نداء بوست- تحقيقات سياسية- إسطنبول
عبّرت الأزمة الجديدة التي يمر بها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة عن انهيار حصانته ضد التفكك وحيال خروج تيارات من بين صفوفه يمكن لها أن ترفض الإجماع أو تحاجج بالنظام الداخلي، حين يطالها تأثير الخروج عليه، ولم تفعل ذلك في العديد من المرات السابقة التي شهد السوريون فيها ضرب قيادة الائتلاف بكل تلك النظم واللوائح والاعتبارات عُرْض الحائط وسط صمت ومباركة المفصولين اليوم.
بيانات تصدر باسم الائتلاف ويكون مَن كتبها ونشرها ووضع عليها شعارات المؤسسة الرسمية الأعضاء المفصولون أنفسهم، بينما يطالب الملتفون حول رئيس الائتلاف سالم المسلط والمجموعة المهيمنة على قرار الائتلاف معه بتجاهل الأمر واعتباره مجرد “زعبرة”.
اقرأ أيضاً: المسلط: لا تردوا على البيانات المزورة والحساب قادم
يهدد المفصولون بمخاطبة الدول الصديقة والشقيقة الداعمة في إيحاء إلى أنهم على استعداد لقلب الطاولة على الجميع، والإمعان في توسيع الشرخ بدلاً عن احتوائه، في الوقت الذي لا يبدو فيه أن المسلط ومَن يدعمون قراراته يكترثون كثيراً لمثل هذا التصريحات.
في البحث في ما بعد تلك المواقف، يتكشف أن السوريين الآن أمام حالة من الانشقاق السياسي كما تجري بالضبط في الأحزاب والتيارات التي عرفوها سابقاً، حزب البعث والإخوان المسلمون والحزب الشيوعي وغيرها من الانشقاقات التي تمسك كل طرف فيها باسم التنظيم وكيانه وشخصيته واعتبره أنه هو الأصل وأن الآخرين خانوا المبادئ.
ولا أحد من الفريقين اليوم يفكر أن الشعب السوري في الخيام والمهاجر والمنافي يشاهد هذا كله، ويراقب الابتعاد المتواصل عن الحكمة السياسية في إدارة الخلافات، متسائلاً: “إذا كان هؤلاء الذين يُفترَض أنهم يمثلون الثورة في وجه النظام لا يعرفون كيف يتحكمون بخلاف بينهم فكيف وضعنا ثقتنا فيهم لإدارة كفاحنا ضد الأسد وفوق ذلك الحوار والتفاوض معه؟”.
ويرى الأعضاء المفصولون، الذين أطلقوا على تحالُفهم اسم “تيار الإصلاح” أن ما حدث “انقلاب” نفذته “فئة مرتهنة”، و”زمرة دخيلة” على الصف الوطني، وهو ما قاله رئيس المكتب السياسي في حركة العمل الوطني من أجل سورية، محمد ياسين النجار في إطار انتقاده للقرار، “إن من أهم الإشكاليات التي عانت منها ثورتنا تسلُّم القيادة من أشخاص لم تمارس أي قيادة تنفيذية في حياتها، لم يستطيعوا تقديم رؤى مقنعة للدول الصديقة لنا، فهموا العلاقات إصغاءً وتنفيذَ أوامر، والسياسة تآمُراً وتوليَ مناصب.. فاقد الشيء لا يعطيه”.
واللافت في البيان الذي أصدره “تيار الإصلاح” يوم الجمعة الماضي، هو الحديث عن الفساد الكبير داخل الائتلاف والحكومة المؤقتة، ووجود “دسائس” تحاك ضد الشعب السوري، ومحاولة فرض أجندات وتنازُلات مريبة في المفاوضات مع النظام.
ورغم صمت أعضاء التيار عن تلك الملفات التي أقل ما يمكن وصفها بأنها من “الكبائر”، خلال فترة عضويتهم في الائتلاف، إلا أنهم لم يتوانوا بتهديد رئاسة الائتلاف بالشعب السوري، وكشف جميع الأوراق والملفات أمام الرأي العامّ.
رئيس الائتلاف سالم المسلط، أشار بدوره، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده يوم الجمعة، إلى أنه بصدد القيام بجولة ضِمن الشمال السوري “من أجل التشاور بخصوص توسعة الائتلاف وتجديد دمائه عَبْر ضم ممثلين عن كيانات وتكتلات فاعلة في المناطق المحررة ومجالس محلية ونقابات ومنظمات، إضافة إلى تعزيز وجود الشباب والنساء ضمن صفوفه”.
الممثل السابق للرقة وأحد الأعضاء الذين تمت إقالتهم، مصطفى النواف، قال: إن بين يدي تيار الإصلاح ملفاً بفساد الائتلاف، ما يزال قيد الإعداد والترتيب”.
