الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في سورية قد تتأثر بالتطبيع "العربي-السوري
الخبراء منقسمون حول ما إذا كان النفوذ الإيراني في سورية سيتقلص بسبب تطبيع النظام السوري مع العالم العربي أم لا.
بعد أكثر من عقد من تجميد عضوية النظام في جامعة الدول العربية، ورد أنه سيتم توجيه الدعوة له لحضور القمة المقبلة، والتي ستُعقد في المملكة العربية السعودية في شهر أيار/ مايو.
وفي نفس الوقت الذي يتم فيه تطبيع العلاقات السورية مع دول الشرق الأوسط الأخرى، تقوم إسرائيل بتكثيف هجماتها على أهداف عسكرية إيرانية منتشرة على الأراضي السورية.
وقد أوضحت كارميت فالينسي، مديرة برنامج "نورثرن أرينا" في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، أن إسرائيل لديها دوافع جيوسياسية متعددة وراء ضرباتها المتزايدة على أهداف إيرانية في سورية.
وتحاول إيران حالياً زيادة تواجدها العسكري في سورية ورفع معدل شحنات نقل الأسلحة إلى حزب الله، وهو ميليشيا تعمل بالوكالة عن إيران في لبنان، وكِلا الهدفين يشكل تهديداً للأمن الإسرائيلي.
وقالت فالينسي لموقع ميديا لاين: "الإستراتيجية الرئيسية لإسرائيل تتضمن جهوداً متواصلة لتعطيل بناء القوّة العسكرية الإيرانية على الأراضي السورية، باستخدام الهجمات الجوية".
وأضافت أن حملة الضربات الجوية التي استمرت لسنوات كانت ناجحة بشكل عامّ، حيث لم يتحقق ترسيخ وجود إيران في سورية بالحجم الذي كانت تأمله إيران.
كما خففت إسرائيل من حجم نقل الأسلحة الإيرانية، بما في ذلك تعطيل نقل الأسلحة الدقيقة من طهران إلى سورية وإلى حزب الله في لبنان.
ويُعتقد أن إيران تستغل الزلازل المدمرة التي ضربت سورية وتركيا في شهر شباط/ فبراير كواجهة لتهريب المزيد من الأسلحة والذخيرة إلى سورية. وتفسر هذه الزيادة في التهريب تصعيد الهجمات الإسرائيلية، كما قالت ساريت زهافي، مديرة مركز ألما للبحوث والتعليم والضابط السابق في مديرية استخبارات الجيش الإسرائيلي، لموقع "نيو لاين". وأضافت: "في الشهرين الماضيين تقريباً منذ الزلزال الذي ضرب سورية، رأينا أكثر من 1000 قافلة تعبر الحدود من العراق إلى سورية من المعبر الحدودي الخاضع للسيطرة الإيرانية".
وتابعت: "عندما أقول القوافل، يمكن أن تكون قافلة من شاحنتين أو بعضها يضم ما يصل إلى 280 شاحنة، هذه الشاحنات، في اعتقادنا، ليست مجرد مساعدات إنسانية، بل يحملون الكثير من الذخيرة والأسلحة".
وقالت مديرة المركز: إن تطبيع العالم العربي لعلاقاته مع النظام السوري لن يؤدي إلى تقليص نفوذ إيران في سورية، وأشارت إلى أن "هناك امتثالاً من النظام لما تفعله إيران في سورية".
وعزت زهافي كذلك تقارُب السعودية مع إيران ومن ثَم مع النظام السوري إلى انعدام حالة الأمان لدى السعودية فيما يتعلق بعلاقتها مع الولايات المتحدة.
وبدورها، عزت فالينسي مديرة برنامج "نورثرن أرينا"، علاقات الدفء بين دول الخليج المختلفة والنظام السوري إلى شكوكهم المتعلقة بعلاقاتهم مع الولايات المتحدة، حيث إن دولة مثل السعودية "لا تعتمد على الولايات المتحدة كقوة عظمى من شأنها أن تنقذها من التهديدات الإقليمية. لذلك، تعتقد تلك الدول أنهم بحاجة إلى التقرب من بعضهم البعض من أجل التخفيف من التهديد الإقليمي.
فوفقاً لفالنسي، فإن الترحيب بعودة بشار الأسد إلى الحضن العربي قد يكون بمثابة ورقة ضغط لتقليص نفوذ إيران في سورية على المدى الطويل، وقالت إن هذا قد يقلل من الحاجة إلى عمليات عسكرية إسرائيلية ضد أهداف مرتبطة بإيران في سورية المجاورة.
وقالت مديرة البرنامج إن الأردن يقود محاولة تجديد العلاقات بين النظام السوري وبقية العالم العربي. وأوضحت أنه في اقتراح الأردن، ستعترف دول المنطقة بالأسد، وتقوم بتحويل مليارات الدولارات إلى سورية لإعادة الإعمار، وتضغط على الولايات المتحدة وأوروبا لرفع العقوبات. وفي مقابل ذلك، سيلتزم الأسد ببعض الشروط مثل استئناف المحادثات مع المعارضة السورية، ووقف تهريب المخدرات، والسماح بتواجد القوات العربية لحماية عملية عودة اللاجئين إلى سورية، وكذلك الحدّ من وجود القوات الإيرانية في البلاد.
كما أضافت فالينسي: "حسب معرفتي، ومن خلال حديثي مع بعض المسؤولين في المنطقة، يعتقدون حقاً أن هذه الصفقة ستؤدي، على المدى الطويل، إلى تقليل اعتماد الأسد على إيران من خلال السماح له بالمناورة بين المزيد من الجهات الفاعلة مثل العرب السُّنة. حيث، حسب تلك الخطة، لن يعتمد الأسد بشكل كامل على إيران اقتصادياً وعسكرياً.
إن الكتلة العربية السُنّية التي تقودها السعودية تدرك أن الأسد سيحافظ على العلاقات مع إيران طالما أن لديهما تحالفاً إستراتيجياً طويل الأمد.
ولكن تلك الدول السنية تدرك أيضاً أن العملية التدريجية قد تدفع الأسد إلى الانخراط مع دول أخرى في المنطقة وربما سيعزز ذلك سيادة سورية.
كما أن إيران، بحسب فالينسي، ستواصل على المدى القصير نشاطها العسكري في سورية وستواصل إسرائيل محاولة صدها.
وقالت: "طالما إيران موجودة هناك، فهم يبنون قواتهم، ويدربون ميليشياتهم الشيعية على مهاجمة إسرائيل عند الحاجة، لذلك لا أعرف كيف ستؤثر على المدى القصير على النشاط الإسرائيلي".
وافترضت فالينسي أنه إذا طالب الأسد، على المدى الطويل، بخفض القوات الإيرانية في سورية، "فسنرى أيضاً تدخلاً إسرائيلياً أقل في سورية، كما أنه إذا تغير المناخ الجيوسياسي بحيث يُنظر إلى الأسد على أنه لاعب شرعي في المنطقة، فقد يقلل ذلك من الشرعية المتصورة للهجمات الإسرائيلية في سورية، خاصة عندما يتعلق الأمر بما يسمى بالأهداف المدنية مثل مطار دمشق الدولي".
وأشارت مديرة البرنامج إلى أن "المطار يمكن القول إنه هدف عسكري مشروع بالنظر إلى أن إيران تستخدمه لإيصال الأسلحة والأسد يكتسب المزيد من الشرعية الإقليمية، وبسبب علاقاتنا مع بعض الدول العربية، قد يفرض ذلك بعض القيود على حرية إسرائيل في العمل."
من وجهة نظر زهافي، فإن قدرة إسرائيل على شن ضربات عسكرية في سورية لم تكن أبداً معتمدة على موافقة العالم العربي، بل على القدرة العملياتية لإسرائيل.
وقالت زهافي: إن روسيا قد تكون الدولة الوحيدة التي يمكن أن تؤثر على النشاط العسكري الإسرائيلي في سورية، مشيراً إلى أنه حتى خلال الفترات الصعبة في العلاقات الإسرائيلية الروسية، استمرت إسرائيل في ضرب أهداف إيرانية في سورية.
إذا كانت إسرائيل تريد تقليص نفوذ إيران في المنطقة، فعليها التركيز ليس فقط على مهاجمة الأهداف الإيرانية في سورية، ولكن أيضاً على استخدام تحالفاتها الإقليمية مع الإمارات والبحرين في شنّ حملة ضد النشاط الإيراني في سورية.
كما أن إسرائيل مدعوّة إلى الاستفادة من مناخ التطبيع هذا مع سورية لإيصال رسائل إلى الأسد، ومشاركة حلفاء إسرائيل في المنطقة بأن إيران تشكل تهديداً ملموساً لإسرائيل.
المصدر: ميديا لاين/ ترجمة: عبد الحميد فحام