يسود الهدوء الحَذِر حي "ألتين داغ" في العاصمة التركية أنقرة، بعد ليلة طويلة، تخللتها صدامات بين أتراك ومقيمين سوريين، على خلفية مشادّة بالسكاكين بين لاجئين سوريين وأتراك نجم عنها جرح تركييْنِ، قضى أحدهما متأثِّراً بإصابته.
ووفقاً للأنباء، فإن خلافاً نشب بين مراهقيْنِ من الجنسيتين (بين 16 و18 عاماً) في حديقة عامة تطوّر إلى استعمال الأسلحة البيضاء. وعلى الأثر، تجمع نحو مئة مواطن تركي وقاموا بالتكبير، وشنوا هجوماً انتقامياً على جميع منازل وسيارات السوريين الموجودين بالمنطقة.
لتتدخّل قوات مكافحة الشغب التركية لفض الاشتباك بين الطرفين وتفرّق المواطنين المندفعين الذين كانوا يهتفون ضد السوريين، حين وصل "كومالي أتيلا" حاكم المنطقة إلى الحي.
وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر مواطنين أتراكاً غاضبين يقومون بالاعتداء على ممتلكات السوريين في ”ألتين داغ“، وصوراً للمصابين بين نساء وأطفال، ووفقاً لشبكة "بي بي سي" التركية فإن الشاب التركي "أميرهان يالتشين" كان قد نُقل إلى المشفى بعد تعرُّضه للطعن ليفارق الحياة هناك، ما تسبب بردود فعل عنيفة من ذويه، أدت إلى الصدامات التي وقعت في الشارع لاحقاً.
من جانبه أصدر مكتب محافظ أنقرة بياناً عاجلاً قال فيه: إنه تم إلقاء القبض على الرعايا الأجانب المتورطين في جريمة مقتل الشاب التركي، وإن التحقيقات جارية، وسيتم الإعلان عنها للجمهور باحترام.
أما رئيس بلدية "ألتين داغ" "حبيب إيروغول" فصرح للإعلام التركي مبيّناً أن شابين تعرضا للطعن على أيدي سوريين، وأن الشرطة ألقت القبض على ”مجموعة مكونة من 3 إلى 5 أشخاص الليلة الماضية من السوريين لمشاركتهم في الشجار“.
وأعلنت ولاية أنقرة -عبر حسابها الرسمي في "تويتر"- اليوم، أنّ أعمال الشغب التي جرت في منطقة "ألتين داغ" انتهت، عقب هدوء المواطنين الأتراك وتدخّل القوات الأمنية. وسبق لمنطقة "ألتين داغ"، أن شهدت مطلع شهر شباط/ فبراير الماضي، إصابة طفل سوري (10 سنوات) بكسور في رأسه ويده، بعد تعرُّضه للضرب المبرح على يد مواطن تركي.
هذا وانتشر مئات من عناصر الشرطة التركية في أحياء وشوارع منطقة "ألتين داغ" في محاولة لمنع الاعتداءات على السوريين، وسط حالةٍ من التوتر والاحتقان ما زالت تسيطر على المنطقة.
يُذكر أن خطاباً عنصرياً دأبت المعارضة التركية على بثّه خلال الآونة الأخيرة، أدّى إلى احتقان كبير، وتفجُّر بعض الحالات في عدد من المدن التركية، بعد أن وعد زعيم حزب الشعب التركي (كيلتشدار اوغلو) بتهجير اللاجئين السوريين إلى ديارهم في سياق المعركة السياسية الداخلية.
فيما أتى الرد من نشطاء وسياسيين ورجال دولة أتراك، رافضين استعمال ورقة اللاجئين السوريين والتلويح بها، لكسب الأصوات في الانتخابات القادمة.
واضطر وزير الداخلية التركي "سليمان صويلو" إلى توضيح أوضاع اللاجئين في تركيا، وبالأخص في كبرى المدن إسطنبول، في مقابلة أجرتها معه إحدى القنوات التلفزيونية التركية.
وبيّن "صويلو" أن إسطنبول يقطنها حالياً مليون و69 ألف مهاجر نظامي مسجلون لدى الجهات الرسمية، بينهم 547 ألف سوري يحملون بطاقة الحماية المؤقتة، و522 ألفاً من جنسيات أخرى يقيمون عَبْر تذاكر إقامة. وتابع قائلاً: "لا نعاني مشاكل مع هذه الشريحة، إنما المشكلة مع المهاجرين غير النظاميين“.
وأضاف: إن "مسألة المهاجرين ليست مقتصرة على السوريين وحدهم، بل هناك موجة هجرة نظامية وغير نظامية باتجاه تركيا من أفغانستان وباكستان والعراق وإيران والمغرب واليمن وتونس والقارة الإفريقية".
وأشار إلى أن إجمالي عدد المهاجرين في تركيا وصل إلى 4.9 مليون شخص، وأن 3 ملايين و634 ألفاً منهم خاضعون لقانون الحماية المؤقتة، و337 ألفاً تحت قانون الحماية الدولية.
وميّز "صويلو" بين اللاجئين والمقيمين النظاميين في تركيا بصور مختلفة، موضحاً أن "هناك خلطاً في المفاهيم والتسميات؛ لأن أنقرة اتخذت في خمسينيات القرن الماضي قراراً ينص على عدم استقبال لاجئين من خارج القارة الأوروبية، لدينا الآن مليون و23 ألف أجنبي يعيشون في تركيا بموجب تراخيص إقامة نظامية، هؤلاء طلاب وعاملون“.
وفيما طغى على وسائل التواصل السورية خطاب يدعو إلى الحكمة والتعقل والتمييز ما بين الممارسات الفردية والتصرفات غير المسؤولة من قلّة من السوريين تتسبب بجلب مشاعر السخط على أبناء جلدتهم وبين الحكم التعميمي على المجتمعات، والتذكير بالأخوة التركية السورية والموقف الرسمي التركي الداعم للشعب السوري.
وطالب بعض السوريين والأتراك، الشعب التركي بالتنبُّه من الانزلاق إلى العنصرية التي يروّج لها الشعبويون من السياسيين، والتي لن تؤدي إلا إلى خسائر في تقدُّم المجتمع التركي وقِيَمه.