وقال النواف في حديث لـ”نداء بوست”: “لدينا بعض الأوراق التي تمس وتدين بشكل مباشر الشخصيات المتحكمة بالائتلاف اعتباراً من رأس الهرم، وكيف ارتبطت مصالحهم بالحفاظ على حالة الفساد، لدينا وثائق وأدلة وقرائن لكن ما زلنا نجري اتصالات واستشارات قانونية حول هذا الملف كي لا يتم تمييعه كما تم ويتم تمييع القضية الأخطر والتي أشار بها وزير داخلية الحكومة المؤقتة ألا وهي وجود عملاء لنظام الأسد بين صفوف الائتلاف، وننتظر التوقيت المناسب لغاية عدم إفلات الفاسدين من المحاسبة”.
وحول ما إذا كان هناك تواصل بين الائتلاف والعناصر المقالين، لنزع فتيل الأزمة، قال النواف: “بالأصل لم يتم التواصل لإبلاغ الزملاء رسمياً بالقرار، بغض النظر عن قانونيته من عدمها، وأنا شخصياً حتى اللحظة لم أُبلَّغ رسمياً لا باتصال ولا عبر الإيميل ولا عبر غرف الواتس، بالقرار، وعلمت به من وسائل التواصل الاجتماعي العامة”.
واعتبر أن هذا التصرف “لا ينم عن عمل مؤسساتي، إنما يشير إلى عمل شللي لمجموعة مستهترة بدماء السوريين تتعامل تماماً كما يتعامل النظام مع السوريين، وكانت القرارات كيدية وكذلك آليتها التنفيذية كيدية تبتعد عن العمل المؤسسي والأخلاقي القيمي كذلك، ومن يتصرف بهذا الشكل لا شك أنه لن يحاول البحث عن طرق لحل المشكلة أو مراجعة أخطائه، فلم يتصل أحد بنا لهذا الغرض حتى الآن”.
وحاول موقع “نداء بوست” التواصل مع أعضاء في الائتلاف الوطني للاطلاع على رأي المؤسسة، إلا أنه لم يحصل على ردّ منهم.
كيف تلقى السوريون القرارات؟
آراء السوريين تباينت في تفاعُلهم مع قرارات الائتلاف وتَبِعاتها، حيث رحب البعض بها واعتبروها أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، بينما انتقدها آخرون ووصفوها بأنها انقلاب.
الصحافي والباحث السياسي إبراهيم العلبي، ذهب إلى وصف ما حدث بأنه “انقلاب حقيقي داخل مؤسسة كانت معطلة عملياً”.
ورأى أن “الائتلاف يمر بمرحلة تحوّل محركها خارجي ولا تتعلق بإصلاح في المؤسسة ولا بإبعاد الفاسدين كما يروج، بل بإعادة فلترة هيكله بالتناغُم مع التقارُب التركي السعودي الذي بدأ مؤخراً يأخذ منحى أكثر جدية”.
وأضاف العلبي في حديث لـ”نداء بوست”: “أول علامة على عدم وجود نوايا إصلاحية خلف القرارات الأخيرة هي أنها تخالف النظام الداخلي ولا تشبه حتى موجات التوسيع التي مرت على الائتلاف سابقاً والتي وإنْ كانت تتم برغبة الفاعلين الإقليميين والدوليين إلا أنها لم تصل إلى درجة فصل جماعي وإقصاء تيارات وكتل سياسية محددة”.
وتساءل العلبي عن الخطوة التالية، و”هل سيتبع هذا الانقلابَ الذي جاء ليُرضِي أطرافاً إقليمية بعينها تفعيلٌ للائتلاف وإعادةُ الاعتبار له؟” معتبراً أن “هذا أمر مشكوك به”.
ويخالف الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان وجهة نظر العلبي في هذا الموضوع، حيث يرى أن القرارات الأخيرة في الائتلاف تنضوي في إطار التغيير الذي كان مطلباً إقليمياً ودولياً وداخلياً.
وقال علوان في حديث لـ “نداء بوست”: إن هذا المطلب تقتضيه الحالة السياسية السورية والشعب السوري، وهو إيجابي، لكن بالنظر إلى التفاصيل هو غير كافٍ.
وأضاف: “القرارات بشكل أو بآخر تحمل التغيير، والتغير يستفيد منه كل السوريين لكن على هذا التغيير أن يكون صحيحاً، لذلك لا بُدّ من استكمال الخطوات التي حملتها القرارات بموضوعية أن تقدم المصلحة العامة، وأن لا تُستغل على أنها انتصار لكتل على كتل أخرى أو تصفية حسابات بين أعضاء أو تيارات”.
كما أنه من الضروري إضافة أشخاص جُدد للائتلاف يتمتعون بالكفاءة العالية من الدبلوماسيين المنشقين وأصحاب الاختصاص في الشؤون السياسية، ومن الممثلين الحقيقيين للقوى السياسية، في داخل وخارج سورية، وفقاً لمحدثنا.
وبعد استكمال تلك الخطوات، يقول علوان: إنه من الضروري اعتماد المعايير التي تم قياس الأعضاء والكتل عليها، لقياس مَن تبقى، واعتماد الكفاءة والتمثيل والولاء بشكل موضوعي وقياس كل الكتل والأعضاء به داخل الائتلاف لإنتاج مؤسسة تعرف نفسها بشكل صحيح وتنضبط بنظام داخلي واقعي ذي بِنْيَة إدارية جيدة وواضحة بآلية التمثيل والأداء.
وبخصوص ردة فعل الأعضاء والكتل التي تم إخراجها من الائتلاف، وتشكيلها تيار الإصلاح، والتي كانت متوقعة، بحسب علوان، إلا أنها سلبية على مستوى القضية السورية وتعطي انطباعاً سيئاً.
ويعتقد أعضاء تيار الإصلاح أنهم ظُلموا كونهم خُصِّصوا بالقرار دون غيرهم وأن معاييرَ خاصة طُبِّقت عليهم ولم تُطبَّق على باقي الكتل والأعضاء.
وفي هذا السياق، ينتقد علوان بقاء بعض الأشخاص الذين شملهم القرار لمدة عشر سنوات في الائتلاف ومناداتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بالتداول والديمقراطية، معتبراً أن ذلك يتعارض مع أَدَبِيَّات الثورة.
في المقابل من الضروري السماع لمن يقول: إن معايير قياس الأعضاء والكتل التي أدت إلى إخراج مَن خرج يجب أن تنطبق على باقي أعضاء الائتلاف لتحقيق المساواة والعدالة.
اقرأ أيضاً: جماعة الإخوان المسلمين تطالب الائتلاف الوطني بمراجعة قراراته بخصوص الإقالات الأخيرة
وبخصوص انقسام الائتلاف إلى قسمين، حمل النواف رئاسة الائتلاف ذلك، قائلاً: إن “هذا الانقسام تم بسبب مَن أصدر قرارات خارج إطار النظام الأساسي، بعد إبطاله لأهم لجنتين في الائتلاف هما اللجنة القانونية ولجنة العضوية والمعنيتان باختصار القانون الذي حصل واللتان كان حلهما مقدمة مقصودة لهذا الاختراق”.
ويضيف محدثنا: “تزامنت هذه القرارات الانفرادية التعسفية مع تصريحات وزير الداخلية محي الدين الهرموش بوجود عملاء للأسد في الائتلاف، تضع الكثير من علامات الاستفهام حول ما حصل، فلا يعلم زملاؤنا مَن هو الذي يصدر القرارات وما هو ارتباطه بالثورة، مع تأكيد الهرموش بأن هناك شخصيات تابعة لنظام الأسد”.
فالأولى بحسب النواف أن “يتم التحقيق بالقضية الأخطر لنعلم أن من يتحكم بالائتلاف هو غير تابع للأسد ثم نذهب إلى القضايا التنظيمية الداخلية، وبالتالي وجدت المجموعة التي صدرت بحقها القرارات غير القانونية أن من واجبها وأمانتها التي تحملها أن لا تدير ظهرها لمثل هذا الأمر الخطير مع التأكيد أن عضوية الائتلاف ليست ملكاً و لا حكراً لأحد من هذا المنطلق فنحن لدينا الغيرة على مؤسسة الشعب السوري الثائر أن لا تنحدر إلى مستويات ممارسات نظام الأسد”.
مصير الأزمة
قلل علوان من أهمية البيانات والتصريحات التي أطلقها أعضاء “تيار الإصلاح”، وقال: إنها تعكس صورة سلبية للأشخاص الذين خرجوا من الائتلاف، وتوقع أن تدوم لأيام قليلة، ومن ثَمّ الحديث عن القضية الرئيسية العادلة وهي آلية المعايير وأن تنسحب على الجميع.
ودعا إلى اعتماد نظام داخلي جديد في الائتلاف يكون كفيلاً بضبط حالة الدخول والخروج إلى المؤسسة ونِسَب التمثيل وضبط الحالة الإدارية والتنظيمية والمالية بشفافية عالية وأن يضمن أن تخرج المؤسسة كممثل مناسب لأي استحقاق سياسي قادم.
أما النواف فقال تعليقاً على هذه النقطة: “لقد راهنت الفئة المنتفعة والمهيمنة على الائتلاف على أن تستحوذ على مؤسسة الشعب السوري الثائر وبالتالي يصبح قرار الثورة بيدهم متناسين أن الثورة هي في صدور الشعب السوري وعَصِيَّة عليهم أن ينتزعوها”.
وأردف: “ما حصل كشف الكثير من أوراقهم وارتهانهم أمام الشعب السوري، ونحن نثق بأن الشعب السوري بعد دفع هذا الثمن الكبير لكرامته، لن يسمح لفئة مرتهنة أن تقرر مصيره وينقاد للثورة المضادة، فلن يصح إلا الصحيح ولم يعد ينطلي على الشعب السوري الأكاذيب وبالتالي لن يسمح للمتسلقين بخطف ثورته”.
واعتبر أن “هذه الأزمة ستنتهي بنبذ عملاء الأسد الذين اندسوا للعب دور في تقويض الثورة والذين وصلوا لقيادة المعارضة بكل أسف وفقاً لما أشار إليه تصريح السيد محي الدين هرموش وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة، ولا شك أن المستفيد هو النظام من إثارة مثل هذه الإشكالات تحت مسمى إصلاح وفقاً للطريقة الأسدية، لكن الأمل بالله ثم أهلنا أن لن تمرر عليهم مثل هذه المؤامرات”.