قد لا يأتي التحدي الأهم لحلف الناتو اليوم من روسيا ولكن من الداخل، فمع تزايد عدد الخلافات بين تركيا والعديد من الحلفاء الأوروبيين مرة أخرى بدأت العلاقات المتوترة بين الطرفين في تقويض تماسك المنظمة وقدرتها على اتخاذ قرارات جماعية في الوقت المناسب.
إذا تركت هذه التوترات دون معالجة فيمكن أن تسبب أضراراً خطيرة لأقوى تحالف في العالم.
جاءت أحدث بؤرة التوتر من دعم تركيا المفتوح للجهود الحربية لأذربيجان في جيب ناغورنو كاراباخ الصغير غير الساحلي والذي انتهى فجأة في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني بفضل اتفاق بوساطة روسية.
ووضعت تقارير المساعدة العسكرية والمقاتلين السوريين المزعومين الذين أرسلتهم تركيا أنقرة في خلاف مع دعوات حلفائها في الناتو لحل سلمي تفاوضي للصراع.
في الشهر الماضي اقتربت اليونان وتركيا بشكل خطير من مواجهة بحرية مباشرة في مياه شرق البحر المتوسط المتنازع عليها بشأن أنشطة التنقيب عن الغاز التركية بالقرب من جزيرة كاستيلوريزو اليونانية على بعد بضع مئات من الأمتار من الساحل التركي.
وعلى الرغم من أن تركيا سحبت سفينتها في وقت لاحق، إلا أن التوترات بين الحليفين في الناتو تصاعدت مرة أخرى بعد إعلان تركيا أنها ستعيد السفينة في مهمة بحثية زلزالية مدتها 10 أيام في المنطقة.
إن ما يجعل هذا الوضع متفجراً بشكل خاص هو الخلاف المستمر بين القوتين في شرق البحر المتوسط حول تقسيم قبرص بعد عام 1974 واكتشاف موارد الطاقة في المنطقة.
ووقعت مواجهة مماثلة في يونيو/ حزيران عندما كادت فرنسا وتركيا تشتبكا بعد أن حاولت سفينة حربية فرنسية تفتيش سفينة تركية بزعم انتهاكها لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا وهو ادعاء تنفيه أنقرة بشدة.
من خلال دعم أطراف مختلفة في الحرب الليبية انخرط الحليفان في حرب كلامية حول الأعمال الاستفزازية لبعضهما البعض في النزاعات الليبية والسورية وناغورنو كاراباخ، وكذلك بشأن مطالبات تركيا الإقليمية في البحر الأبيض المتوسط.
وكانت أحدث مشاجرة بعد دفاع الرئيس إيمانويل ماكرون عن حق رسام الكاريكاتير في رسم شخصيات دينية كاريكاتورية في أعقاب قطع رأس أحد المعلمين، وهو ما رد عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالدعوة إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية.
أما داخل الناتو فيعكس التصعيد في التوترات والتورط المتزايد في الخلافات العديدة بين المعسكرين إحباطاً متزايداً لدى الحلفاء الأوروبيين بشأن ما يعتبرونه موقفاً إقليمياً عدوانياً لتركيا، وعدم استعدادها للتشاور مع الحلفاء قبل التصرف.
كعضو في الناتو منذ عام 1952 احتلت تركيا دائماً دوراً فريداً إلى حد ما في الحلف.
إن حجمها ومواردها العسكرية وموقعها الرئيسي على أعتاب آسيا -بعبارة أخرى باعتبارها الجناح الجنوبي لحلف الناتو- يمنحها أهمية إستراتيجية مهمة في سياق الاهتمام المتجدد بالشرق الأوسط.
على الرغم من أن العلاقات كانت في كثير من الأحيان هشة لاسيما منذ محاولة الانقلاب عام 2016 فإن الخلاف الحالي يمثل انخفاضاً جديداً في التاريخ الحديث للتحالف مع عواقب وخيمة محتملة.
بالنظر إلى هذه الخلفية يجب على الناتو الاستفادة من موارده الخاصة لمحاولة معالجة العلاقات المتدهورة لأعضائه، والعمل على التوفيق بين مصالحهم الأمنية المتباينة، يبدو هذا أسهل بكثير من فعله، لكنه قد يكون الخيار الوحيد لمنع حدوث مزيد من التمزق الأساسي في العلاقة.
مع تصاعد التوترات يرتبط أحد المخاطر الرئيسية التي يواجهها حلف الناتو بإمكانية قيام الأزمة بإعاقة تماسكه وقدرته على التصرف بشكل حاسم، حيث يعتمد الحلف على مبدأ الإجماع للعمل بنجاح؛ إذ يجسد كل قرار رئيسي للناتو الإرادة الجماعية لجميع الحلفاء.
إن العيب الحتمي في ذلك هو أن كل حليف يمتلك حقاً واقعياً في نقض أيّ قضية من قضايا الناتو إذا لم يتم تلبية مطالبه والتي قد يتم تحفيزها لاستخدامها كوسيلة ضغط لتحقيق المصالح الوطنية.
يمكن قول الشيء نفسه عن الاتحاد الأوروبي الذي يعمل بالإجماع والذي تصدرت قبرص فيه عناوين الصحف مؤخراً بسبب عرقلة العقوبات المفروضة على نظام الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، وتعرض الاتحاد الأوروبي لانتقادات لفشله في الاتفاق على عقوبات في الوقت المناسب.
بقلم فريق الترجمة المصدر وور أون ذا روكس