"رويترز": سورية أصبحت أزمة منسيّة لا يرغب أحد بإثارتها

"رويترز": سورية أصبحت أزمة منسيّة لا يرغب أحد بإثارتها

يجتمع الاتحاد الأوروبي مع المانحين الأسبوع المقبل لإبقاء سورية على جدول الأعمال العالمي، لكن مع تزايُد العبء الاقتصادي والاجتماعي للاجئين على الدول المجاورة، أصبح الاتحاد منقسماً وغير قادر على إيجاد حلول لمعالجة هذه القضية. 

يقول الدبلوماسيون: لقد أصبحت سورية أزمة منسية لا يرغب أحد في إثارتها وسط الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس، والتوترات المتزايدة بين إيران والقوى الغربية بشأن أنشطتها الإقليمية.

وليس أمام أكثر من خمسة ملايين لاجئ معظمهم في لبنان وتركيا، وملايين آخرين من النازحين داخلياً أمل ضئيل في العودة إلى ديارهم مع اقتراب الاستقرار السياسي مما كان عليه الحال منذ بَدْء الانتفاضة ضدّ حكم بشار الأسد في عام 2011.

إن التمويل المخصص لدعمهم آخِذ في الانخفاض مع قيام برنامج الأغذية العالمي بتخفيض مساعداته، وتطفو صعوبات استضافة اللاجئين على السطح، لا سيما في لبنان، حيث الوضع الاقتصادي محفوف بالمخاطر، والدعوة إلى إعادة السوريين إلى وطنهم هي إحدى القضايا النادرة التي توحد جميع المجتمعات.

وقال مبعوث أوروبي سابق إلى سورية: "ليس لدينا وسائل رافعة لأننا لم نستأنف العلاقات مع نظام الأسد قط، ولا توجد مؤشرات على أن أحداً سيفعل ذلك حقاً".

وتساءل: "حتى لو فعلنا ذلك، فلماذا يقدم النظام السوري الجزرة للدول التي كانت معادية له، وخاصة تلك التي تحتضن الأشخاص الذين عارضوه على أي حال".

يجتمع كبار الوزراء الأوروبيين والعرب إلى جانب المنظمات الدولية الرئيسية في المؤتمر الثامن بشأن سورية يوم الاثنين المقبل، ولكن بعيداً عن الوعود الغامضة والتعهدات المالية، هناك القليل من الدلائل على أن أوروبا يمكن أن تأخذ زمام المبادرة.

وتأتي المحادثات قُبيل الانتخابات الأوروبية المقررة يومَي السادس والتاسع من حزيران/ يونيو والتي تمثل فيها الهجرة قضية مثيرة للخلاف بين الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد.

ومع توقع أداء الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية بشكل جيد بالفعل، فإن الرغبة في زيادة دعم اللاجئين ضئيلة.

لقد تغير المؤتمر نفسه عما كان عليه قبل ثماني سنوات، لقد تم تخفيض مستوى المشاركة، ولم تَعُدْ أمثال روسيا، الفاعل الرئيسي الذي يدعم الأسد، مدعوّة بعد غزوها لأوكرانيا، إن الوضع الجيوسياسي العالمي وانخفاض حِدّة الصراع يبقيه بعيداً عن الرادارات.

ويبدو أن دول الخليج العربي، التي ساهمت بشكل كبير ذات يوم، غير مهتمة، حيث تقدم القليل من الالتزامات -لا شيء في عام 2023- على الرغم من أن بعضها، على عكس شركائها الأوروبيين، أعاد التعامل مع نظام الأسد في ضوء الحقائق على الأرض.

هناك انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي حول هذا الموضوع، بعض الدول مثل إيطاليا وقبرص أكثر انفتاحاً على إجراء شكل من أشكال الحوار مع نظام الأسد لمناقشة السُّبُل الممكنة على الأقل لتعزيز عمليات العودة الطوعية للاجئين بالتعاون مع الأمم المتحدة وتحت رعايتها.

ومع ذلك، هناك دول أخرى، مثل فرنسا، التي تعترف بالضغط الذي يفرضه اللاجئون على لبنان، وتخشى نشوب صراع أوسع بين حزب الله المدعوم من إيران وإسرائيل، تظل ثابتة على أنه لا يمكن إجراء أي نقاش مع نظام الأسد حتى يتم استيفاء الشروط الأساسية.

الترحيل إلى الاتحاد الأوروبي والهجرة

لكن الواقع على الأرض يفرض مناقشة هذه القضية، وفي مؤشر على التوتُّرات بين الاتحاد الأوروبي والدول المضيفة للاجئين، هدد النواب اللبنانيون برفض حزمة الاتحاد الأوروبي بقيمة مليار يورو التي تم الإعلان عنها في وقت سابق من هذا الشهر، وانتقدوها باعتبارها "رشوة" لإبقاء اللاجئين في طي النسيان في لبنان بدلاً من إعادة توطينهم في أوروبا أو وإعادتهم إلى وطنهم سورية.

وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي لن يحضر مؤتمر بروكسل خلافاً للسنوات السابقة، إن بيروت ستبدأ في التعامل مع القضية بنفسها دون مساعدة دولية مناسبة.

وكانت النتيجة زيادة في قوارب المهاجرين من لبنان إلى أوروبا، حيث أصبحت قبرص القريبة وإيطاليا الوجهات الرئيسية، مما دفع بعض الدول إلى دقّ أجراس الإنذار خوفاً من تدفُّق اللاجئين الجدد إلى الاتحاد الأوروبي.

وقال الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس هذا الشهر خلال زيارة إلى بيروت: "دعوني أكون واضحاً، الوضع الحالي غير مستدام بالنسبة للبنان، وغير مستدام بالنسبة لقبرص وغير مستدام بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ولن يكون مستداماً لسنوات".

وفي تسليط الضوء على الانقسامات في أوروبا، أصدرت ثماني دول (النمسا والتشيك وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا) الأسبوع الماضي بياناً مشتركاً بعد محادثات في قبرص، في مخالفة للمواقف السابقة للكتلة.

قالت فيه إن الديناميكيات في سورية قد تغيرت، وإنه على الرغم من عدم وجود استقرار سياسي بعدُ، إلا أن الأمور تطورت بما يكفي "لإعادة تقييم الوضع" لإيجاد "طرق أكثر فعالية للتعامل مع هذه القضية".

وقال دبلوماسي من إحدى الدول التي حضرت المحادثات في جنيف: "لا أعتقد أنه سيكون هناك تحرُّك كبير فيما يتعلق بموقف الاتحاد الأوروبي، ولكن ربما بعض الخُطوات الصغيرة للمشاركة ومعرفة ما إذا كان يمكن القيام بالمزيد في مختلف المجالات".

وكان آخَر أكثر صراحة، حيث قال دبلوماسي فرنسي: "عندما يحلّ يوم الثلاثاء (اليوم التالي للمؤتمر)، ستُكتسح سورية تحت السجادة وتُنسى، وسيُترك اللبنانيون للتعامل مع الأزمة وحدهم".

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد