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري، وأجرى اتصالاً مع نظيره المصري “سامح شكري”، وتزامن الجولة مع اختراق مهم في الشأن الليبي ترى موسكو أنها كانت طرفاً مهماً فيه، والمفارقة هنا أن روسيا استطاعت زيادة دورها في المنطقة من البوابة السورية التي باتت مصدر القلق الرئيس لموسكو ومشروعاتها في المنطقة”.
وبخصوص الدعوات التي أطلقتها الإمارات والسعودية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، اعتبر “اليوسف” أن غالبية الدول العربية أصبحت مهيئة لقبول فكرة عودة النظام إلى الجامعة العربية، مؤكداً أن “لافروف” في كل اللقاءات التي يجريها مع المسؤولين العرب يدفع بفكرة إعادة سوريا إلى الجامعة العربية.
واستدرك “اليوسف” بالقول: “لكن إذا لم يحصل شيء إضافي يدفع السعودية والإمارات إلى الخروج من العباءة الأمريكية كنشر الولايات المتحدة جميع المستندات المتعلقة بتصفية ‘جمال خاشقجي” ودفع السعودية نحو الذهاب إلى القطعية مع واشنطن وقتها ستسجيب إلى دعوات “لافروف” لإعادة سوريا إلى ما يسمى بالحضن العربي”.
بدوره، دعا “إلياس” إلى التمييز بين “الموقف الإماراتي الداعم بقوة لعودة النظام إلى الجامعة العربية انسجاماً مع السياسة الإماراتية التي قادت “الثورات المضادة” في السنوات الأخيرة، وانفتاحها على النظام منذ نهاية 2018 وإعادة فتح السفارة، وبين الموقف السعودي المتحفظ والذي يبدو أنه يشترط قطع علاقة النظام مع إيران وخروج الميليشيات الإيرانية قبل أي تطبيع”.
واستبعد محدثنا أن يعود النظام إلى الجامعة العربية على الأقل حتى أيلول/ سبتمبر المقبل، حين انتهاء الرئاسة القطرية لمجلس جامعة الدول العربي الحالي، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية القطري الواضحة أن الظروف التي تسببت بإبعاد النظام ماتزال قائمة.
وفي السياق ذاته، انتقد الأكاديمي السوري “رضوان زيادة” الباحث في جامعة “جورج واشنطن” تغيير موقف الإمارات وانحيازها وتحالفها مع “كل الحكومات العسكرية والمستبدة التي ترفض التغيير في المنطقة ومنها النظام السوري”، بعد دعمها للثورات في سوريا وليبيا.
وأضاف “زيادة” في حديث لموقع “نداء بوست” أن الإمارات تعتمد في تحقيق أهدافها وسياساتها القائمة على دعم “الأنظمة المستبدة” على مواردها المالية، الأمر الذي دفع موسكو للجوء إليها وإبرام شراكة معها في هدف موسكو المنشود المتمثل بإعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية.
وحول الموقف الأمريكي من تلك المحاولات خاصة وأن الإمارات أشارت إلى دور قانون “قيصر” في منع التطبيع مع النظام، أكد “زيادة” أنه من “الصعب جداً” أن تسمح واشنطن بذلك، وأن القانون المذكور مثل “تحطيماً” للسياسات الرامية لتعويم “الأسد”، مرجحاً أن تتمسك الإدارة الأمريكية الجديدة بالقانون والاحتفاظ به كـ”سيف ضد إعادة تأهيل النظام عربياً ودولياً”.
وتوقع “زيادة” أن تمارس الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطاً إضافية على الدول العربية التي تحاول إعادة العلاقات مع النظام كالإمارات والجزائر على وجه التحديد، وأن تقوم واشنطن بإجراءات جديدة لتعزيز عزلة “الأسد” إقليمياً وعربياً.
وبشأن الرد الأمريكي “الهادئ” على انتقاد الإمارات لقانون “قيصر”، واعتباره “بارداً” مقارنة بالتحذير المباشر الذي وجهه المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا “جيمس جيفري” لـ”أبو ظبي”، قال “زيادة” إن ذلك سببه الفرق في المستوى السياسي، “حيث لا يستطيع متحدث باسم وزارة الخارجية أن يتحدث باللغة ذاتها التي يتكلم بها مسؤول سياسي رفيع كـ”جيفري”.
وكانت قناة “الحرة” قد نقلت عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية قوله: “إن الأزمة الإنسانية شديدة الخطورة في سوريا هي نتيجة مباشرة لعرقلة النظام للمساعدات المنقذة للحياة والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية وليس قانون قيصر”، ملمحاً إلى أن القانون هدفه “ضمان إبقاء الحل السياسي في متناول اليد”.
من جانبه، اعتبر “إلياس” أن انتقاد الإمارات لقانون “قيصر” جاء إنطلاقاً من رغبتها في الاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار، مشيراً إلى مشاركة الشركات الإماراتية في معرض دمشق الدولي عام 2019، وتبطيئ خطواتها التطبيعية بعد الموقف الأمريكي المحذر لها.
وتابع: “لا أعتقد أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يسمحان بتطبيع العلاقات مع الأسد من دون تقدم على المسار السياسي وفق القرار 2254، والمواقف الأوروبية الغاضبة من تصريحات الوزير الإماراتي سوف تجعل أبو ظبي تفكر كثيراً.
ورجح “إلياس” أن المسار الجديد الذي انطلق في الدوحة بين قطر وتركيا وروسيا وإن كانت أهدافه إنسانية، أن يكون سياسياً بامتياز، ويمكن أن يشكل حلاً وسطاً بربط المساعدات والاستثمارات الخليجية بإبعاد إيران وميليشياتها تدريجياً من سوريا من جهة، والتقدم بالحل لسياسي من جهة أخرى.
واعتبر أن الحل يمنع كارثة إنسانية في سوريا، ويبعد إيران غير الموجودة في المسار الجديد، أصلاً ويعطي مساحة للروس من أجل الضغط على النظام للتقدم بالحل السياسي، مرجحاً ألا يكون الموقف الأمريكي رافضاً بقوة في حال التقدم بمساري التسوية السياسية وإبعاد إيران مع ربط تدريجي بزيادة المساعدات الخارجية وبدء إعادة اللاجئين وإعادة الإعمار.
بدوره، استبعد “اليوسف” أيضاً أن تقوم الدول العربية بالتطبيع مع النظام خشية “غضب” الولايات المتحدة، معتبراً أن انتقاد الإمارات لقانون “قيصر” هو “قول حق يراد به باطل”.
ومضى بالقول: “محمد بن زايد أرسل في وقت سابق رسالة إلى بشار الأسد يقول فيها لن نترك سوريا العربية وحيدة في مواجهة جائحة كورونا، نعرف أن أسباب قطع العلاقات وطرد النظام من الجامعة العربية ما زالت قائمة بل تفاقمت بشكل أكبر، ولو أن الأمر يتعلق فعلاً بعوامل وطنية قومية وإنسانية حقيقية فلدى الإمارات الكثير لمساعدة السوريين كالمخيمات الموجودة في الأردن ولبنان وفي الشمال السوري”.
وبناء على ما تقدم يمكن القول إن جميع الجهود التي تبذلها روسيا على طريق إعادة تعويم النظام السوري أو التوصل إلى أي حل في سوريا، لن تنجح ما لم تحصل على موافقة الولايات المتحدة الأمريكية التي تشترط تحقيق تقدم في المسار السياسي المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2245، قبل أي حديث عن رفع العقوبات أو إعادة العلاقات، وعلى عكس واشنطن التي يبدو الملف السوري ثانوياً في جدول سياساتها الخارجية -حتى الآن- تحتاج موسكو وبشكل ضروري إلى تحقيق أي إنجاز على الصعيد السياسي تتوج بها عملياتها العسكرية المستمرة منذ قرابة الـ6 سنوات.