نداء بوست – ملفات – محمد الشيخ
تدخل العملية العسكرية التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا يومها السادس، ويزداد معه الضغط الدولي على موسكو، وفرض مزيد من العقوبات عليها، مقابل دعم غربي غير مسبوق لكييف، بما في ذلك توريد شحنات جديدة من الأسلحة والذخائر النوعية إليها.
ومع مخالفة التوقعات الأوروبية والأمريكية، التي يبدو أنها كانت أشبه بطعم لإيقاع روسيا بالفخ الأوكراني، ازداد الوضع تعقيداً، وأربك حسابات موسكو، فلا الجيش الأوكراني انهار سريعاً، ولا القوات الروسية استطاعت السيطرة على العاصمة كييف خلال 96 ساعة، وعلى العكس من ذلك تكبدت خسائر لم تكن في الحسبان.
ومع تسارع الأحداث في أوكرانيا، والضغوطات الدولية التي واجهتها روسيا، والتي دفعت بوتين للتهديد باستخدام السلاح النووي، حط رئيس “مكتب الأمن الوطني” التابع للنظام السوري، اللواء علي مملوك، في العاصمة الإيرانية طهران، والتقى كبار المسؤولين الإيرانيين على رأسهم الرئيس إبراهيم رئيسي.
كما استقبل رئيس النظام السوري بشار الأسد، كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خاجي في دمشق، وتم خلال اللقاء بحث علاقات النظام مع إيران، وتعزيز التعاون في مختلف المجالات، كما تم التطرق إلى الملفات الإقليمية والدولية بما في ذلك التطورات في أوكرانيا.
توقيت الزيارة والشخصيات التي التقى بها مملوك الذي قلما يعلن النظام عن تحركاته وجولاته الخارجية، يثير التساؤلات حول أسبابها، وعلاقتها بالموقف الذي وضعت روسيا نفسها فيه بعد غزو أوكرانيا.
وفي هذا السياق، يقول العميد فاتح حسون، إنه من الواضح تماماً أن روسيا سقطت في أوحال أوكرانيا كما هو حالها في سورية، وإن طريق الروس طويلة وستستنزف قواهم أكثر بأضعاف مما استنزفوا بسورية، حيث يزج الغرب بكثير من إمكانياته لدعم الأوكرانيين، وذلك لأهمية أوكرانيا بالنسبة لهم كدولة محاذية مباشرة للاتحاد الأوروبي وهي إحدى دول الاتحاد السوفيتي السابق ولتخوفهم الكبير من عودتها للحضن الروسي.
وأشار حسون في حديث لـ”نداء بوست” إلى أن التعاطف الدولي غير المسبوق مع أوكرانيا أعطى الأوكرانيين قوة كبيرة على الثبات والمقاومة برزت نتائجها في تدمير عدد كبير من أسلحة وعتاد روسيا، مما انعكس سلباً على معنويات الجيش الروسي خاصة مع وقوع المزيد من عناصره أسرى بيد الأوكران، وبعد خسارته لمنظومة الدفاع الجوي “بوك” ووقوع منظومة “بانتسيير” بيد الجيش الأوكراني كغنيمة حرب بعد أن تخلى عنها الجيش الروسي المنهزم في إحدى المواقع.
وأضاف: “بالتالي فإن حتمية الموقف حالياً تنقل الملف السوري إلى درجات أدنى لاهتمامات الروس، وهم مضطرون لإعطاء كثير من دورهم المنوط بهم في الملف السوري وتسليمه للإيرانيين سواء كان ذلك بفعل عدم قدرتهم على التفرغ الواسع في إدارة الملف أو لجهة الانتقام من الغرب لوقوفه مع أوكرانيا”.
ويرى حسون أن “الملف السوري حالياً أمام واقع عودة الإيرانيين ليكونوا اللاعب رقم واحد فيه وإدارة الصراع في مناطق سيطرة النظام الذي رصد هذا الموقف، فأسرع إلى إيران يعيد ويستجدي خطب ودها بعد أن جافاها قليلاً تحت الضغط الروسي”.
واستدل محدثنا على ذلك، بإرسال النظام السوري للواء علي مملوك إلى طهران بهدف “استعادة الثقة والتنسيق على أعلى مستويات والشروع بمتابعة الملف وفقاً للرؤى الإيرانية”.
في سياق منفصل، وتحديداً على صعيد الملف الأوكراني، يعتقد العميد فاتح حسون أن الحرب الأوكرانية ستطول، ولن تتمكن روسيا من تحقيق النجاح المتصور سريعاً، مشيراً إلى الطائرات التركية المسيرة “بيرقدار” استطاعت خلق توازن بالقوى الجوية مع الطائرات الروسية مما أعاد التوازن إلى المعركة.
كذلك، استبعد حسون أن يستخدم الروس السلاح النووي، وأن هذا الأمر تدركه أوكرانيا تماماً وبدا واضحاً أنها لم تتأثر به خلال المفاوضات المباشرة التي عقدت قرب الحدود مع بيلاروسيا.
وتابع: “ستستمر المعركة بالأسلحة التقليدية، ومما يمكن أن يطيل حسم روسيا للمعركة استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا”.
في المقابل، سيحاول الروس -وفقاً لمحدثنا- توسيع الجبهات بزج بيلاروسيا في مواجهة مباشرة، وهو ما تحاول أن تتفاداه هذه الاخيرة حتى الآن، ولكن في حال نجحت فإن الحرب ستتسع رقعتها لتشمل دولاً أخرى قد تؤدي إلى حرب عالمية، وهذا الامر الذي تسعى الدول الغربية لاحتوائه وعدم انجرارها وراء النزعات الجنونية لبوتين”.
ويخلص حسون إلى أنه في الوقت القريب إذا ما زادت نسبة الخسائر لدى الروس فإن انتفاضة مدنية داخلية متوقعة قد تدفع بعدد من التشكيلات الروسية المسلحة لمساندتها، وهو سيناريو قد يكون الغرب يعمل عليه من خلال تزايد وتيرة العقوبات التي يفرضها على روسيا.