المصدر: جيروزاليم بوست
ترجمة: عبد الحميد فحام
أصبحت سورية مثل ألمانيا بالنسبة لأوروبا خلال حرب الثلاثين عاماً- مكان تتدخل فيه الدول ويدفع فيه السكان المحليون الثمن.
سورية في مرمى التركيز المتجدد ويحدث هذا في سياق الصراع الروسي في أوكرانيا والتوترات الروسية الأمريكية، فضلاً عن التوترات بين إسرائيل وإيران. هناك جزء من التركيز الجديد معروف السبب، لكن يبدو أن التقارير الأخيرة تشير إلى تحوّل في مسار الأمور في سورية وتثير تساؤلات حول ما قد يحدث بعد ذلك.
طوال العقد الماضي كانت المسألة السورية، في صلب اهتمام الجميع. فقبل الحرب السورية، كانت هناك جهود في الولايات المتحدة والغرب لتطبيع نظام الأسد وإخراجه “من العزلة” بحيث يكون جزءاً من التحالف الغربي، وليس جزءاً من نظام التحالف الإيراني الروسي.
حتى أن النظام كان يُفكّر في صفقة تتعلق بهضبة الجولان.
ومع ذلك، دفعت الحرب السورية النظام إلى الاعتماد أكثر على حزب الله، ودخل الحرس الثوري الإسلامي الإيراني سورية لمساعدة النظام.
وتدخّلت روسيا في عام 2015 بدعوة من دمشق للمساعدة في هزيمة فصائل المعارضة. ومع هزيمة الفصائل في الغالب بحلول عام 2018، جاء دور تركيا للتدخّل. وأصبحت سورية مثل ألمانيا بالنسبة لأوروبا خلال حرب الثلاثين عاماً – مكان تتدخل فيه الدول ويدفع فيه السكان المحليون الثمن.
لقد أدّى التدخّل الأمريكي بدعم قوات سورية الديمقراطية (SDF) إلى تقويتهم في شرق سورية. وسيطرت إيران على مناطق نفوذها من البوكمال إلى جنوب دمشق، ومناطق دير الزور، فضلاً عن أذرع تمتد إلى حلب وقاعدة T-4. كما أن هناك قوات روسية متواجدة في اللاذقية ودمشق.
أما إسرائيل فهي تشن حملتها بين الحروب المتعددة في سورية ضد التمركز الإيراني. فتقوم إيران بنقل وكلائها إلى سورية، فضلاً عن الطائرات بدون طيار وغيرها من التهديدات. وقد تعهد رئيس الوزراء نفتالي بينيت بمواجهة “رأس” الأخطبوط الإيراني في المنطقة.
انتشرت أنباء عن شائعات تتحدث عن احتمال خفض روسيا لقواتها في سورية. ويمكن لإيران أن تملأ المناطق التي قد تخفض فيها روسيا قواتها.
ومن شأن ذلك أن يزعزع استقرار أجزاء من سورية. حيث تقول تقارير أجنبية: إن إسرائيل قصفت مطار دمشق الدولي مؤخراً، وأن النظام يقوم الآن بإصلاح المطار. وكانت هذه إحدى الغارات الإسرائيلية العديدة التي تناقلتها وسائل الإعلام الأجنبية.
ولكن الكثير من التقارير الحديثة تظهر أن كل التركيز يتجه الآن إلى سورية. فلم تكتف شبكة NBC بالقول: إن إيران نفّذت عشرات الهجمات ضد القوات الأمريكية منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بما في ذلك الهجمات في سورية والعراق، بل ألمحت إلى أن الولايات المتحدة لم تردّ.
روسيا تُصعّد الآن في سورية. “التصعيد”، كما يصف عنوان صحيفة وول ستريت جورنال تصرفات موسكو، يتناقض مع المقالات التي قالت إن روسيا قد تغادر. وهددت روسيا فصائل المعارضة السوريين المدعومين من الولايات المتحدة المتمركزين في ثكنة التنف بالقرب من الحدود الأردنية. وذكر تقرير آخر في جورنال أن الولايات المتحدة تراجع سراً خطط إسرائيل لشن ضربات ضد أهداف إيرانية في سورية.
ولقد ناقش التقرير نفسه مسائل كانت معروفة جزئياً مُسبقاً.
وقال التقرير: إن الولايات المتحدة توافق على ضربات إسرائيلية، وهناك تنسيق مع الولايات المتحدة. وتشعر الولايات المتحدة بالقلق من أن الضربات قد تُؤثّر على دورها في مهمة مكافحة داعش. وقد تمّ الإعلان عن مخاوف بشأن هذا الأمر بشكل علني في تقارير الحكومة الأمريكية التي تعود إلى عدة سنوات.
فقد قال جيمس جيفري، الذي شغل منصب الممثل الخاص لإدارة ترامب في سورية والمبعوث الخاص بالمهمة المناهضة لداعش، للمونيتور في كانون الأول / ديسمبر 2020: “لقد دعمنا أيضاً الحملة الجوية الإسرائيلية. بدأت الولايات المتحدة في دعم ذلك فقط عندما انضممت للعمل. خرجت إلى هناك ورأينا رئيس الوزراء [بنيامين] نتنياهو وآخرين، وكانوا يعتقدون أنهم لا يتلقون الدعم الكافي من الجيش الأمريكي، وليس من المخابرات. وكانت هناك معركة كبيرة داخل حكومة الولايات المتحدة، ولكننا كسبنا المعركة “.
وقال جيفري سابقاً في مقال في معهد واشنطن: “بينما كانت سورية دولة مستقلة متحالفة مع الجمهورية الإسلامية، أصبحت الآن معتمدة كلياً على طهران ولم تعد قادرة على التصرّف بشكل مُستقلّ. وتواجه إسرائيل تهديداً أساسياً من هذا التحالف الشمالي، ولم يتمكن نظام الأمن الأمريكي من التصرّف بفعالية ضد ذلك التحالف “.
كما أخبر أحد المحاورين في أواخر عام 2018: “نحن نتفهم سبب شعور إسرائيل بأنها مُهدّدة وجودياً من قبل الخطط الإيرانية بعيدة المدى في سورية. وندعم بالكامل جهود إسرائيل لحماية أمنها القومي “.
تُظهر تعليقاته أن الإدارة السابقة سعت إلى زيادة التنسيق مع إسرائيل، وبمجرد أن أصبحت إسرائيل تحت منطقة عمليات القيادة المركزية الأمريكية، أصبح هذا الأمر أكثر منطقية وأسهل في التنفيذ.
لقد تحوّلت الأنظار الآن إلى سورية مرة أخرى، إلى جانب الأزمة في أوكرانيا وقضايا أخرى في المنطقة. ويبقى أن نرى ما إذا كان التركيز الجديد على سورية سيؤدي إلى تحوّل في تكتيكات إيران وكيف يستمر التنسيق مع الولايات المتحدة في النمو فيما يتعلق بتهديدات إيران.