تحقيق لـ”نداء بوست”: سورية بلا شبان.. هجرة نحو المجهول هرباً من بطش الأسد وبحثاً عن الحياة

تحقيق لـ”نداء بوست”: سورية بلا شبان.. هجرة نحو المجهول هرباً من بطش الأسد وبحثاً عن الحياة

لا شيء يشغل بال رامي الرجب أكثر من الخروج من سورية والوصول إلى أي بلد آخر بغضّ النظر عن المصير الذي سيواجهه هناك، فمن وجهة نظره فإن جميع البلدان باتت أفضل من بلده بشكلها الحالي.

رامي الشاب الذي أكمل قبل عدة أسابيع عامه الثلاثين من عمره، ترك مقاعد الدراسة عقب اندلاع الثورة والتحق بركبها، وكبر معها عاماً بعد عام، وتلاشت أحلام مهندس المستقبل بشكل مشابه لما فعلته حرب الأسد على سورية والسوريين.

يقول رامي في حديثه لـ”نداء بوست”: إنه يشعر بالعجز في أَوْج شبابه، فلا هو أكمل دراسته وحقق ما كان يحلم به، كما أنه لم يستطع بناء أسرة والعيش كغيره، فلا مال ولا صنعة لديه.

يرى الشاب الذي اضطر على البقاء في ريف حمص الشمالي بعد اتفاق ”التسوية” قبل 5 سنوات، نفسه بأنه ضائع يعيش بلا هدف، حيث بقي مُكرَهاً في المنطقة التي عادت إلى سيطرة النظام، على أمل إكمال تحصيله العلمي والظفر بشهادة يواجه بها الحياة، إلا أن شعبة التجنيد والأفرع الأمنية كان لها رأي آخر، حيث طالبته بالالتحاق بمعسكرات التجنيد بحجة أنه مطلوب للخدمة الإلزامية.

يشير رامي إلى أنه متمكن حتى الآن من تأخير سحبه إلى الخدمة العسكرية، بفضل الرشاوى التي يدفعها لعناصر الأفرع الأمنية، والحصار الذي يفرضه على نفسه، فلا يخرج خارج بلدته، ولا يراجع الدوائر ”الحكومية” ويتجنب المرور على الحواجز.

وشدد محدثنا أن موضوع الهجرة هو أكثر ما يفكر به، حيث سعى في السابق إلى السفر إلى مصر أو الإمارات كونهما تمنحان السوري تأشيرة دخول، إلا أن الحصول على جواز السفر، وكذلك حصر دخول السوريين إلى هاتين الدولتين من مطار دمشق حال دون ذلك.

ومع محدودية الخيارات، يجد رامي نفسه أمام 3 حلول يقول إن أحلاها مرّ، تتمثل في السفر إلى لبنان البلد الذي يعاني فيه السوري ما يعانيه، أو إلى تركيا إلا أن الأمثلة الحاضرة أمامه من عنصرية الأحزاب المعارضة ضد اللاجئين وتهديدها بترحيلهم، وكذلك انتهاكات حرس الحدود التي تصل إلى القتل في بعض الأحيان، يجعل من هذا الخيار أمراً مرفوضاً من قِبل أسرته.

وأما الخيار الثالث بالنسبة لرامي فهو السفر إلى إقليم كردستان العراق، من خلال طرق التهريب إلى لبنان، ومن ثم السعي لإصدار جواز سفر، وبعدها البحث عن تأشيرة دخول إلى أربيل.

ولفت إلى أن الأسرة تفضل الخيار الأخير، وتعمل بشكل جدي لبيع ما تملكه من أراضٍ لتسفيره، أملاً منها في أن يحيا أحد أفرادها حياة كريمة، ويكون سنداً لها في تأمين الدخل.

في السويداء المحافظة الجنوبية، ليس الأمر بأفضل حالاً، حيث تشهد المنطقة هجرة شِبه جماعية للشبان، إلا أن المختلف هناك أن رحلة أبنائها تشبه تلك التي كانوا يسمعون عنها في القصص ويشاهدونها بالأفلام.

فقبل أيام، ودعت المحافظة العشرات من شبانها الذين تتراوح أعمارهم بين الـ18 والـ30 عاماً، نحو لبنان، التي ستكون محطة عبور ونقطة انطلاق إلى الطريق الطويل نحو أمريكا الجنوبية.

مراسل ”نداء بوست” نقل عن شبان غادروا البلاد قبل أيام قولهم إن جميع منافذ الحياة في سورية أُغلقت أمامهم، فلا يوجد بصيص أمل للنفق المظلم الذي دخلت فيه البلاد، وليس هناك ما يدعو لمزيد من التضحية في العمر.

وأشار مراسلنا إلى أنه في الآونة الأخيرة كثرت مكاتب السفر في المحافظة، يديرها أشخاص هم جزء من شبكة مهمتها تسهيل هجرة الشبان، سواء عبر الطرق النظامية (جواز سفر ومغادرة من مطار دمشق) أو عبر طرق التهريب إلى أوروبا وأمريكا الجنوبية.

ويميل أغلب الشبان إلى الخروج عبر طرق التهريب رغم أنها محفوفة بالمخاطر، بما في ذلك التعرض لعمليات نصب واحتيال تؤدي لخسارة أموالهم من قِبل بعض السماسرة، وكذلك السير لأيام في الغابات، فضلاً عن كلفتها المرتفعة والتي تصل إلى 8 آلاف يورو.

ويرجع ناشطون في السويداء أسباب ارتفاع معدلات الهجرة في المحافظة، حيث بلغ عدد المهاجرين العام الماضي أكثر من 10 آلاف شخص، إلى التضييق المستمر من قِبل النظام السوري، وانتشار الفساد في المجتمع على يد عصابات تتبع الجهات الأمنية، وطبعاً البحث عن حياة كريمة يشعرون فيها بإنسانيتهم.

ويتجه القسم الأكبر من شبان السويداء نحو أمريكا الجنوبية والأقاليم التابعة لبعض دول الاتحاد الأوروبي هناك وخاصة جزيرة غويانا الفرنسية، والتي يطمح الواصلون إليها في الحصول على حق اللجوء في فرنسا.

أيام وأسابيع وربما أشهر، يجد السوري نفسه مجبراً على المسير فيها بين الغابات والأنهار في رحلة الموت التي يسعى من خلالها للحصول على صفة لاجئ، بعد أن تفنن نظام الأسد في طُرُق قَهْر السوريين وكسر إرادتهم وتدمير رغبتهم في الحياة، فهو لم يكتفِ بقصفهم وقتلهم وتدمير منازلهم واعتقالهم وتعذيبهم وتهجيرهم قسراً، بل تجاوز ذلك بالتضييق على مَن بقي عنده وربما أيَّد سياساته بدفعه للهجرة، وترك أرضه لقمة سائغة للإيرانيين والأفغان وغيرهم من جنسيات عناصر الميليشيات التي دعمته.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد