حوار خاص – نداء بوست
نالت قضية الخلافات الداخلية التي شهدتها حركة "أحرار الشام" مؤخراً، حيزاً كبيراً من المتابعة لدى المهتمين والمعنيين بالشأن السوري عامة، والمترقبين لتطوراته العسكرية والميدانية خاصة، وذلك بسبب طول المدة الزمنية بين بدئها وانتهائها، والنتائج التي أفضت إليها، فمنذ 12 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والحركة التي هي إحدى مكونات "الجبهة الوطنية للتحرير"، تشهد اضطرابات وانقسامات داخلية، أدت إلى حالة من الاستقطاب، وبالرغم من اتفاق الأطراف المنقسمة على إعادة هيكلة الحركة، وتنحية الشخصيات التي ساهمت في الخلاف، وتشكيل مجلس قيادة جديد، إلا أن ذلك لم ينه الشرخ الذي حصل.
وفي مسعى جديد لإنهاء هذه الحالة، قرّر مجلس القيادة اختيار "عامر الشيخ" لقيادة الحركة، وتم تكليفه بتشكيل مجلس جديد يكون توافقياً بين طرفي النزاع، وفي 28 نيسان/ أبريل الماضي، شكل "الشيخ" المجلس الجديد، والذي ضم 12 شخصاً من بينهم النقيب "أبي المنذر الحموي" ونائبه الرائد "حسين العبيد" و"أبو عمر الساحل“.
ومطلع شهر تموز/ يوليو الماضي، أصدر "الشيخ" بياناً أعلن فيه إعادة هيكلة مجلس القيادة، بهدف "الحفاظ على تماسكها واس تمرارها، ووقف ظاهرة الخروج منها، وضم المجلس الجديد كلاً من "أبي محمد الشامي"، والرائد "حسين العبيد"، و"أبي عبد الرحمن الغاب"، و"أبي عمر توبة"، و"أبي بكر إدلب"، إضافة إلى "أبي سليمان الحموي"، و"أبي عمر الساحل".
وللوقوف على آخر المستجدات الداخلية في "أحرار الشام" ومعرفة مزيد من التفاصيل، أجرى "نداء بوست" حواراً مع نائب القائد العام للحركة ”أبي محمد الشامي“.
"نداء بوست": هزات متكررة تتعرّض لها "أحرار الشام" دون غيرها من الفصائل، برأيكم ما هي أسباب ذلك؟
– قبل الإجابة عن الأسئلة أود أن ألفت النظر إلى مقدمة هامة تساعد على فهم حالة الفصائل عموماً والحركة على وجه الخصوص، ما تعيشه "أحرار الشام" من إشكالات له أسبابه التراكمية المتعلقة بهيكليتها وبنيتها الداخلية من بداية تأسيسها وحتى الآن، حيث نشأت الحركة كما سائر الفصائل السورية انطلاقاً من بيئة اجتماعية مفكّكة بفعل سياسة طائفية ممنهجة من قبل "حزب البعث" عمل عليها لعقود، ولأن الثورة في حقيقتها هي حالة شعبية عفوية غير منظمة فقد انعكس ذلك على تأسيس وبنية الكيانات الناشئة وأثر ذلك على آدائها ودورها وتطورها.
وانتشرت الحركة في وقت سابق في كافة الأرجاء السورية وضمت في صفوفها جنوداً من جميع المناطق، كما تنوعت فيها المشارب الفكرية والثقافية، وعلى قدر ما شكّل ذلك عامل قوة وإثراء، إلا أنه أيضاً شكل تحدّياً كبيراً على مستوى تماسك البنية الداخلية وتحقيق الانسجام والتناغم بين مكونات الحركة الذي كان يقتضي سرعة التنظيم العسكري والمؤسسي لتوجيه تلك الطاقات نحو مسارها الصحيح.
ونعتقد أن التأخر في عملية التنظيم والمأسسة لجميع فصائل الثورة ومكوناتها وأولها "أحرار الشام"، كان له تأثير كبير على مدى نجاح الثورة في مقاومة النظام وحلفائه كدول قائمة على المؤسسات وذات مركزية في القرار، وعلى قدر نجاحنا في استدراك هذا الخطأ يمكن لنا المحافظة على مكتسبات ثورتنا مهما صغرت والبناء عليها لاحقاً بإذن الله.
وباختصار شديد لا يمكن تقييم حركة "أحرار الشام" من خلال الصورة الذهنية المكوّنة من اسمها وتاريخها السابق بعيداً عن الظروف الموضوعية لنشأتها من رحم الثورة السورية، لأن حالها كحال جميع مكونات الثورة من حيث النشأة والبناء وعوامل القوة والضعف والتوسع والانحسار، وجميعنا يتحمل المسؤولية عن ذلك وأولهم الحركة.
"نداء بوست": دعنا نبدأ من الأزمة الأخيرة، ما هي أسبابها؟
-ما حدث في الفترة الأخيرة هو من ارتدادات الأزمة التي عصفت بالحركة في شهر تشرين الأول/ أكتوبرعام 2020، والتي بُذلت جهود كبيرة لحلها وأشرف عليها عدد من المشايخ الأفاضل على رأسهم الشيخ "ماهر علوش"، أثمرت تلك الجهود عن حصول اتفاق ينهي الأزمة قضى بتكليف "عامر الشيخ" قائداً عاماً وعسكرياً للحركة بصلاحيات كاملة بما في ذلك تعيين مجلس القيادة، عاشت بعدها الحركة الارتدادات الطبيعة للمسار الجديد ومن ذلك ابتعاد بعض الشخصيات عن المشهد وعدم وجود دور لها في المرحلة الحالية للحركة وقد أدى عدم تقبلهم لذلك إلى محاولتهم الخروج من الحركة وتحريض بعض الجنود المتأثرين بهم على الخروج بمزاعم تتعلق بانحراف مسار الحركة وسياساتها.
إننا ننظر لدوافع الخارجين بسلوكهم ومطالبهم أنها ردة فعل عاطفية ناتجة عن تداعيات الأزمة، وبعيدة كل البعد عن الجانب الموضوعي حيث أن جميع الخيارات والحلول بحثت سابقا قبل التوصل للاتفاق النهائي ثم أخذت وقتها الكافي لمعالجتها من قبل القيادة الحالية.
"نداء بوست": ما هو تأثير انفضاض بعض الألوية عن الحركة؟ – نحن كقيادة ننظر إلى كل مقاتل من أبناء الحركة على أنه قيمة كبيرة بذاته، ونعتبر خروج أي مقاتل من الحركة هو خسارة للحركة ونحرص على بقائه بما لا يعطل القرارات والأنظمة السارية وأبواب الحركة مفتوحة دوماً لجنودنا في أي وقت.
من حيث ثأثير من خرج، أريد أن أوضح أن عدد الخارجين من الحركة لا يتجاوز 250 شخصاً، لا يشكل مجموعهم قوام لواء عسكري واحد، فضلاً عن أن يتضمنوا ألوية كما نشر في البيان، ونعتقد أن بعض وسائل الإعلام تعمّدت تصدير خروجهم على أنه انشقاق ضخم ينهي وجود الحركة، ونعتبر ذلك أمراً مسيساً وخروجاً عن معايير المهنية والموضوعية. حيث أن الحركة في هذه اللحظة ترابط على ثلاث جبهات على خطوط التماس مع النظام وتقوم بمهام حمايتها، ولديها أربعة ألوية مقاتلة ولواء رديف بقوام نحو أربعة آلاف مقاتل منظم.
لكننا من حيث المبدأ نعتبر أن إخراج 250 مقاتلاً أو أي عدد مهما كان قليلاً من أبناء مناطق جبل الزاوية وإدلب يرابطون على جبهات قراهم وبلداتهم في جبل الزاوية مسقط رأسهم، والتي هي خط الدفاع الأول والأهم عن جميع المناطق المحررة باتفاق جميع المختصين، هو قرار غير مسؤول ولا يوجد له أي مبرر شرعي أو ثوري، سوى الرغبة بظهور من دفعهم إلى ذلك بمظهر المؤثر على وجود الحركة ومحاولة إظهار حصول انشقاق كبير، علماً أن جميع المتابعين لحال الحركة عن كثب يعلم عدم صحة ذلك على الإطلاق.
"نداء بوست": هل تتوقعون حدوث مزيد من عمليات الخروج عن الحركة؟ – بذلت قيادة الحركة جهوداً كبيرة على مدى ثمانية أشهر لاحتواء ارتدادات الأزمة السابقة والعمل على تجاوز أثارها، وذلك من خلال اعتمادنا الأهلية والكفاءة وفق المتاح كمعيار أساسي في التعيينات مع الأخذ بالحسبان جانب المراعاة لتداعيات الأزمة الداخلية التي عصفت بالحركة. كما تم تشكيل مجلس قيادة موسع في البداية ضم جميع الجهات التنفيذية في الحركة، ثم تم إعادة هيكلته لاحقاً بتقليص عدده مع مراعاة تنوع بنية الحركة مناطقياً وتحقيق الإنسجام والتفاهم بين أعضائه ليأخذ صورته النهائية الحالية.
ونحن نرى أن الوضع الحالي لهيكلية الحركة وبنيتها ومجلس قيادتها يحقق المطالب الموضوعية لاستمرار الحركة وتطويرها، ويتجاوز جميع الهواجس والاعتبارات الناتجة عن تبعيات الأزمة.
إن قيادة الحركة قامت سابقاً بما تقدر عليه وستقوم لاحقاً بالأخذ بكافة أسباب المحافظة على جنودها وتحقيق تماسك صفها الداخلي لاستمرارها في أداء رسالتها التي نرى أنها لم تحد عنها يوماً والمتمثلة بقتال النظام وحلفائه وحماية الثورة وسنعمل على إغلاق أية ثغرات أو أخطاء تقع منا خلال مسيرنا.
"نداء بوست": هل الحركة قادرة على تجاوز هذه الأزمة؟ – تعرضت الحركة تاريخياً لعدة أزمات على المستوى الداخلي وظن الكثير أنها شارفت على الانهيار وتسابق بعضهم إلى نعيها مراراً، ورغم ذلك استطاعت بفضل الله تجاوز تلك الأزمات التي ألمت بها من فقدانها لقادة الصف الأول دفعة واحدة، مروراً بحصول نزاعات وانشقاقات سابقة، وكذلك الإقتتال الداخلي عدة مرات مع هيئة تحرير الشام انتهاءً بأزمتها الأخيرة في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي.
تمتلك الحركة عقيدة قتالية راسخة تتعلق بقتال النظام والدفاع عن المحرر تُمكنها من لم شمل أبنائها وجمعهم بسرعة على هذه القطعيات، ويتميز جنودها بمستوى عالٍ من المسؤولية والغيرة تجعلهم يتجاوزون الصدمات بسرعة، ونعتقد أن الأزمة الأخيرة ليست خارجة عن هذه القاعدة. وبفضل الله ثم بجهود الأخوة الغيورين في الحركة قيادةً وجنوداً تم تجاوز الكثير من تداعيات الأزمة الأخيرة التي كان صخبها الإعلامي أكثر بكثير من حقيقتها وتأثيرها الواقعي على الأرض، ونحن على طريق إنهاء تلك التداعيات بشكل كامل بإذن الله تعالى. والحركة اليوم مستمرة في القيام بمهامها وستبقى كذلك، ونتوقع أن الوضع الداخلي متجة إلى مزيد من الاستقرار والتحسن والتركيز على الفاعلية العسكرية التي ستظهر للعيان ميدانياً واعلامياً.
"نداء بوست": أين ترون الحركة من المشهد السوري بشكل عام والعسكري بشكل خاص؟ – للإجابة عن هذا السؤال ربما نحتاج أن نقرأ وندرك حجم تأثير كيانات الثورة مجتمعة في المشهد السوري السياسي والعسكري، قبل أن نسأل عن دور وتأثير الحركة فيه. لا شك أن الثورة بالعموم والحركة كجزء منها بالخصوص انحسرت بشكل كبير جداً عما كانت عليه في السنين الستة الأولى، وذلك تحت تأثير ضربات ما يعرف بالثورات المضادة والصراع الإقليمي والدولي على منطقة الشرق الأوسط عموماً والصراع في سوريا خصوصاً.
فبات واضحاً للجميع اليوم أن القوى الإقليمية والدولية المختلفة تتصارع على الأرض السورية، وأن الدعم اللامتناهي السياسي والعسكري للنظام الطائفي من المنظومة الدولية هو السبب الوحيد في بقاءه وانحسار حال الثورة، وفيما يتعلق بواقع المحرّر الحالي، لابد من استعراض تاريخي سريع لدور الحركة ومسيرتها وصولاً إلى واقعنا الحالي ودور الحركة فيه، فقد خاضت الحركة عدة مواجهات ضد ”هيئة تحرير الشام“ استنزفت كثيراً من الكوادر والإمكانات والمقدرات بين الطرفين انتهى آخرها إلى سيطرة الهيئة على محافظة إدلب في بداية عام 2019 وكان لا بد أن يلقي الانحسار الميداني بظلاله على مسار الحركة.
وبسبب سقوط مناطق الثورة في سورية والتهديد المتزايد من قبل النظام وروسيا وإيران لمحافظة إدلب، أعادت الحركة هيكلة نفسها بناءً على الواقع الجديد وتبنت المشاركة في حماية المحرر كأولوية شرعية وثورية لها بحسب قدرتها وإمكاناتها، وكذلك تبنت الإبتعاد عن القتال الداخلي ومسبباته لأن الوضع الداخلي لم يعد يحتمل أي نزاع مسلح بسبب الضرر الكبير الذي سيلحق بالرصيد المتبقي للثورة في مواجهة النظام وداعميه.
وحالياً التواجد العسكري الرئيسي للحركة هو في منطقة إدلب، والتي هي خط الدفاع الأول والأهم عن جميع المناطق المحررة، حيث تتوزع فيها ألويتها وترابط على جبهاتها ويتركز فيها نشاطها العسكري.
كما كان للحركة دور أساسي في عملية "غصن الزيتون" ولها تواجد وحضور فعّال فيها على جميع المستويات، كما لها علاقات مميزة مع جميع المكونات والجهات والفصائل الثورية في المنطقة، وتتوزع فيها مساكن جنودها وثكناتها ومقراتها ومعسكراتها التدريبية.
والحركة جزء ومكون أساسي من الجبهة الوطنية للتحرير التي شكلت مع "هيئة تحرير الشام" غرفة عمليات ”الفتح المبين“ ”المجلس العسكري“ بهدف توحيد وتطوير ورفع كفاءة وفاعلية الجهود العسكرية للفصائل.
المجلس العسكري فكرة تم اعتمادها في عدة دول و ثورات واستعملت في شرقي سوريا من قبل "قسد"، ولم تساعد الظروف الموضوعية على وجودها في الشمال المحرر، لكن بعد خسارة المناطق والانتكاسات العسكرية واضطرار الحليف التركي للتدخل في المعركة بنفسه ظهر جلياً لجميع الأطراف أن المجلس العسكري بات ضرورة عملياتية لمواجهة الحملات التي تشنها قوات النظام، حيث أن مجرد التنسيق البدائي بين الفصائل لم يكن مجدياً في مواجهة الحملة وبات ضرورياً وجود إدارة عسكرية واحدة تحرك الجنود والوسائط في المعركة وتجهز لها دفاعاً وهجوماً. وعند اشتداد حملة النظام السابقة أدركت جميع الأطراف ضرورة رفع مستوى التنسيق في المعركة فتم إنشاء غرفة عمليات "الفتح المبين" التي ضمت "هيئة تحرير الشام" وفصائل الجبهة الوطنية مع باقي المكونات الأخرى في الساحة بقيادة المقدم "أبي المنذر" و"أبي أسيد حوران" عن الجبهة الوطنية و"أبي حسن 600" عن "هيئة تحرير الشام".
بعد انتهاء المعركة برزت الحاجة مجدداً إلى المجلس العسكري باعتباره ضرورة حقيقية للوضع العملياتي والميداني في إدلب، لا سيما بعد الحملة التي تعرّضت لها المنطقة في الشهروالخامس عام 2020، بعد أن ظهر بشكل واضح أن منظومة الفصائل العسكرية غير قادرة على إدارة الكتلة البشرية في المعركة نتيجة ضعف الإمكانات و الدعم الخارجي، ولأسباب بنيوية ذاتية تتعلق بطبيعة تشكيل الفصائل الناتجة عن حالة عفوية شعبية.
وكان لابد من الانتقال من البنية العسكرية العشوائية إلى بنية شبه منظمة تواكب تطور منظومة العدو العسكرية الذي يستخدم أحدث التقينيات والأسلحة والتكتيكات العسكرية، ويتفوق على الفصائل بشكل كبير جداً بالإمكانات والقدرات العسكرية كماً ونوعاً.
ولأسباب تتعلق بحالة الترهل العسكري لدى أغلب الفصائل قاوم بعض الفصائل الإنخراط في المجلس العسكري وتعلل بعضها بالخشية من استحواذ الهيئة على المجلس بحكم مركزية قرارها وحيازتها للموارد وسيطرتها على منظومة الحكم في إدلب. بالمقابل فإن غالبية الفصائل آثرت الإستمرار بطريقتها التقليدية في تنظيمها العسكري القائم على العشوائية والتجميع، ولم تحاول إعادة هيكلة نفسها وإزالة حالة الترهل سواء بشكل ذاتي أو ضمن الجبهة الوطنية إلا في وقت متأخر بعد حصول ضغوط عليها.
وربما السؤال الذي يجب أن يُطرح والذي يجب أن تنصب كافة الجهود لإيجاد جوابه الصحيح؛ ما هو المشروع الذي تحتاجه المناطق المحررة بأكملها لكي نضمن بقاء الثورة جغرافيا وسياسيا وعسكريا؟ ونحن من جانبا نرى ضرورة التوصل إلى منظومة حكم واحدة للمناطق المحررة، تشارك فيها جميع المؤسسات والقوى الثورية الفاعلة، وكأسباب موضوعية لا يمكن المحافظة على الثورة إلا بتكامل مناطقها على كافة الصعد وهذا يستلزم تضافر جهود الجميع.
اقرأ أيضاً: مئات المقاتلين يغادرون "أحرار الشام" ويلتحقون بالجيش الوطني السوري