مجزرة الغوطة الشرقية.. تاريخ بقاء بشار الأسد في السلطة
قبل عشر سنوات، في الساعات الأولى من يوم الحادي والعشرين من شهر آب/ أغسطس 2013، أطلقت قوات رئيس النظام السوري بشار الأسد صواريخ تحمل غاز السارين على منطقة الغوطة الشرقية الواقعة تحت سيطرة المعارضة في ضواحي العاصمة السورية دمشق.
من البديهيات التي لا يخطئها العقل هي الحقيقة القائلة: إن التاريخ لا يتحرك وفق مسارات وخطوط ثابتة ولكننا إذا أردنا تحديد نقطة زمنية تعلن عن بداية عصر الإفلات من العقاب الذي يتمتع به الطغاة اليوم، فإن هجوم الأسلحة الكيميائية في الغوطة هو اللحظة التي انهارت فيها المعايير القديمة التقليدية.
انتشر الغاز السام عديم الطعم والرائحة والمسبب للانهيار العصبي بهدوء في أرجاء الغوطة حيث بدأ الأطفال -وهم لا يزالون في ثياب نومهم- التقيؤ من أفواههم وبدأت رغوة بيضاء تخرج من أنوفهم وأفواههم، وهم مشلولون في أماكنهم، وما لبث أن بدأ جهاز التنفس لديهم بالتوقف عن العمل، ما أدى لوفاة أكثر من 1400 شخص.
إفلات بشار الأسد من العقاب
وبعد أسبوع من الهجوم، عرقل حزب العمال بقيادة "إد ميليباند" والمعارضون من حزب المحافظين في بريطانيا تصويتاً برلمانياً للتدخل العسكري البريطاني، كما فقد الرئيس الأمريكي شجاعته للتحرك والرد على تلك المجزرة، متأثراً بعدم وجود دعم بريطاني لموقفه من جانب، وبالمزاج الشعبي الأمريكي الغاضب من الحرب الأمريكية على العراق بسبب فقدان عدد من الجنود الأمريكيين في تلك الحرب من جانب آخر.
ولكن أوباما وعلى الرغم من كل تلك المعوّقات قام بإصدار تهديد اشتهر باسم "الخط الأحمر" الذي يتوعد من خلاله بالرد في حال استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، وهو "الخط" الذي ما لبث أن تبدّد.
اختار أوباما بدلاً من ذلك اتخاذ تدابير دبلوماسية عقابية، في ذلك الحين قفزت روسيا لتقدم خدماتها وعرضت نزع ترسانة السلاح الكيميائي التي يمتلكها النظام السوري، ثم أطلقت كل من موسكو ودمشق بعد ذلك حملات تضليل ضخمة لتشويه سمعة الشهادات والمحققين الدوليين المعنيين بملف استخدام السلاح النووي في الغوطة.
300 هجوم كيميائي
من 2013 إلى 2019، كان هناك حوالي 300 هجوم بالأسلحة الكيميائية موثّقة في سورية -حوالي واحد كل ستة أيام- وفقاً لوحدة السياسة العامة العالمية. لم يتم محاكمة أحد أو مقاضاته عن الهجمات الكيميائية، وقد استخدمت روسيا حق النقض لأي إجراء جاد ضد حليفها النظام السوري.
الهجوم جعل من الأسد شخصية محتقرة دولياً وتم نبذه عربياً، إلا أنه بعد عقد من الزمن، تم استقباله مجدداً في جامعة الدول العربية، وفرح بمصافحة المندوبين في مؤتمر "كوب 28" للمناخ الذي انعقد في دبي في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث تتطلع القوى الإقليمية لإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم والحدّ من تصدير نظام الأسد لعقار "الكبتاغون".
حتى الآن، لا يبدو أن أياً من هذه الأهداف قريب من التحقيق، كما يكتب المحلل تشارلز ليستر، حيث استخدمت روسيا حق النقض لوقف تمديد التفويض الخاص بإيصال المساعدات عبر الحدود إلى شمال غرب سورية؛ واستَأنفت الغارات الجوية في شمال غرب سورية لأول مرة منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2022؛ ويقول الأسد خاصة: إنه لن يتفاوض مع لجنة تديرها الأمم المتحدة تسعى للتفاوض بين الأسد والمعارضة السورية.
مجزرة الغوطة الشرقية يوم ماتت الإنسانية
كان الدكتور محمد كتوب، طبيب أسنان سوري -واحد من أول المستجيبين في الغوطة في عام 2013- قال في شهادته على تلك المجزرة: "تحضرنا لوصول مئات الأشخاص فقط إلى المركز الطبي، لكن الآلاف جاءوا".
وتابع الدكتور كتوب بالقول: "في النهاية تم نقل العديد من المرضى في شاحنات المزارعين. كانوا يحاولون المساعدة، لكن ليس لدى أحد أي معدات واقية".
ويقول كتوب: إنه بينما كانت هناك تحقيقات عديدة، ركز العالم على التخلص من أسلحة الأسد الكيميائية بدلاً من محاسبته على الهجوم.
كما أضاف: "الرسالة لأي طاغية آخر هي أنك يمكنك استخدام الأسلحة الكيميائية، والشيء الوحيد الذي تهتم به الحكومات الأخرى هو المخزون من السلاح نفسه"، ويقول في استنتاج بديهي: "عندما لا تفعل شيئاً لمحاسبة الجاني، فإنك بذلك ترسل رسالة للطغاة مفادها أنه "يمكنكم فعل المزيد من تلك الجرائم".
في خط نظر مستقيم، تبلغ المسافة 1,200 ميل من دمشق إلى كييف وهو نفس الخط الذي يمكن تتبع فشل العالم المشترك في سورية من اتخاذ إجراء لمعاقبة المجرمين وهو الأمر الذي أدى إلى موت الأوكرانيين في منازلهم.
تم اختبار إستراتيجيات روسيا لمهاجمة المرافق الصحية وتدمير البنية التحتية والخدمات المجتمعية جميعها في سورية. يُستخدم نفس حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لنفي جرائم الحرب في كل من سورية وأوكرانيا.
ويقول كتوب: "أدى هذا التصويت [في البرلمان البريطاني] وغيره من التقاعس من الدول الغربية إلى الإفلات من العقاب الذي نراه اليوم".
وليس من قَبيل المصادفة أن استطلاعاً للرأي أجرته شبكة "سي إن إن" مؤخراً أظهر أن أغلبية الأمريكيين يعارضون التمويل الإضافي لدعم أوكرانيا، مع انقسام الرأي العام حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد فعلت ما يكفي.
إن نظرة واحدة إلى سورية لا بد أن تكون كافية لتذكير المسؤولين الأمريكيين بالتكلفة الحقيقية لحُجج توفير وهمية.
المصدر: تورتيز (منصة أخبارية بريطانية)
بقلم: ويل براون
ترجمة: عبدالحميد فحام