نداء بوست -إدلب- خاص
مع كل حدث محلي أو عالمي، يأبى الفنان عزيز الأسمر إلا أن يترك بصمته الإبداعية، وأن يسخر المناسبة للتذكير بمأساة أكثر من أربعة ملايين مدني يقيمون في منطقة شمال غربي سورية، وذلك من خلال رسوماته التي يخطها على جدران المباني المهدمة في محافظة إدلب.
فضّل الرجل الخمسيني المنحدر من مدينة بنش بريف إدلب الشرقي، ترك لبنان والعودة إلى سورية للمشاركة في الثورة الشعبية ضد نظام الأسد، وتسخير فنه في خدمة القضية، ونقل مأساة السوريين وأصواتهم.
بدايات الفن والثورة
يعتبر الأسمر أن الفن انتقل إليه ولإخوته بالوراثة، فوالده يتقن قواعد الخط العربي، وأخواله رسامون، كما أنه امتهن الرسم منذ صغره وكان يعمل به قبل اندلاع الثورة السورية قبل 11 عاماً.
ويقول الأسمر في حديث لـ ”نداء بوست”: إنه كان في بيروت عندما اندلعت الثورات في الدول العربية، وتأمل أن تتخلص سورية من حكم آل الاسد، الذين حولوا سورية إلى مزرعة وسرقوا ثرواتها وهمشوا الطاقات أو اعتقلوهم أو هجروهم.
ويضيف: ”كنت أرسم في لبنان على الورق، حتى أُتيحت لي الفرصة وعدت إلى إدلب لأشارك أهلي ثورتهم بحلوها ومرها”.
لوحة جداريَّة في إدلب للتضامُن مع الشعب الأوكراني ضد الغزو الروسي
ومنذ وصوله إلى إدلب، بدأ الأسمر بالرسم على الجدران والأسقف التي هدمها طيران النظام السوري وحلفائه، ”لإيصال رسائل لكل العالم عن معاناة السوريين وكيف قصفوا وهجروا من قراهم لأنهم طالبوا بالحرية والعيش حياة كريمة”.
من إدلب إلى العالم
لم تقتصر مواضيع رسومات الأسمر على قضايا الثورة والسياسة، بل تعدتها للتطرق لرسومات تحكي عن هموم المواطن الاجتماعية والاقتصادية والتعليم والصحة والأوبئة.
ولأن الرسم لغة عالمية، يقول الأسمر: ”استخدمناها لمخاطبة شعوب العالم عبر مشاركتهم قضاياهم الإنسانية برسومات نبدي من خلالها تضامننا وتعاطفنا مع القضايا الإنسانية التي تحمل مظلومية ما، ولنخبر كل شعوب الأرض أننا لسنا إرهابيين كما يحاول النظام أن يسوّق، وإننا ثورة فيها ثقافة وفكر وفنون، والأهم أنها ثورة تملك الإنسانية وتتشارك مع أحرار العالم أوجاعهم وهمومهم”.
ويشعر الأسمر بالفخر كون رسائله حطت على شاشات أهم القنوات الفضائية، وصفحات أهم الصحف والمواقع الإلكترونية في العالم، ويقول هنا: ”رغم أننا لسنا أكاديميين ولا نملك تقنية الرسم الاحترافية ولا أدواتها، ولكن الصدق في رسوماتنا لامس قلوب المتلقين قبل عيونهم، وقد جذبنا أنظار شرائح كبيرة من شعوب العالم لما يحدث في إدلب من قصف وقتل للمدنيين من خلال ربط مواضيع جدارياتنا بمآسٍ مشابهة تحدث في دولهم”.
التأثير بالفن
خلال حديثه لـ”نداء بوست” أشار الأسمر إلى أنه رسم ”جورج فلويد الذي مات اختناقاً في الولايات المتحدة ليعرف العالم أن النظام قتل الآلاف خنقاً بغاز السارين والكلور، ورسم الطفلة اليابانية المعتقلة في كوريا الشمالية ليخبرهم أن الأسد يعتقل عشرات الآلاف وقسم كبير منهم قضى تحت التعذيب.
كما رسم اللاعب الأرجنتيني دييغو مارادونا على بيت مدمر قرب مدرسة مدمرة كان الأطفال يلعبون في ملعبها كرة القدم قبل أن يدمرها نظام الأسد، ورسومات أخرى كثيرة، كالحرب الروسية على أوكرانيا للإشارة إلى أن القاتل نفسه في سورية.
كذلك رسم الأسمر عن مصر وفلسطين والجزائر والسودان والسعودية وقطر وإيران واليابان والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وفنلندا وكولومبيا وبورما واليونان، ولاقت جدارياته استحساناً في تلك الدول.
للحلم بقية
يعتبر الأسمر أن ما يقوم به ”عمل بسيط ألبسه الله القبول فجمله”، ويضيف: ”هو واجبي، وهو بأحسن أحواله لا يساوي قطرة دم سالت من طفل بريء أو معتقل غابت أخباره في أقبية معتقلات الأسد”.
ويؤكد أنه ”مستمر في هذا الواجب لأنني “كنت مقتنعاً حين بدأت به أنه محفوف بالمخاطر والمشقة ولكن إيماني مطلق بأننا أصحاب حق، وأن الله سينصرنا في نهاية المطاف”.
“سيفتقدك السوريون”.. الفنان عزيز الأسمر يودع ميركل بجدارية في إدلب
وأعرب الأسمر عن أمله في أن تتهيأ للسوريين سبل الحرية، حيث يحلم بأن يرسم لوحة النصر مع باقي الرسامين الأحرار على جدران القصر الجمهوري في دمشق.