نيويورك تايمز: نزاع أوسع مع إيران يلوح في الأفق من لبنان إلى البحر الأحمر
كان الرئيس بايدن وكبار مساعديه للأمن القومي يعتقدون الصيف الماضي أن احتمالات نشوب صراع مع إيران ووكلائها كانت محتواة إلى حد كبير، وبعد القيام بمحادثات سرية، توصل الطرفان إلى إبرام صفقة أدت إلى إطلاق سراح خمسة أمريكيين مسجونين مقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة وبعض السجناء الإيرانيين. بدت المجموعات المسلحة التي تمولها وتسلحها طهران -حماس في الأراضي الفلسطينية، حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن- هادئة نسبياً، حتى أن إيران قلّلت من تخصيب اليورانيوم في مواقعها النووية تحت الأرض، مما أخّر تقدمها نحو امتلاك سلاح نووي.
هجوم حماس الذي نفذته على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر والرد القاسي من إسرائيل قد غير كل ذلك، إذ إن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين، وعشرات الدول العاملة بالتنسيق للحفاظ على تدفق التجارة في البحر الأحمر، يواجهون الآن إيران بحلّتها العدوانية الجديدة. بعد إطلاق عشرات الهجمات، من لبنان إلى البحر الأحمر إلى العراق، دخلت الميليشيات الوكيلة في صراع مباشر مع القوات الأمريكية مرتين في الأسبوع الماضي، وتهدد واشنطن علانية بضربات جوية إذا لم يتراجع العنف.
في الوقت نفسه، وإن كان ذلك لا يحظى إلا بالقليل من النقاش من قبل إدارة بايدن، أصبح البرنامج النووي الإيراني فجأة نشطاً، حيث أعلن المفتشون الدوليون في أواخر كانون الأول/ ديسمبر أن إيران بدأت في زيادة تخصيب اليورانيوم القريب من درجة التخصيب الخاصة بصناعة القنبلة.
وفقاً لمعظم التقديرات، تمتلك إيران الآن الوقود لثلاثة أسلحة ذرية على الأقل - ويعتقد المسؤولون في الاستخبارات الأمريكية أن التخصيب الإضافي اللازم لتحويل هذا الوقود إلى مواد من درجة القنبلة سيستغرق بضعة أسابيع فقط.
"لقد عدنا إلى نقطة البداية"، هكذا قال نيكولا دو ريفيير، دبلوماسي فرنسي كبير منخرط في التفاوض على الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، الأسبوع الماضي.
إن التعامل مع ملف إيران الآن هو أكثر تعقيداً من أي وقت مضى منذ احتجاز السفارة الأمريكية في عام 1979 بعد الإطاحة بالشاه.
يقول المسؤولون الاستخباراتيون الأمريكيون والأوروبيون إنهم لا يعتقدون أن الإيرانيين يريدون صراعاً مباشراً مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، والذي يشتبهون في أنه لن ينتهي على خير.
ولكن يبدو أنهم راغبون بشدة بتوسيع حدود المضايقات، تمكين الهجمات، تنسيق استهداف القواعد والسفن الأمريكية التي تحمل البضائع والوقود، والسير ببطء إلى بلوغ حدّ القدرة على إنتاج الأسلحة النووية مرة أخرى.
إن التوسع الدراماتيكي لنطاق المساعدات الإيرانية لروسيا يضاف إلى تعقيد المشكلة الأصلية، فما بدأ كتدفق طائرات شاهد المسيرة التي بيعت لروسيا للاستخدام ضد أوكرانيا تحول إلى سيل منها. والآن يعتقد المسؤولون الاستخباراتيون الأمريكيون أن إيران، على الرغم من التحذيرات، تستعد لشحن صواريخ قصيرة المدى للاستخدام ضد أوكرانيا، تماماً في الوقت الذي تنفد صواريخ الدفاعات الجوية وقذائف المدفعية من عند أوكرانيا.
إنه انعكاس لديناميكية القوة المتغيرة بشكل حاد: منذ غزو روسيا لأوكرانيا، لم تعد إيران تجد نفسها معزولة. فجأة وجدت نفسها في تحالف من نوع ما مع موسكو والصين، العضوين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اللذين، في عهد سابق، دعما واشنطن في محاولة للحد من البرنامج النووي الإيراني. الآن، انتهى هذا الاتفاق، أنهاه الرئيس السابق دونالد ترامب قبل خمس سنوات، وفجأة أصبحت إيران تمتلك قوتين عظميين ليس فقط كحلفاء، بل كعملاء يكسرون العقوبات.
قالت سنام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تشاتام هاوس: "أرى إيران في وضع جيد، وقد أسقطت الولايات المتحدة ومصالحها في الشرق الأوسط، إيران نشطة على جميع الجبهات، مقاومة لأي نوع من التغيير من الداخل، بينما تخصب اليورانيوم بمستويات مقلقة للغاية."
صفقة هادئة انتهت بشكل سيئ
دخل بايدن المنصب وهو مصمم على إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، والذي احتوى البرنامج النووي الإيراني لمدة ثلاث سنوات حتى انسحب منه السيد ترامب في عام 2018. بعد أكثر من عام من المفاوضات، تم التوصل تقريباً في صيف عام 2022 إلى اتفاق لاستعادة معظم بنود الاتفاقية. كان من شأن ذلك أن يتطلب من إيران شحن وقودها النووي الذي تم إنتاجه حديثاً خارج البلاد، تماماً كما فعلت في عام 2015 ولكن الجهود انهارت.
في العام التالي، قامت إيران بتسريع برنامجها النووي، ولأول مرة قامت بتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 60 في المئة، أقل بقليل من الـ 90 في المئة اللازمة لإنتاج الأسلحة. كانت خطوة محسوبة تهدف إلى أن تظهر للولايات المتحدة أن طهران كانت على بُعد خطوات قليلة من القنبلة - ولكن دون تجاوز الخط، لتجنب الهجوم على منشآتها النووية.
في صيف عام 2023، قام بريت ماكغورك، منسق الشرق الأوسط للسيد بايدن، بهدوء بتجميع صفقتين منفصلتين. حصلت الأولى على إطلاق سراح خمسة سجناء أمريكيين مقابل عدة إيرانيين مسجونين ونقل 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية من كوريا الجنوبية إلى حساب في قطر لأغراض إنسانية.
لكن الصفقة الثانية - التي لم يرغب بايدن في الكشف عنها - كانت اتفاقاً غير مكتوب يتمثل في أن تقيد إيران تخصيبها النووي وتحافظ على هدوء قوات الوكلاء. فقط بعد ذلك، قيل للإيرانيين، يمكن أن تكون هناك محادثات حول صفقة أوسع.
لبضعة أشهر، بدا أن الأمر يسير على ما يرام. لم تهاجم القوات الوكيلة الإيرانية في العراق أو سورية القوات الأمريكية، وتمكنت السفن من التحرك بحرّية في البحر الأحمر وأبلغ المفتشون أن التخصيب قد تباطأ بشكل كبير.
يقول بعض المحللين إنه كان هدوءاً مؤقتاً وخادعاً. وصفت سوزان مالوني، مديرة برنامج السياسة الخارجية في مؤسسة بروكينغز وخبيرة إيران، الأمر بأنه "محاولة يائسة كانوا يأملون أن تحافظ على بعض السرية في المنطقة خلال الانتخابات".
هجمات من جميع الجهات
يقول المسؤولون الاستخباراتيون الأمريكيون إن إيران لم تبدأ أو توافق على هجوم حماس في إسرائيل، وربما لم يتم حتى إبلاغها به. قد تكون حماس خشيت أن يتسرب خبر الهجوم من إيران، نظراً لمدى اختراق المخابرات الإسرائيلية والغربية للبلاد.
ولكن بمجرد بدء الحرب ضد حماس، شنت القوات الوكيلة لإيران الهجوم. ومع ذلك، كانت هناك مؤشرات كبيرة تدلّ على أن إيران، التي تواجه مشاكل داخلية خاصة بها، أرادت الحدّ من النزاع، وقد ناقشت الحكومة الإسرائيلية الحربية ضربة استباقية على حزب الله في لبنان في وقت سابق، مخبرة الأمريكيين أن هجوماً على إسرائيل أصبح وشيكاً وهو جزء من خطة إيرانية لمهاجمة إسرائيل من جميع الجهات.
دفع مساعدو بايدن بالتمهّل، معتبرين أن التقييم الإسرائيلي كان خاطئاً، وقاموا بمنع الإسرائيليين من تنفيذ أي ضربة. يعتقدون أنهم منعوا - أو على الأقل أجّلوا - حرباً أوسع.
ومع ذلك، في الأيام الأخيرة، عاد التهديد بحرب مع حزب الله إلى الظهور فقد أطلق الحزب عشرات الصواريخ على موقع عسكري إسرائيلي يومي الجمعة والسبت فيما وصفته بأنه "ردّ أوّلي" على مقتل قائد حماس البارز، صالح العاروري، الأسبوع الماضي في لبنان.
وقد حذّر بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية، مثل وزير الدفاع يوآف غالانت، من أن الرضا عن نوايا حماس لا ينبغي تكراره مع حزب الله، الذي يُعتقد أن لديه ما يصل إلى 150 ألف صاروخ موجه نحو إسرائيل وقد درب بعض قواته، قوة الرضوان، لغزو عبر الحدود.
ولكن في واشنطن، القلق الآن أقلّ حول هجوم حزب الله على إسرائيل من هجوم إسرائيلي على حزب الله، وقد أخبرت الولايات المتحدة إسرائيل أنه إذا عبر حزب الله الحدود، ستدعم واشنطن إسرائيل - ولكن ليس العكس.
يبدو أن حزب الله كان حذراً حتى الآن في عدم إعطاء الإسرائيليين عذراً لعملية عسكرية. لا يزال حزب الله، الذي أوجدته إيران، أقوى قوة في لبنان، كحماية لنفسها، وليس الفلسطينيين. حزب الله هو رادع ضد أي هجوم إسرائيلي كبير على إيران، نظراً للدمار الذي يمكن أن تلحقه آلاف الصواريخ بإسرائيل.
هذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل إيران ترغب في إبقاء حزب الله خارج الحرب في غزة، وإلا فقد تهاجم إسرائيل إيران مباشرةً، وفقاً لما قاله مئير جافيدانفار، محاضر عن إيران في جامعة ريخمان الإسرائيلية، مشيراً إلى أن نفتالي بينيت، رئيس الوزراء السابق، طالما دعا إلى قطع "رأس الأخطبوط، وليس فقط أرجله"، مثل حماس وحزب الله.
وعطفاً على ما سبق، فقد قالت السيدة مالوني من مؤسسة بروكينغز،"لا أرى اهتماماً كبيراً من إيران في التصعيد في هذه المرحلة لأنهم يحققون معظم مصالحهم دون ذلك."
لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إن إيران لا تملك السيطرة التشغيلية على العديد من وكلائها، وإن شدة الهجمات بعيداً عن الحدود "اللبنانية-الإسرائيلية" يمكن أن تكون شرارة لنزاع أكبر.
نفذ الوكلاء الإيرانيون في العراق وسورية أكثر من 100 هجوم من هذا النوع، والتي أدت إلى ضربات مضادة موجزة عندما تسببت في خسائر أمريكية. يوم الخميس، أدت ضربة صاروخية أمريكية في بغداد - وهي حدث نادر - إلى مقتل مشتاق جواد كاظم الجواري، نائب قائد ميليشيا مدعومة من إيران وكان "مشاركاً بنشاط في التخطيط وتنفيذ الهجمات ضد الأفراد الأمريكيين"، حسبما قال البنتاغون.
أزمة في البحر الأحمر
كان الجزء الأكثر تأثيراً عالمياً في النزاع متمركزاً حول البحر الأحمر، حيث تستهدف قوات الحوثيين في اليمن، باستخدام الاستخبارات والأسلحة الإيرانية، ما يسمونه "سفن إسرائيل". في الواقع، يبدو أنهم يستهدفون جميع السفن بالصواريخ الحرارية التي لا تفرق بين الأهداف، وباستخدام قوارب سريعة للصعود والسيطرة على الناقلات.
عندما جاءت البحرية الأمريكية لإنقاذ سفينة شحن تابعة لشركة ميرسك التي كانت قد تعرضت لهجوم الأسبوع الماضي، فتح الحوثيون النار على مروحيات البحرية، فرد طيارو البحرية بإطلاق النار وأغرقوا ثلاثة من القوارب الحوثية الأربعة، مما أدى إلى مقتل 10، حسبما أفاد الحوثيون.
علقت ميرسك، وهي واحدة من أكبر شركات الشحن في العالم، جميع الرحلات المارّة عبر البحر الأحمر "في المستقبل المنظور"، مما يعني أنها تسلك طريقاً آخر حول أسرع مسار بين أوروبا وآسيا - قناة السويس. تحذر الشركات حول العالم، من إيكيا إلى بي بي، من تأخيرات سلاسل التوريد.
جمعت واشنطن ائتلافاً من الدول للدفاع عن السفن، ولكنه يعتمد بشكل كبير على الوجود البحري الأمريكي. وحتى الآن كان السيد بايدن متردداً في مهاجمة الحوثيين في اليمن، لكن يبدو أن ذلك يتغير، حسبما يقول المسؤولون.
وقعت الولايات المتحدة و13 حليفاً على بيان الأسبوع الماضي يعطي ما وصفه مسؤول في الإدارة بـ "تحذير نهائي" للحوثيين لوقف "هذه الهجمات غير القانونية وإطلاق سراح السفن والطواقم المحتجزة بشكل غير قانوني"، ولكن البيان لم يأتِ على ذكر إيران.
يعمل البنتاغون على تحسين خطط كيفية ضرب مواقع إطلاق الحوثيين في اليمن، ومن المحتمل أن يكون هناك نوع من الهجوم على أصول الحوثيين في اليمن في أقرب وقت يحدث فيه هجوم آخر، كما يوحي المسؤولون، كتحذير حاد لمحاولة استعادة الردع.
"في هذه المرحلة، هناك حاجة إلى رد عسكري كبير ضد متمردي الحوثيين، الذين هم في الواقع قراصنة إيرانيون"، كما قال جيمس ج. ستافريديس، أميرال متقاعد. "تجربتنا مع القراصنة الصوماليين منذ سنوات تظهر أنه لا يمكنك فقط التعامل مع الهجمات بمنطق دفاعي؛ بل عليك الذهاب إلى الشاطئ لحل مشكلة مثل هذه. هذه هي الطريقة الوحيدة لإيصال الرسالة إلى إيران."
وأضاف الأميرال: "فكرة أننا سنقوم فقط بدوريات في البحر الأحمر، بحجم كاليفورنيا"، بـ "نصف دزينة من سيارات الشرطة - سفننا هناك - غير واقعية".
يواجه السيد بايدن خيارات صعبة، فقد تراجع عن الشرق الأوسط للتركيز على المنافسة مع الصين وردعها، ولكنه الآن يُجرُّ إلى داخل المنطقة مرة أخرى.
"قامت الولايات المتحدة ببناء شبكة من الردع، تشير إلى أنها غير مهتمة بحرب إقليمية ولكنها مستعدة للتدخل رداً على استفزازات إيران"، كما قال هيو لوفات، خبير الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. ولكن وجود الحاملات والقوات الأمريكية يجعل واشنطن أكثر عرضة، كما قال. "لذا فإن هذه الشبكة من الردع يمكن أن تكون سبباً للتصعيد."
تسارع زمني في البرنامج النووي الإيراني: بين التفاوض والمواجهة
إن مستقبل البرنامج النووي الإيراني، مع إمكانية المواجهة المباشرة مع الغرب، هي احتماليات دائمة الوقوع بالإضافة إلى جميع النزاعات المحتملة.
كانت سنوات المفاوضات الدبلوماسية، والأعمال السرية لتعطيل أجهزة الطرد المركزي النووية الإيرانية، واغتيالات إسرائيل لعلماء إيرانيين، تركز على هدف واحد: تمديد الوقت الذي ستحتاجه إيران لتجميع الوقود اللازم لصنع قنبلة. عندما تم التوصل إلى الاتفاق في عام 2015، احتفلت إدارة أوباما بأكبر إنجازاتها - وهو أن هذا الجدول الزمني، كما زعمت، كان أكثر من عام.
اليوم، كما لاحظ السيد ريفيير، الآن سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة، "نحن نتحدث عن بضعة أسابيع فقط"، وهي حالة كانت في السنوات السابقة من شأنها أن تثير أزمة بالتأكيد. (ومع ذلك، من المحتمل أن يستغرق تحويل هذا الوقود إلى قنبلة فعالة سنة أو أكثر، مما يمنح الغرب المزيد من الوقت للتفاعل).
اعترف المسؤولون في إدارة بايدن بأنهم تحدثوا قليلاً، لأن خياراتهم محدودة للغاية، ومع توريد إيران للأسلحة لروسيا وبيع النفط للصين، لا يوجد أمل في اتخاذ إجراء من مجلس الأمن.
وتخلى مساعدو بايدن عن الاهتمام بإحياء الاتفاقية لعام 2015، لأنها أصبحت الآن قديمة، كما تم التفاوض عليها في البداية، سيُسمح لإيران بإنتاج أكبر قدر تريده من الوقود بدءاً من عام 2030.
"إيران تقوم بالتخصيب لأنها تستطيع"، كما قالت السيدة مالوني. "كان هدفهم دائماً هو الانتظار حتى يتلاشى الضغط ومنح أنفسهم خيار برنامج أسلحة".
المصدر: نيويورك تايمز
بقلم: ديفيد إي سانجر وستيفن إيرلانجر
ترجمة: عبدالحميد فحام