سورية في سياسة تركيا ما بعد فوز أردوغان.. ملفات بانتظار الحسم أهمها التطبيع واللاجئون
حضرت سورية بقوة في تركيا خلال الفترة التي سبقت وأعقبت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولعب الموقف منه دوراً مهماً في التأثير على الرأي العامّ بقصد تحصيل أكبر قدر من أصوات الناخبين.
ويعود السبب في ذلك، إلى تكرار إشهار الأحزاب المعارضة هذه الورقة في وجه الحكومة، وخوضها بتفاصيل دقيقة تخص الملف السوري، حتى وصل بها الحال إلى جعل برنامجها الانتخابي قائماً على ترحيل اللاجئين السوريين.
ولطالما كرر زعيم المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو تصريحاته التي يتوعد خلالها بتطبيع العلاقات مع النظام السوري وسحب القوات التركية من سورية، وإعادة اللاجئين، بعد عام أو عامين فقط من وصوله إلى الحكم.
الحكومة التركية من جانبها، لم تتوانَ عن سحب هذه الورقة من المعارضة ومواجهتها بنفس أدواتها، حيث انخرطت أواخر العام الماضي بمحادثات مباشرة مع النظام السوري برعاية من روسيا.
كما أن كبار المسؤولين الأتراك أكدوا أنه من ضِمن أهداف المحادثات مع النظام تأمين عودة أكبر عدد ممكن من اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
سياسة تركيا في سورية بعد فوز أردوغان
عقب فوز الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات، حددت تركيا بوضوح العناوين العريضة لسياستها في سورية، حيث قالت: إنها ستعيد مليون لاجئ خلال عام بعد إتمام بناء مشروع سكني بالتعاون مع قطر.
وكذلك أكدت أن عملياتها العسكرية العابرة للحدود ستستمر طالما بقيت التهديدات الأمنية، كما جددت التأكيد أن المحادثات مع النظام تهدف إلى تأمين عودة اللاجئين، ومعالجة الهواجس الأمنية، ودفع العملية السياسية.
https://twitter.com/NEDAAPOST/status/1665255413342785537?t=8PkhrMJNnxAgGSLdUc5-WQ&s=19
وعلى الرغم من ذلك، إلا أن سياسة الحكومة التركية الجديدة تجاه سورية لم تتبلور بشكل كامل بالنسبة للسوريين والمتابعين للشأن السوري، خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الكثيرة التي طرأت خلال الأشهر القليلة الماضية.
حيث عاد النظام إلى الجامعة العربية بعد 12 عاماً من تعليق عضويته، كما تعهدت دول عربية بالدخول في محادثات مع الاتحاد الأوروبي لتخفيف الضغط عليه وفك عزلته.
وكل ذلك يزيد الضغوطات على تركيا ويعقد حساباتها خاصة أن أنقرة تعمل على طي صفحة الخلافات مع الدول العربية والانتقال من مرحلة القطيعة إلى التعاون والشراكة.
وعن احتمالية تغير السياسة التركية تجاه سورية، يقول الباحث في الشأن التركي محمود علوش: إنها ستكون استكمالاً للسياسات السابقة، لا سيما بعد الإستراتيجية التي بدأتها أنقرة في الحوار مع النظام.
ويؤكد علوش في حديث لـ"نداء بوست" أن الانفتاح العربي على النظام يضغط بشكل أكبر على تركيا، كون النظام أصبح بموقف أقوى بعد استعادة جزء من شرعيته.
وبطبيعة الحال، يقول علوش: إن التطبيع مع تركيا هو مهم جداً بالنسبة للنظام، وبدون هذا التطبيع ستبقى مسألة شرعية النظام السوري مشكوكاً فيها لاعتبارين، أولهما أهمية وحجم تركيا في المعادلة السورية وثانيهما بالنظر إلى أن تركيا ما تزال الدولة الوحيدة التي تدعم المعارضة السورية.
وتعتبر مصالح تركيا في سورية منعزلة عن أي سياق إقليمي أو دولي، كون تلك المصالح تفرضها معطيات أمنية بشكل أساسي وكذلك ملف اللاجئين، لذلك الانعطافة العربية تجاه النظام تضع تركيا في موقف أضعف لكنها لن تؤثر على التوجه السياسي العامّ تجاه الملفّ السوري، وفقاً لعلوش.
هاكان فيدان والدور المرتقب في سورية
خلال السنوات الماضية، لعب هاكان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات السابق، ووزير الخارجية الجديد، دوراً بارزاً في إدارة الملف السوري بالنسبة لتركيا، كما أنه متابع عن قرب، وعلى دراية بتعقيدات المشهد والتحديات التي واجهتها أنقرة في سورية.
وكذلك كان لفيدان دور كبير في المحادثات السرية ومن ثَم العلنية مع النظام، وبالاتفاقيات التي تم إبرامها بين تركيا وروسيا وإيران من أستانا وسوتشي وغيرها.
وأيضاً كان فيدان المسؤول عن تليين المواقف مع مصر والسعودية والإمارات، حيث قاد خلال السنوات الماضية عدة جولات من المفاوضات التي أثمرت بإعادة العلاقات بين بلاده وتلك الدول.
https://twitter.com/NEDAAPOST/status/1665705788235472896?t=8kACU05lcTR2LC1vP8uaYg&s=19
وعن تأثير وصول فيدان إلى وزارة الخارجية وانعكاساته على الملف السوري، يقول الباحث في الشأن التركي طه عودة أوغلو: إن ذلك يشير إلى رغبة أنقرة في استمرار سياستها السابقة بسورية.
ويرى عودة أوغلو في حديث لـ"نداء بوست" أن فيدان سيركز على الأهداف الرئيسية والأولويات المتعلقة بمكافحة الإرهاب وإعادة اللاجئين، مرجحاً أن تأخذ تلك الملفات "بُعداً آخرَ وجديداً خلال المرحلة المقبلة".
من جانبه، يشير الباحث محمود علوش إلى أن القرار التركي فيما يخص سورية، لا يتعلق بتغيير الأشخاص وإنما بمصالح دولة وقوة إقليمية لديها مصالح متعددة الأوجه في سورية.
لكن تغيير الأشخاص -يقول علوش- إنه "يعني التغيير في أساليب تحقيق الأهداف، لكن بطبيعة الحال السياسة التركية ستبقى قائمة ومرتبطة بمصالح الدولة بدرجة أساسية".
ومن وجهة نظر علوش فإن فيدان سيعمل على تشكيل سياسة توائم بين المصالح الأمنية وبين الدبلوماسية في الفترة المقبلة.
لذلك ستواصل تركيا نفس النهج الذي كان سائداً في العام الأخير على وجه التحديد، خصوصاً فيما يتعلق بمسار الحوار مع النظام.
لكنها ستكون الآن بوضع أفضل وبموقف تفاوضي أقوى، لا سيما أن جزءاً أساسياً من دوافع التحول في العلاقة مع النظام كان نتيجة ضغط انتخابي داخلي، وفقاً لعلوش.
التطبيع مع النظام السوري
أكثر ما أخاف السوريين خلال فترة الاستحقاق الانتخابي في تركيا هو الموقف الجديد من النظام السوري، وكذلك إعادة اللاجئين إلى بلادهم.
ويتخوف السوريون من أن تحذو تركيا حَذْو الدول العربية التي طبّعت مع النظام بشكل سريع ودون أي مقابل، بل تحوّل بعض تلك الدول إلى داعم يسعى إلى تثبيت حكم الأسد.
ويعتقد الباحث طه عودة أوغلو أن تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام سيستمر، لكن دون أن يكون هناك تسرُّع أو تعجُّل تركي بهذا الموضوع خاصة فيما يتعلق بلقاء أردوغان وبشار الأسد.
وأضاف عودة أوغلو: هناك أولويات بالنسبة لأنقرة من هذا المسار، خاصة أن النظام يكرر دائماً نفس التصريحات حول انسحاب القوات التركية من سورية، في حين أن الرد التركي لا يُولي اهتماماً لهذه التصريحات، خاصة أن المسار يسير بشكل أوسع بين تركيا وروسيا الراعية للنظام".
https://twitter.com/NEDAAPOST/status/1668249191527718912?t=DFT4eWsfAcK8TEba1pBWVw&s=19
ويعتمد التطور في هذا المسار على الخطوات التي تُقدم عليها أنقرة والدور الروسي فيها، حيث من المتوقع أن يستمر على المستوى الأمني وبمستوى أقل على السياسي دون الوصول إلى لقاء بين أردوغان وبشار الأسد خلال الأشهر المقبلة خاصة في ظل تعقيدات بعض الملفات كمحاربة الإرهاب وعودة اللاجئين، وفقاً لعودة أوغلو.
ويتوافق علوش مع ما ذكره من عودة أوغلو، حيث رأي أن الحوار سيستمر في الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن هناك تعقيدات كبيرة تعترضه وملفات معقدة مثل مستقبل الوجود العسكري التركي في سورية، وملف إعادة اللاجئين، فضلاً عن عملية دفع المسار السياسي.
وستسعى روسيا إلى التأثير بشكل أكبر على هذا المسار، مثل دفع الجانبين إلى التوصل إلى ترتيبات معينة تمهد لتحول في العلاقة بينهما، بحسب علوش.
اللاجئون السوريون في تركيا بعد فوز أردوغان
شكل فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية، خبراً جيداً للاجئين السوريين في تركيا، خاصة بعد التهديد والوعيد الذي أطلقته الأحزاب المعارضة ضدهم خلال الفترة الماضية.
وسيكون هذا الملف محل نقاش داخلي في تركيا مرة أخرى، خاصة أن الانتخابات البلدية اقتربت لكن بالتأكيد لن يواجه اللاجئون المخاطر التي كانوا سيواجهونها في حال فوز المعارضة.
وعن مستقبل اللاجئين السوريين في تركيا، يعتقد علوش أن أردوغان سيسعى خلال العام الأول من ولايته إلى معالجة ملف اللاجئين أو إعادة جزء كبير منهم.
كما أشار إلى أن هذا الملف سيكون محل نقاش داخلي في تركيا مرة أخرى، خاصة أن الانتخابات البلدية اقتربت، لكن بالتأكيد لن يواجه اللاجئون السوريون المخاطر التي كانوا سيواجهونها في حال فوز المعارضة.
https://twitter.com/NEDAAPOST/status/1668152216350257155?t=E_AsxBF2n7fYjcd-Yg-AOA&s=19
بدوره، لفت عودة أوغلو إلى حالة الطمأنينة التي سادت لدى اللاجئين بعد فوز أردوغان، لكن يظل القلق مستمراً بعد عودة التصريحات التي تتحدث عن إعادتهم دون تحديد آلية، باستثناء الثوابت التي يرددها المسؤولون الحكوميون حول العودة الآمنة والكريمة، على عكس تصريحات المعارضة.
وتمكن أردوغان من سحب ورقة اللاجئين السوريين من يد المعارضة، ولكن من المحتمل أن تكون الأخيرة بعد الخسارة في الانتخابات أكثر حدة وتستخدم أوراقاً أخرى ضد الحكومة مثل الاقتصاد الذي تربطه بملف اللاجئين خاصة قبل الانتخابات المحلية، بحسب عودة أوغلو.
وبخصوص العمليات العسكرية التركية، يرى عودة أوغلو أنها ستظل موجودة على الطاولة خاصة أن وزير الدفاع الجديد كان رئيساً للأركان ومتابعاً عن قرب للعمليات التركية في سورية.
https://twitter.com/NEDAAPOST/status/1665986111695384579?t=04fKe419yK0HN04aqe9FDQ&s=19
كما توقع حدوث ترتيبات جديدة في الشمال السوري بخصوص إدارة المنطقة والتشكيلات العسكرية فيها، مؤكداً أن فترة الولاية الجديدة لأردوغان والمنصب الجديد لفيدان ستكون مختلفة في تعامُلها لهذا الملف عما كانت عليه في السنوات الماضية.