نداء بوست – هاني العبد الله – إسطنبول
يُعتبر إيجاد منزل للسكن في إسطنبول، معضلة كبيرة تُرهق اللاجئين السوريين في تركيا، في ظل غلاء أسعار الإيجارات من جهة، ورفض بعض أصحاب المنازل تأجير بيوت للسوريين من جهةٍ أخرى.
مشكلة الإيجارات في تركيا ليست جديدة، بل يعاني منها السوريون منذ سنوات، لكنها تفاقمت بشكلٍ كبير مؤخراً، فارتفاع التضخم في تركيا إلى حوالَيْ 80% مع تدهور الليرة التركية، دفع أصحاب العقارات إلى رفع الإيجارات إلى أرقامٍ خيالية تفوق النسبة التي حددتها الحكومة التركية.
وفي حزيران الماضي أقرت الحكومة التركية قانوناً صادق عليه البرلمان، يُحدّد زيادة الإيجار في المساكن بنسبة 25 بالمائة، ويسري حتى 1 يوليو 2023.
أسباب غلاء الإيجارات
تعتبر مدينة إسطنبول، عاصمة تركيا الاقتصادية، الأكثر تأثُّراً بأزمة السكن، حيث تأوي نحو 546 ألف لاجئ سوري مسجلين رسمياً بحسب آخِر إحصائية لدى إدارة الهجرة التركية، يُضاف إليهم طلابُ الجامعات السوريون من ساكني المدن الأخرى المستأجرين للبيوت، إذ تضم إسطنبول 61 جامعة وحدها، يدرس فيها حوالَيْ 4 آلاف طالب سوري.
كما يُضاف إلى الأعداد السابقة، السوريون المُسجلون في الولايات الأخرى، لكنهم اختاروا العيش في إسطنبول لوفرة فرص العمل فيها مقارنةً بالولايات الأخرى، واضطروا لتسجيل قيودهم خارج إسطنبول بسبب توقُّف منح الولاية بطاقة “الحماية المؤقتة” للقادمين الجُدد، أو من الراغبين بنقل قيودهم إليها إلا في حالاتٍ خاصة.
كل تلك الأعداد السابقة من السوريين المتواجدين في إسطنبول، عدا عشرات الجنسيات الأجنبية الأخرى، إلى جانب الأتراك أنفسهم، خلق أزمة إيجارات حادّة في إسطنبول، مع زيادة الطلب وقلة البيوت المتوفرة.
أبو مروان لبابيدي، صاحب مكتب عقارات في حي بغجلار بإسطنبول، عزا سبب ارتفاع أسعار الإيجارات في إسطنبول إلى عدة عوامل، أبرزها تراجُع قيمة الليرة التركية وارتفاع التضخم وأسعار مختلف السلع، ما أدى إلى ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن، وهذا دفعه إلى رفع قيمة إيجار البيوت التي يمتلكها، كي يستطيع أن يُجاري هذا الغلاء”.
وأضاف أبو مروان لموقع “نداء بوست”، أن “انحسار وباء كورونا وعودة الحياة إلى طبيعتها، ساهم في زيادة الطلب على البيوت مع بَدْء العام الحالي، وزيادة نشاط الكروبات السياحية، وعودة التعليم وجهاً لوجه، ما اضطر آلاف الطلاب إلى استئجار بيوت في إسطنبول لمتابعة تعليمهم الجامعي”.
وأعلنت الحكومة التركية في أيار الماضي، إعطاء قروض منخفضة الفوائد لشراء العقارات تصل لمليونَيْ ليرة، ما أسهم بارتفاع أسعار العقارات، التي تأثرت كذلك بارتفاع نسبة التضخم، وبالتالي فإن ارتفاع سعر العقار، سيؤدي تلقائياً إلى ارتفاع سعر الإيجار.
أرقام خيالية
رغم تحديد الحكومة التركية سقفاً معيناً لزيادة أسعار الإيجارات عند 25%، إلا أن معظم أصحاب العقارات لم يلتزموا بتلك النسب، وقاموا برفع إيجارات المنازل إلى 100% أو أكثر، وحجتهم في ذلك أن الزيادة التي حددتها الدولة لا تتناسب مع حجم التضخم.
وتتفاوت أسعار الإيجارات حسب موقع الحي وقربه من المواصلات العامة، وعدد سنوات البناء، وطبيعة إكساء البيت، ويُعتبر حَيَّا الفاتح وباشاك شهير من أغلى الأحياء من حيث الإيجارات.
وتتراوح أجرة المنزل شهرياً في هاتين المنطقتين، بين 7-10 آلاف ليرة تركية، بينما تتراوح بين 10-15 ألف ليرة إذا كان المنزل يقع ضِمن مجمع سكني، أما إيجارات المنازل في باقي الأحياء ضِمن اسطنبول فتتراوح بين4-7 آلاف ليرة شهرياً.
تفاجَأ “عمر سيلو”، لاجئ سوري مقيم في حي إسنلر إسطنبول، حين طلب منه صاحب المنزل الشهر الماضي زيادة إيجار البيت إلى 4500 ليرة، بعدما كان يدفع ألفَيْ ليرة شهرياً.
يقول سيلو لموقع “نداء بوست”: “تجادلت مع صاحب المنزل، واعترضت على الزيادة التي طلبها، والتي تصل إلى 125%، وأخبرته أنه لا يحق له أن يزيد أكثر من 25% أي يصبح الإيجار 2500، لكنه لم يقبل، وأعطاني خيارين إما أن أقبل بالزيادة التي طلبها أو أن أخرج من البيت”.
فكر “عمر سيلو” بترك البيت، فليس لديه قدرة على دفع 4500 ليرة، خاصة أن راتبه الشهري لا يتجاوز 6500 ليرة، وبعد بحثٍ طويل لم يعثر على منزل بسعرٍ أقل، فاضطر للرضوخ لطلب صاحب البيت والبقاء فيه.
وازدادت أسعار إيجارات المنازل في إسطنبول بنسبة 140% على أساس سنوي، في شهر أيار الماضي مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، بحسب دراسة أجراها مركز البحوث الاقتصادية والاجتماعية “BETAM” في جامعة “بهتشي شهير”.
52 ألف ليرة تكلفة الانتقال لمنزل جديد
“يحيى سحاري”، لاجئ سوري مقيم في حي أسنيورت، تعرض للمشكلة ذاتها التي واجهها “عمر سيلو”، لكنه وافق فوراً على الزيادة التي طلبها صاحب البيت، والتي وصلت إلى 100%، ولم يفكر في البحث عن منزلٍ آخر.
وبرر سحاري تصرُّفه قائلاً: “أي زيادة يطلبها صاحب البيت اليوم، ستكون أفضل من ترك المنزل واستئجار بيت آخر، لأنك ستكون مطالباً بدفع كومسيون وتأمين جديدين، إضافةً إلى تكاليف أخرى إضافية”.
ولتوضيح تكاليف الانتقال إلى منزل جديد، أجرى سحاري عملية حسابية قائلاً: “لنفترض أن الشخص وجد منزلاً بـ 5 آلاف شهرياً، فهو يحتاج إلى دفع تأمين جديد؛ لأن أغلب أصحاب المنازل لا يُعيدون التأمين للشخص عندما يخرج، إضافةً إلى أجرة شهر كومسيون، وألفَيْ ليرة نقل عفش، و1700 رسوم فتح عدادات الماء والكهرباء والغاز والإنترنت، إلى جانب 3 آلاف تكاليف دهان وإصلاحات للمنزل، وبالتالي تصل التكلفة الكلية للانتقال إلى منزلٍ جديد لحوالَيْ 22 ألف ليرة”.
وما يزيد مأساة السوريين الباحثين عن منزل جديد للإيجار، أن بعض الملاك الجشعين، باتوا يطلبون دفع تأمين شهرين، إلى جانب تسديد أجرة ثلاثة إلى ستة أشهر من الإيجار سلفاً.
وبموجب الحسبة السابقة، فإن الشخص الذي سيستأجر منزلاً بـ 5 آلاف، سيُضطر لدفع 37 ألف ليرة إذا كان صاحب البيت يريد أجرة ثلاثة أشهر سلفاً، و52 ألفاً إذا كان صاحب البيت يريد ستة أشهر سلفاً.
وأكد رئيس “غرفة سماسرة إسطنبول”، نظام الدين آشا، لصحيفة “جمهوريت” التركية، أن مَن يستأجرون منازل بأسعار باهظة لا يستطيعون دفع الإيجار اعتباراً من الشهر الثاني والثالث من تاريخ العقد، مضيفاً: “أعتقد أن الإيجارات وصلت إلى حدها الأعلى، بينما القوة الشرائية للمواطنين آخِذة في التآكل، اليوم لا يمكن للعامل أن يدفع بين خمسة إلى ثمانية آلاف ليرة تركية للإيجار”.
العنصرية تُفاقم أزمة السكن
انتشار خطابات الكراهية والعنصرية بحق اللاجئين السوريين في تركيا مؤخراً، وزيادة المطالبة بترحيلهم، فاقمت من أزمة الإيجارات، فلم يعد يقبل أغلب الأتراك بالتأجير للسوريين لديهم، ما ضيّق الخيارات أمام السوريين الذين يبحثون عن منزل للإيجار.
العنصرية لم تقتصر على مجرد رفض التأجير للسوريين، بل وصلت إلى حد لجوء بعض أصحاب العقارات إلى طرد المستأجرين السوريين من البيت، كما حصل مع “أكرم المحمود”، الذي طلب منه صاحب البيت الخروج من المنزل رغم دفعه الإيجار، وهدده بأنه إن لم يخرج فسيشتكيه للأمن التركي، ويتهمه بالتعامل مع جماعات إرهابية.
يقول أكرم: “تشرّدت أنا وعائلتي بعدما طُردنا من المنزل، لذا أقمت في منزل أخي لشهرين، فلم أستطع العثور على منزلٍ آخر، ما ولّد بعض الخلافات العائلية مع أخي، فقررت ترك تركيا واللجوء إلى أوروبا”.
وتداول ناشطون مطلع العام الحالي مقطع فيديو، يُظهر رجلاً تركياً وهو يحاول اقتحام منزل تقطنه عائلة سورية في حي بيرم باشا بإسطنبول، من خلال تكسير الباب بالفأس.
وكتب الإعلامي التركي، “أرهان أيديز” حينها على صفحته الشخصية على فيسبوك، أن صاحب البيت طلب زيادة الإيجار من 1200 إلى 4000، رغم وجود عقد إيجار ساري المفعول ورفضت العائلة، ما دفعه لاقتحام المنزل رغم عدم وجود رجل داخله.
ونشرت صحيفة “حرييت” تقريراً بعنوان «عودة السوريين واستطلاعات الرأي»، قال كاتبه: إنّ حي إسنيورت في إسطنبول هو «أحد أهم المناطق التي يعيش فيها معظم السوريين، وحتى لو تعرّض سوريٌّ لحادثٍ مروري، فإن السوريين يجتمعون جميعاً في وقتٍ واحد. إذا تشاجر سوريٌّ فسيأتي 10 أو 15 شخصاً في الحال، بينما يشعر الأتراك هناك بالوحدة».
وطالب كاتب المقال، عند بدء تنفيذ مشروع العودة الطوعية لمليون سوري، بأن «يبدأ أولاً بإعادة السوريين من إسنيورت والفاتح في إسطنبول، ومن حي آلتنداغ في أنقرة».
مشكلة تثبيت العناوين
زاد من أزمة البحث عن منزل للإيجار في تركيا على السوريين، إعلان الحكومة التركية حظر بعض الأحياء على السوريين، ومنع تثبيت عناوينهم فيها، ما جعلهم مجبرين على البحث عن منزل في أحياء أخرى.
وأصدرت وزارة الداخلية التركية، قراراً في شباط /فبراير الماضي، يهدف إلى تخفيض تواجُد الأجانب، وعلى رأسهم السوريون، في بعض الولايات والأحياء التركية، بحيث لا يتجاوز نسبة للأجانب في كل حي 25 بالمئة.
وبموجب هذا القرار منعت تركيا السوريين من تقييد نفوسهم في 800 حي تتوزع في 52 ولاية، بينها 3 أحياء في إسطنبول وهي (الفاتح وأسنيورت وشيشلي)، وفي الخطوة اللاحقة للقرار، سيتم نقل السوريين الموجودين في الأماكن ذات الكثافة السكانية العالية إلى مناطق وولايات أخرى بشكلٍ وصفته الخطة بـ«الطوعي».
عدم السماح للسوريين في الإقامة ضمن أحياء معينة، أثر عليهم بشكل كبير، ومنهم “مهند أيوب”، والذي عثر على عملٍ جديد في حي أسنيورت، لكنه عانى من بعد المسافة، بسبب إقامته في حي بغجلار الذي لم يعثر فيه على عمل، لذا قرر استئجار منزل قريب من عمله في أسنيورت، لكنه تفاجأ حين علم أنه لا يستطيع نقل نفسه إلى ذلك الحي، وبالتالي سيبقى مضطراً كل يوم لتمضية ساعة ونص على الطريق للوصول إلى عمله عدا المشقة والتكاليف.
وأضاف أيوب: “من الممكن أن يقبل صاحب المنزل تأجيرنا البيت في أسنيورت، لكن المشكلة أن دائرة النفوس هناك لن تقبل تثبيت قيدنا، وهذا سيمنعنا من فتح العدادات، عدا المشكلة الأكبر، وهي أنه في حال خرجت الشرطة التركية للتأكد من عنواننا المسجل لديها، ألا وهو بغجلار ولم تجدنا، فسيتم تعطيل بطاقة الحماية المؤقتة الكيمليك الخاصة بنا، وهذه مشكلة كبيرة تهدد مستقبل اللاجئ في تركيا”.
حلول لضمان الاستقرار
في ظل هذا الواقع المرير، يبحث السوريون عن حلولٍ لأزمة السكن في تركيا، وفي هذا الإطار، قال المحامي السوري المهتم بالشأن التركي، “مروان الخطيب”، إنه يجب على السوريين أن يكونوا على دراية تامة بقوانين الإيجار في تركيا، وأن لا ينصاعوا لمطالب الملاك، لأن القانون التركي يقف دائماً مع المستأجرين، فلا يملك صاحب العقار حق إخراج المستأجر أو رفع الإيجار بنسبة أكبر مما حدده القانون وهو 25 في المائة”.
وأوضح الخطيب لموقع “نداء بوست”، أنه يجب أن يراجع السوريون جيداً قانون الإيجار التركي، كي يتعرفوا على حقوقهم كمستأجرين، والحالات التي يحق فيها لصاحب العقار إخراج المستأجر في تركيا، وأبرزها تأخر المستأجر في دفع الإيجار بوقته المُحدد أكثر من مرة، وفي حال وجود إثباتات (إيصالات، إشعارات) تؤكد تأخر السداد المُتكرر لأيام أو أشهر، يحق هُنا بشكل قانوني لمالك البيت إرسال إخطار للمُستأجر عبر البريد التركي ptt بإخلاء العقار في غضون 30 يوماً.
كما يحق إخلاء المنزل في حال حاجة صاحب العقار أو أحد أقربائه من الدرجة الأولى له، ولم يكن لديهم سكن بديل، ولكن لا يحق في هذه الحالة لصاحب العقار تأجيره لمستأجر جديد إلا بعد مضي 3 سنوات من إخلائه.
بدوره ذكر موقع “en son haber” التركي، أن المُلاك الذين يريدون إخراج المستأجر بقولهم “ابني سيعيش في المنزل أو ابني سيتزوج”، ثم يحضر مستأجراً آخر لقاء مبلغ مادي أكبر، يجوز للمستأجر السابق وفقاً للقانون رفع دعوى قضائية والحصول على تعويض من المالك، يصل إلى ما لا يقل عن إيجار 12 شهراً.
المحامي مروان الخطيب، أكد على نقطة مهمة أيضاً، وهي تثبيت عنوان السكن في النفوس، والتي تمنح السوريين الاستقرار والأمان، وتحميهم من الترحيل، وتجعل وضعهم قانونيا، في حال قام صاحب البيت بتقديم شكوى ضدهم أو حاول طردهم.
وطالبت مديرية دائرة الهجرة التركية اللاجئين السوريين من حاملي بطاقة الحماية المؤقتة بتحديث بياناتهم، ودعتْ المتخلّفين عن تحديث عنوان إقامتهم، أو الذين لم يكونوا موجودين في المنزل خلال زيارة الشرطة للتحقق من صحة العنوان، إلى حجز موعدٍ من الموقع الرسمي للوزارة على الإنترنت، وتحديث بياناتهم في أسرع وقت.