نداء بوست-ريحانة نجم-بيروت
يشكل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان مادة تجاذب سياسي تاريخي في البلاد منذ لجوئهم إلى المناطق اللبنانية بعد النكبة في عام 1948، ويبلغ عددهم بحسب موقع "اليونيسف" التابع للأمم المتحدة، نحو 192 ألفاً.
وبحسب دراسة أجرتها لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، التابعة لمجلس الوزراء اللبناني، في لبنان لعام 2020، تبين أن عدد سكان المخيمات الفلسطينية قد ارتفع، وينقسم بين الفلسطينيين الأساسيين وفلسطينيين لاجئين من سورية.
ويقيم أكثر من نصف اللاجئين في 12 مخيماً منظماً ومعترفاً به لدى وكالة "الأونروا" هي: نهر البارد، والبداوي، وبرج البراجنة، وضبية، ومار إلياس، وعين الحلوة، والرشيدية، وبرج الشمالي، والبص، وشاتيلا، ويفل (الجليل)، والمية مية.
ويقيم باقي اللاجئين في المدن والقرى اللبنانية إضافة إلى تجمعات سكنية جديدة نشأت بسبب تطورات الأوضاع في لبنان، ولكنها ليست مسجلة لدى وكالة "الأونروا". ومن أهم هذه التجمعات غير المعترف بها من قِبل الأونروا: المعشوق، وجبل البحر، وشبريحا، والقاسمية، والبرغلية، والواسطة، والعيتانية، وأبو الأسود، وعدلون الغازية، والناعمة، وسعد نايل، وثعلبايا وغيرها.
وتعاني معظم المخيمات من ظروف مزرية وتتسم بأنها مكتظة وسيئة المساكن والبطالة والفقر وغياب سبل الوصول إلى العدالة.
كما يعيش بعضها جولات عنف واشتباكات مسلحة بين الفترة والأخرى، بين تنظيمات مسلحة منتشرة في أحياء المخيمات بعضها مدعوم من محاور إقليمية، وبعضها مدعوم من الفلسطينيين أنفسهم.
وجراء هذا الواقع المرير تحولت بعض المخيمات بؤراً للفقر والحرمان وملجأً آمِناً للخارجين عن القانون والمطلوبين للدولة اللبنانية من لبنانيين وفلسطينيين، إضافة إلى انتشار المخدرات بين شباب المخيم للهروب من الواقع المرير والبطالة المتفشية والتفلت الأمني والسلاح المنتشر.
الصعوبات التي تعانيها المخيمات
يعيش سكان المخيمات في ظل صعوبات اقتصادية شديدة، والعديد منهم عاطلون عن العمل، ولا يخلو مخيم فلسطيني من وجود عشرات المنازل غير الصالحة للسكن، ومعظمها تحتاج لإعادة تأهيل شامل، بسبب وجود تشققات فيها، ما يسبب خطراً على حياة ساكنيها، ومعظم المنازل صغيرة المساحة وكثيرة الاكتظاظ، بسبب بقاء مساحة المخيمات على حالها وزيادة عدد سكانها مع مرور الزمن.
كما تعاني معظم المخيمات الفلسطينية من مشكلة تلوث مياه الشرب، إذا إن المياه في معظم المخيمات غير صالحة بسبب التلوث والملوحة وارتفاع نسبة الكلس فيها، وبالتالي يضطر اللاجئون لشراء المياه التي أصبح ثمنها غالياً مع ارتفاع الدولار في السوق اللبنانية.
ولا بد من الإشارة إلى أزمة الكهرباء التي تعانيها المخيمات والتي لا تقتصر فقط على المشاكل المعروفة لناحية ضعف التغذية ونظام التقنين، بل إن بعض المخيمات تعاني من مشكلة أكثر خطورة، وهي تلك المتمثلة باهتراء الأسلاك الكهربائية وتشابكها وقيام البعض بتمديد خطوط من أكثر من محول، وهو ما يعرّض المواطنين للخطر.
كما تعاني المخيمات من مشكلة الطرقات الضيقة والتي تكثر فيها الحفر والمطبات العشوائية، وهو ما يمنع وصول السيارات ودخولها إلى بعض المخيمات.
أما بالنسبة للمقابر، فإن بعض المخيمات لا يوجد فيها مقابر، ويضطر اللاجئون فيها إلى دفن موتاهم في مقابر مخيمات أخرى أو في مقابر خارج المخيمات مقابل دفع مبالغ كبيرة، أما المخيمات التي يوجد فيها مقابر، فإن معظمها لم يعد يتسع لدفن المزيد من الموتى، وكثيراً ما دفن الموتى فوق جثث أقربائهم.
كما يعاني اللاجئون الفلسطينيون من عدة قوانين تحرمهم من العمل والانخراط في الاقتصاد اللبناني.
