في أرض النفط والقمح.. سوريون يقتاتون على نفايات الجيش الأمريكي

في أرض النفط والقمح.. سوريون يقتاتون على نفايات الجيش الأمريكي

المصدر: بي بي سي/ ترجمة: عبد الحميد فحام

وسط أكوام من النفايات، المحاطة بالأبخرة السامة الناتجة عن حرق القمامة، تبحث مجموعة صغيرة من الناس عن طعام لتتناوله وتقوم بجمع البلاستيك لبيعه من أجل إعادة تدويره.

وتقول علياء: إن هذه ليست هي الحياة التي أرادتها لأطفالها.

فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، كانت تخرج في تمام الساعة السابعة صباحاً كل يوم في رحلة تستغرق ساعتين إلى مكب النفايات في تل بيدر، شمال شرق سورية، وغالباً ما تأخذ ولاء معها.

ابنة علياء الكبرى، التي ولدت عندما كانت علياء بالكاد في سن المراهقة، تبقى في المنزل لرعاية طفل أصغر منها.

علياء وولاء لا تعودان حتى وقت غروب الشمس. وإلى أن يحين ذلك الوقت، تكون الأسرة بدأت تتضور جوعاً.

تقول علياء: "لطالما حلمت أن تدرس بناتي مثل الفتيات الأخريات".

"لكنهم الآن مثلي، لا يعرفون القراءة ولا الكتابة على الإطلاق."

إن مكب نفايات الجيش الأمريكي هو المصدر الوحيد للغذاء والدخل. حيث تقول علياء البالغة من العمر 25 عاماً: "الناس يقومون بإذلالنا؛ إذ يسموننا حثالة".

تظهر أحدث أرقام الأمم المتحدة أنه بعد أكثر من عقد من الحرب، أن ما يقدر بنحو 15.3 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية. وأربعة من كل خمسة أشخاص من هذا المجموع لا يحصلون على طعام كاف، وولاء ابنة علياء هي واحدة من أولئك الأشخاص.

وتقول الفتاة البالغة من العمر 12 عاماً: "نحن هنا من أجل العثور على اللحوم، والطعام لأننا جائعون".

في الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه قسد، دمرت الحرب ضد (داعش) الاقتصاد المحلي.

وقد كان زوج علياء يعمل كعامل في مزرعة، ولكن عندما توفي قبل 10 سنوات، انهارت أركان الأسرة.

الحرب المستعرة والجفاف المتفاقم والظروف الاقتصادية السيئة جعلت من ولاء فتاة يائسة.

وصلت شاحنة إلى المكب واندفع الأطفال إلى مكان إفراغ القمامة من الشاحنة.

بدأ عامر البالغ من العمر 15 عاماً بالنبش في أكوام القمامة السوداء بحثاً عن قطع الدجاج المتبقية.

بدأ بمصّ العظام والبحث عن المزيد منها.

يقول: "لو كانت هناك مهن أخرى، لكنت عملت في مكان آخر. لكن لا يوجد شيء آخر أفعله".

عامر هو العائل الوحيد لأسرته المكونة من 11 فرداً.

يكسب ما بين 3000 و5000 ليرة سورية (حوالي 1-2 دولار؛ 0.80-1.60 جنيه إسترليني) في اليوم من بيع البلاستيك الذي يعثر عليه، وهذا بالكاد يكفي للبقاء على قيد الحياة.

يقول: "أصبحت الأمور صعبة بعد الحرب. فلم يعد يمكننا حتى شراء الخبز".

قاتل شقيق عامر إلى جانب القوات الأمريكية ضد تنظيم داعش في المنطقة.

لقد أصيب مؤخراً في دورية وهو بالكاد يكسب ما يكفي من المال لإعالة أسرته.

ويضيف عامر: "على الأمريكيين أن يفعلوا المزيد لمساعدتنا".

القتال ضد داعش

في عام 2015، نشرت الولايات المتحدة قواتها في سورية لدعم قسد التي تقودها وحدات حماية الشعب YPG في قتالها ضد داعش. وبعد أربع سنوات، أعلنوا الانتصار على التنظيم في سورية.

المنطقة الآن تحكمها إدارة متعددة الأعراق بقيادة الأكراد، لكن الحياة لا يمكن أن تكون طبيعية.

يقول رئيس منظمة غير حكومية تعمل في مشاريع تنموية في المنطقة، طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، "ما يحدث في الشمال الشرقي هو نتيجة طبيعية لتدهور الأوضاع في البلاد".

كانت الأراضي الزراعية الشاسعة وحقول النفط في الشمال الشرقي مصدراً رئيسياً للدخل بالنسبة لسورية.

إن الارتفاع الصاروخي في أسعار المواد الغذائية، وتزايد التهديدات الأمنية، وتضاعف عدد السكان بسبب وصول مئات الآلاف من النازحين أدى إلى زيادة معدلات الفقر.

ويعتمد الكثير من الناس الآن على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، لكن ندرة التمويل والقيود اللوجستية تعني أن المساعدات لا تصل إلى جميع المحتاجين.

تكافح الأمم المتحدة من أجل إيصال المساعدات إلى المنطقة، خاصة بعد أن منعت روسيا والصين قراراً للأمم المتحدة يجيز استمرار عمليات التسليم عبر معبر حدودي عراقي في عام 2020. وهذا يعني أن الأشخاص الذين يعيشون في الشمال الشرقي اضطروا إلى البدء في الاعتماد على دفعات من المساعدات تأتي من الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام السوري.

وأوضح رئيس المنظمة غير الحكومية أنه حتى المساعدات التي تصل يتم إرسالها في الغالب إلى مخيمات النازحين والمناطق الأكثر تضرراً من الحرب، مثل الرقة ودير الزور.

ويتم إغفال المناطق الريفية الواقعة بينهما، مثل القرى المحيطة بتل بيدر وغيرها.

يقول الصحفي حمزة حمكي من مدينة القامشلي: إن "الغوص في القمامة" ليس منتشراً في الشمال الشرقي، لكن عدد الأشخاص الذين يلجؤون إليه في تزايد.

"الناس بحاجة إلى مشاريع تنموية. إنهم بحاجة إلى إعادة إعمار. لكن هذه المشاريع غير موجودة، مما يساهم في ارتفاع معدلات الفقر".

إن التهديدات الأمنية المستمرة تعرقل أي خطط لتمويل مثل هذه المشاريع.

وتسيطر وحدات حماية الشعب (YPG) على قوات سورية الديمقراطية، والتي تصنفها أنقرة على أنها منظمة إرهابية. وترى وحدات حماية الشعب على أنها امتداد لحزب العمال الكردستاني، الذي حارب من أجل الحكم الذاتي الكردي في تركيا منذ عقود، وتقول: إن وجود التنظيم في المناطق الحدودية يشكل تهديداً أمنياً. بالإضافة إلى خطر عودة ظهور داعش.

إن وجود حوالي 900 جندي أمريكي في سورية يوفر الحماية من هذه التهديدات. لكن لم يتضح بعد إلى متى ستبقى القواعد الأمريكية هناك عاملة.

يقول حمكي: "إذا انسحبت الولايات المتحدة، فلن يستغرق الأمر أكثر من 24 ساعة حتى تصبح المنطقة بأكملها في يد تركيا أو النظام السوري"، مضيفاً أن كلا السيناريوهين سيكون لهما تداعيات "كارثية" على الناس في المنطقة.

ويقول: "ليس لدى الناس مشاكل مع أي جانب. فالناس يريدون فقط العيش بكرامة".

لقد أمضى أطفالاً مثل عامر وولاء حياتهم كلها وهم لا يعرفون شيئاً سوى الحرب واليأس.

يقول عامر: "أتمنى لو كان لدينا المزيد من المال حتى أتمكن من الذهاب إلى المدرسة والعمل في مكان آخر. هذا كل ما أتمناه".

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد