مخيم الهول…  "أوشفيتز سورية" أم "غوانتنامو قسد"؟

 مخيم الهول…  "أوشفيتز سورية" أم "غوانتنامو قسد"؟

مخيم الهول…  "أوشفيتز سورية" أم "غوانتنامو قسد"؟

نداء بوست-التحقيقات والمتابعات-خاص 

كيف لمخيم أن يصبح كارثة اجتماعية تهدد جيلاً كاملاً في منطقة باتت أشبه بمعسكر الاعتقال النازي الشهير" أوشفيتز" وبسجن "غوانتنامو" الشهير لكن بإدارة قسد، حياة يجري اتهامها بأنها مؤدلجة حتى العمق، حيث تزعم قسد أن نساء المخيم يقمن ببث الأفكار العقائدية للأطفال لإعادة بناء الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة.

فما هي حقيقة ما يجري في الهول؟

مخيم بدأ يتصدر عناوين الصحافة العالمية التي تتحدث عن ممارسات خطيرة تجري داخله يقولون إنها تهدد العالم بأسره لكن هذه المرة بأمر من (زوجات أمراء داعش). بينما يرفض آخرون مثل هذه الاتهامات ويعتبرونها محاولة من قسد التي يتحكم بها حزب العمال الكردستاني لتبرير سيطرتها على المحافظات السورية الثلاث دير الزور والحسكة والرقة وشرعنة التغيير الديموغرافي الذي قامت به في هذه المنطقة؛ تهجير السكان وتجريف القرى واعتقال عشرات الآلاف دون محاكمات ولا وثائق علنية تبرهن على أي اتهام موجه لنساء قيل إنهن كن قيادات في داعش وإنهن ما زلن يمارسن أدوارهن في التأثير على جيل من الأطفال المعتقلين في المخيم، ويتساءل آخرون: ما الذي يفعله أطفال دون سن الرشد في معسكر اعتقال؟ ولماذا تتم معاملة هؤلاء الصغار على أنهم متهمون سلفاً حتى قبل أن يبلغوا العمر الكافي للتعبير عن آرائهم؟

كل ذلك يجعل من مخيم الهول لغزاً محكم الإغلاق محاطاً بالأسئلة وجريمة العقوبة الجماعية التي شملت المتهم والبريء، الكبير والصغير الرجال والنساء والأطفال، سكان المنطقة وأولئك الذين قدموا إليها من دول عديدة للانضمام إلى قوات داعش، وصولاً إلى معتقلات ومعتقلين من جنسيات عربية عديدة.

داعش يبدأ من جديد

وبالرغم من انحسار سيطرة التنظيم عسكرياً وتدمير آخِر معاقله عقب معارك شرسة مع قوات التحالف الدولي إلا أن قسد تتذرع بخطر عودة التنظيم التي لا تزال قائمة بوجود كتل بين مراكز ومخيمات ومراكز اعتقال مؤقتة ومخيمات تديرها نساؤهم وذلك من خلال نشر أفكار ومعتقدات التنظيم بين النساء والأطفال داخل مخيمات الاحتجاز في الهول والمالكية أقصى شمال شرق سورية.

وتزعم قسد أن بعض النساء المتشددات واللاتي يتحكمن بقرارات التنظيم داخل المخيم تصر على تطبيق مناهج وأيديولوجيات التنظيم وتلقينها للأطفال للمحافظة على تلك الأفكار والمعتقدات لإعداد جيل من الأطفال الذين يحملون أفكار ومعتقدات تنظيم داعش.

خطورة نساء التنظيم

وذكرت بعض المصادر الخاصة لمراسل "نداء بوست" أن بعض النساء يقُمْنَ باستغلال عدم وجود مدارس لتعليم الأطفال حيث قُمن بافتتاح مدارس خاصة تتألف من خمس مراحل يتم فيها تعليم الأطفال إضافة لزرع الفكر المتطرف في عقول الأطفال غير البالغين.

وأضافت المصادر أن العملية تتم داخل خيام خاصة يجري تبديلها بين الحين والآخر وذلك تفادياً لحملات المداهمة التي قد تشنها "قسد" المسؤولة عن حماية المخيم.