أوضاع اللاجئين داخل المخيمات
يقول مدير عام "الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين"، ومنسق لجنة "الأونروا" في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، علي هويدي لموقع "نداء بوست": إن اللاجئين الفلسطينيين يعيشون وضعاً استثنائياً، إذ إنّهم محرومون من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، (الحق في العمل، والتعلم، والتملك، وتشكيل المؤسسات، والاستشفاء وغيرها من الحقوق) وفقاً لقانون العمل اللبناني، كما يعاني اللاجئون مؤخراً تراجعاً كبيراً في تقديم الخدمات من قِبل وكالة "الأونروا" نتيجة العجز أو الأزمة المالية غير المسبوقة التي تعاني منها الوكالة، والتي إن استمرت فستنعكس بشكل سلبي أكثر على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
ويشير هويدي لموقع "نداء بوست" إلى أنّ الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان جاءت لتطحن اللاجئ الفلسطيني أكثر من قبل، إضافة إلى أزمة "كورونا" التي أثرت بشكل مباشر على الأوضاع.
وتحدّث هويدي عن ارتفاع نسبة البطالة إلى 90%، ونسبة فقر وصلت إلى حوالَيْ 80% بين اللاجئين الفلسطينيين.
ويكشف هويدي لموقعنا أنّ وكالة "الأونروا" تعاني من أزمة مالية صعبة، وقال: إنّ هناك خوفاً من عدم حصول الموظفين على رواتبهم هذا الشهر، بعد
تأخُّرها الشهر الماضي، ويشير هويدي هنا إلى أنّ المفوض العامّ لوكالة "الأونروا" فيليب لازاريني وعدهم خلال لقائه الأسبوع الماضي بإطلاق نداء طوارئ خاص بفلسطينيي لبنان مع بداية العام المقبل 2022 للتخفيف من الأزمة.
وأشار هويدي إلى وجود فئتين من اللاجئين الفلسطينيين مهمّشين كليّاً في لبنان، وهم الفئة غير المسجلة وعددهم حوالَيْ 34 ألف لاجئ وهم مسجّلون فقط لدى السلطات اللبنانية وغير مسجلين لدى وكالة "الأونروا"، والفئة الثانية هي الأكثر تهميشاً وهم فاقدو الأوراق الثبوتية وعددهم حوالَيْ 5 آلاف لاجئ وهم غير مسجلين في السجلات اللبنانية أو سجلات الأونروا أيضاً، وأكد هويدي على ضرورة تثبيت دور اللاجئ الفلسطيني في لبنان.
وتُعتبر وكالة "الأونروا" أحد الشرايين الرئيسية التي يتغذى من خلالها اللاجئ الفلسطيني في لبنان.
الواقع الفلسطيني من الناحية الحقوقية
مدير مؤسسة "شاهد لحقوق الإنسان" الدكتور محمود حنفي يرى أن اللاجئ الفلسطيني في لبنان يعيش أزمة "الشخصية القانونية"، حيث لا يوجد شخصية قانونية واضحة للاجئين، إذ إنّ لبنان لا يتعامل مع الفلسطيني بصفته لاجئاً تنطبق عليه القوانين الدولية، ولا يتعامل معه بصفته أجنبياً شأنه شأن الأجانب، بل يتعامل معه بصفته أجنبياً من نوع خاص، ويوضح حنفي أنّ هذا التعريف لا يوجد له مثيل إلاّ في لبنان، والقصد منه التمييع والهروب من القوانين.
ويضيف حنفي في حديث لموقع "نداء بوست" أنّ اللاجئ أيضاً يُحرم من حقه في العمل، إذ إن كل القوانين الناظمة سواءً كانت مراسيم أو قوانين أو قرارات تمنع الفلسطيني من العمل مع هامش بسيط جداً، وهذا التمييز أصاب الفئة المتخصصة والمتعلمة من اللاجئين.
ومن الأمور التي يعاني منها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان يقول المتحدث هي حرمانهم من حقهم في التملك، فهم محظور عليهم أن يتملكوا مع ما يترتب على هذا القانون من آثار متعلقة بالحياة العامة والميراث.
ويؤكد حنفي أن السياسات اللبنانية التي تحكم الوجود الفلسطيني تهدف عن قصد أو غير قصد إلى "تطفيش" الفلسطيني من هذا البلد، حيث يُحرَم الفلسطيني من حقه بالعيش في كرامة تحت مسمّى أنه يحافظ على حقه في العودة، ويشير إلى أنّ الحفاظ على حق العودة وتعزيز الصمود يأتي من خلال توفير الكرامة الإنسانية.
ويوضح الدكتور حنفي أنّ اللاجئ الفلسطيني لا يريد أن يعمل في الوظائف العامة والمشاركة في الانتخابات وإنما يريد أن يمارس الحقوق الأساسية التي يمنحها القانون الدولي لأي إنسان بغضّ النظر عن كونه لاجئاً أو أجنبياً.