كما أشارت المصادر إلى أن النساء يتمسكن بتفعيل دور ما يسمى جهاز "الحسبة" الذي يأخذ على عاتقه تنفيذ القرارات ومحاسبة المخالفات منهن وتنفيذ عقوبات تشمل الجلد والتعذيب وتصل حد القتل أحياناً.

وبحسب المعلومات المذكورة لموقع "نداء بوست" فتعتبر أكثر النساء تفرداً بالقرارات داخل المخيم الأجنبيات من حملة الجنسية التونسية والصومالية والروسية أيضاً حيث تحمل هؤلاء النساء مسؤولة تسيير أمور بقية النساء والأطفال داخل المخيم.

ويشهد المخيم باستمرار حالات اغتيال بحق المحتجزين من مختلف الجنسيات وطالت بدورها عمليات الاغتيال عاملين ضمن المنظمات الدولية المتواجدة في المخيم لأسباب مختلفة، ويقطن في مخيم الهول ما يقارب 53 ألف شخص من 56 دولة بينهم 27 ألف مواطن عراقي و18 ألف سوري بينما يشكل الأجانب 10% ويشكل الأطفال نسبة ثلثَي المخيم.

وبالرغم من محاولات قسد المستمرة لضبط الأمور داخل المخيم إلا أن كافة محاولاتها وعملياتها الأمنية باءت بالفشل، كان آخِر تلك الحملات في شهر آب/ أغسطس من العام الماضي عندما شهد المخيم حملة واسعة استمرت نحو شهر تقريباً وانتهت باعتقال 226 شخصاً بينهم نحو 36 من النساء.

وعثرت خلالها القوى الأمنية على خنادق وحفر كانت تستخدمها خلايا التنظيم في عملياتها إضافة لمصادرة العديد من الأسلحة والذخائر وتهديم عشرات الخيام التي كانت تُستخدم لتدريس مناهج خاصة بالتنظيم للأطفال.

وشهد مخيم المالكية خلال العام الماضي عدة عمليات إعدام ميداني لنساء قيل إنهن قمن بخلع الحجاب داخل المخيم مما اضطر إدارة المخيم إلى عزل هؤلاء النساء في قسم خاص في محاولة منها لحمايتهن من عمليات الاغتيال على حد تعبيرها.

 ماذا لو بقي الحال كما هو؟

في حال استمرت الدول المعنية برفض استعادة رعاياها من داخل تلك المخيمات وبخاصة الأطفال فإن جيلاً جديداً سوف ينشأ معزولاً عن العالم الخارجي متشبعاً بأفكار ومعتقدات التنظيم مما ينبئ بعودة فعلية للتنظيم خلال سنوات قليلة.

ومن ناحية التمويل فإن معظم النساء داخل المخيم يعتمدن بشكل رئيسي على الحوالة المالية التي تصل إلى المخيمات دون رقابة من قبل إدارة المخيم والتي تستخدم في الغالب في عمليات تهريب النساء من داخل المخيم بالتعاون مع بعض القيادات العسكرية التابعة لقسد في المخيم.

وبالنسبة لأعضاء تنظيم داعش من الذكور فيتم احتجازهم بعدة مراكز وسجون تشرف عليها قوات قسد وبدعم من قوات التحالف الدولي في مقدمة تلك السجون سجن الصناعة في الحسكة وسجن "علايا" في مدينة القامشلي وسجن الكم الصيني في بلدة "الشدادي" إضافة لسجن الرقة المركزي وسجن عايد في مدينة الطبقة وعشرات السجون والمراكز الأخرى في محافظة دير الزور.

وضم سجن الصناعة بالحسكة نحو 6000 معتقل من عناصر التنظيم معظمهم من المتشددين وقيادات الصف الأول وهذا ما يفسر الهجوم العسكري الذي شنه عناصر التنظيم على السجن بداية العام الماضي محاولين تحرير المعتقلين لإعادة بناء التنظيم مرة أخرى.

إلا أن تدمير السجن بعد العمليات العسكرية التي شهدها أجبر قسد على نقل المعتقلين إلى المراكز الأخرى الموزعة بمختلف مناطق سيطرة قسد شمال شرق سورية.

غوانتنامو في سورية

ويعاني السجناء داخل مراكز الاعتقال تلك كل أنواع التعذيب والضغط النفسي والإهانة من قِبل العناصر المسؤولين عن حماية السجون حيث شهد سجن الرقة وسجن الصناعة بالحسكة عدة حالة استعصاء للاعتراض على المعاملة السيئة من قِبل قسد ولا يزال خطر عودة التنظيم قائماً خاصة مع وجود عناصره مجمعين في مراكز الاعتقال أو في المخيمات الخاصة التي تضم النساء والأطفال وهو ما ينذر بكارثة حقيقية في حال عدم وجود حل جذري لتلك المشكلة.

"الهول" ورقة قسد الرابحة

تطلب قسد دعماً مادياً بشكل مستمر من قوات التحالف الدولي المؤلف من 85 دولة كما طلبت حتى الآن من المملكة المتحدة البريطانية ما يقارب 20 مليون دولار  لتعزز سيطرتها في المنطقة الأمنية بذريعة ضبط مراكز الاحتجاز ومراكز الاعتقال وتستخدمها كورقة ضغط على الجانب التركي لخفض عمليات التصعيد ضد التنظيمات الإرهابية كقسد و "بي كي كي" .

وأفادت بعض المصادر بأن هناك مساعي من قوات قسد بتنسيق مع نظام الأسد لمحاكمة المحتجزين في سورية وبالتالي لا ضرورة لاسترداد الدول رعاياها المحتجزين في المخيمات. وخرجت قسد بمكاسب كبيرة من المعركة على حساب تنظيم داعش، واستطاعت بدورها تلقي دعم من قوات التحالف الدولي وصنعت لها دوراً سياسياً وإعلامياً ذا أهمية في المنطقة فضلاً عن الدعم المادي والدعم اللوجستي الذي تتلقاه قسد من الولايات المتحدة الراعي الرسمي لحماية حقوق ومبادئ إقامة الدولة الكردية.

يقول الباحث الدكتور " محمود الحمزة" لـ “نداء بوست": "بالطبع مخيم الهول يشكل مأساة حقيقية لأنه يضم العديد من النساء والأطفال المدنيين ولا علاقة لهم بتنظيم داعش
بل عائلات لأشخاص ينتمون للتنظيم وكثير منهم من عشائر دير الزور لكن أرادت قسد أن تحارب داعش بهم كما تدعي".

وأشار "الحمزة" إلى أن هناك بعض النساء اللاتي يؤمنَّ بأفكار داعش ويقمن بتلقين أبنائهن وزرع الأفكار "المتطرفة" دون رقابة في التربية والتعليم وقسد والولايات المتحدة على معرفة تامة بذلك لكن يصرون على إبقاء الوضع ما هو عليه بالإضافة إلى بعض الممارسات في المخيم كـ “الفساد وتجارة الممنوعات وبيع النساء والأطفال".
الهول مركز احتجاز

كما أضاف "الحمزة" قائلاً: "لذلك مخيم الهول ليس مخيماً لعائلات بل هو معسكر اعتقال بكل ما تعنيه الكلمة وهو تحت سيطرة قسد وتغاضيها باستمرار عما يجري من ظواهر خطيرة ومهددة لأجيال وأطفال لا ذنب لهم فاقم المشكلة لأن قسد تستخدمهم كورقة تخدم مصالحها".

وختم "الحمزة" بقوله: "مخيم الهول يذكرني بمعتقل غوانتنامو الأمريكي الذي استمر طويلاً وبشروط غير إنسانية لكن هناك أبرياء تم احتجازهم لسنوات في هذا المعتقل الذي تمت به ممارسة أبشع أنواع التجارب والتعذيب والعنف الجسدي على السجناء لكن حل مشكلة المخيم مرتبطة بالحل السياسي في سورية فإن لم تحل ينتهي نظام الأسد وقسد ولن تَحل مشاكل المعتقلين في السجون السورية وفي مخيم الهول أيضاً".

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد