نداء بوست – تحقيقات – محمد الشيخ
أكّدت مصادر مطلعة لـ"نداء بوست"، أن النظام السوري مستاء من عدم تفعيل مجلس الأعمال المشترك مع الإمارات، الذي تم الإعلان عنه في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وعدم تحقيقه أي إنجاز يُذكر أو القيام بأي خطوة عملية.
وقالت المصادر: إن الإدارة السياسية لدى النظام السوري، قررت متابعة الأمر أمنيّاً عبر مكتب الأمن الوطني بشكل مباشر، بعد تقديم فارس الشهابي المسؤول عن متابعة هذا الملف، تقريراً يشتكي فيه من عدم جدية الإمارات في دعم وتنفيذ مشاريع دعم البنية التحتية والطاقة أو ما تسميه روسيا مشاريع التعافي المبكر.
وبحسب المصادر، فإنَّ تقارير النظام انتهت إلى أنَّ الإمارات قامت بتسمية شركات ضمن المجلس لا تمتلك أصولاً محلية أو إقليمية، وأن الشركات التي قدمتها الإمارات هي شركات وهمية، وأنَّ أبو ظبي تواصلت مع مستثمرين ورجال أعمال سوريين في القطاع الخاص لتمويل وتنفيذ جزء محدود من مشاريع الطاقة تحت اسم المجلس.
وكشف المصادر أن النظام السوري بصدد إعادة تقييم العلاقة مع الإمارات، وسيطلب ضغطاً روسياً أكبر على موقف أبو ظبي من عودة النظام لجامعة الدول العربية، خاصةً وأنه يعتقد أن الإمارات اليوم ملتزمة بالموقف العربي في هذه القضية، ولا تسعى لتأثير كبير في مواقف السعودية وقطر والكويت ومصر التي ما تزال مواقف ضد عودة النظام السوري للجامعة العربية وضد التطبيع معه.
وتهتم الإمارات بشكل كبير بإقامة علاقات متوازنة مع روسيا، وغير معنية كثيراً بإيجاد طوق نجاة مكلف إقليمياً ودولياً للنظام في سورية، وضمن علاقة أبو ظبي مع موسكو جاءت الموافقة المبدئية على رفع مستوى العلاقات السياسية مع دمشق وعودة السفراء، لكنها في نفس الوقت موافقة غير رسمية، ووعد غير محدد بزمن.
مجلس الأعمال خطوة غير قابلة للتطبيق
وكذلك هو الحال مع مجلس الأعمال السوري الإماراتي فهو خطوة شكلية، حيث إنَّه وُلد في الإعلام فقط كنتيجة للقاء محمد سامر الخليل وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام مع عبد الله طوق وزير الاقتصاد الإماراتي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي على هامش أعمال معرض إكسبو 2020 في دبي.
الباحث في الشأن الاقتصادي، الدكتور أسامة القاضي، أشار في حديث لـ "نداء بوست" إلى أن مجلس الأعمال المشترك السوري الإماراتي، هو مخصص للقطاع الخاص، والذي يعتبر من أكثر القطاعات حساسية بالنسبة للمخاطر الأمنية، ومخاطر الاستثمار، ولا يمكنه أن يتدخل في أرض هي غير آمنة والمخاطرة فيها كبيرة جداً ليس فقط على صعيد الأمن والأمان، ولكن على صعيد قوانين المقاطعة التي قد تطالها في أي لحظة.
ويعتقد القاضي أن هذا المجلس هو فقط للحملات الإعلامية من أجل الضغط على النظام السوري ظناً بأنه سيقفز من الحظيرة الإيرانية إلى الحظيرة العربية، حيث تراهن بعض الدول على أن إعطاء بعض الإغراءات للنظام السوري سيجعله يترك إيران، ويعود إلى الحضن العربي ويدافع عن قضاياه.
وأضاف: "هذا الرهان لم يصح ولم يفلح زمن الأسد الأب عندما وقف مع إيران ضد العراق في الحرب التي دارت بين البلدين، حتى يفلح اليوم وبشار الأسد حرسه الخاص وتحركاته بناءً على أوامر إيرانية ولا يتحكم بالأراضي السورية التي باتت مقتسمة بين روسيا وإيران".
وأردف أن المجلس محاولة لإعطاء جزرة للنظام السوري على هذا الإغراء الاقتصادي يكون له دافع ليلتحق بالحظيرة العربية ويكون هدفه هدفها.
كذلك استبعد القاضي أن تكون الإمارات أقدمت على هذه الخطوة دون علم الولايات المتحدة، وهي تعرف تماماً قوانين العقوبات الاقتصادية، فالبنك المركزي السوري معاقب ويصعب التعامل معه، وقد يكون هناك مساعدات اقتصادية بسيطة إلا أنها لن تكون قادرة على النهوض بالاقتصاد الفاشل والمنهار دون حل سياسي شامل في سورية.
وحول عدم تفعيل المجلس، قال القاضي: "لا أعتقد أنه سيرى النور على الأرض شأنه شأن معظم الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وقعها النظام مع إيران وروسيا التي لم تترجم عملياً على أرض الواقع لا بإنتاج ولا استثمار ولا إصلاح اقتصادي على مدى 10 سنوات، حيث لا يوجد تطبيق حقيقي لا على صعيد الكهرباء أو النفط أو البنية التحتية، رغم أن روسيا أكبر مصدر للغاز والنفط والقمح في العالم لكن السوريين في مناطق نفوذ موسكو وطهران هم الأكثر جوعاً وفقراً في سورية".
وأرجع القاضي ذلك إلى وجود قانون قيصر الذي هو تشريع أمريكي لا يمكن اللعب عليه ويمكن بطريقة أو بأخرى استخلاص استثناء بسيط من الرئيس الأمريكي تجاه أي مشروع إلا أن هذا محفوف بالمخاطر، وسيكون هناك مشكلة لأي مؤسسة ستتعامل مع النظام السوري وستكون عرضة للعقوبات الاقتصادية، مشدداً على أن الإمارات بغنى عن هذه المشاكل.
وفي 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية التابعة للنظام قراراً، ينص على تشكيل "مجلس الأعمال السوري-الإماراتي"، بموجب اتفاق سابق بين الطرفين.
وذكر أن هدف المجلس، هو تفعيل دور القطاع الخاص وتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين، بكافة المجالات الصناعية والتجارية والزراعية والسياحية، والمساهمة في مجال "إعادة إعمار سورية" عبر المشاريع الاستثمارية المشتركة، وبموجب قانون الاستثمار الجديد رقم /18/ لعام 2021.
واعتبرت أن المجلس "سيفتح المجال واسعاً أمام فرص ومجالات عديدة للتعاون المشترك، ويخلق آليات مرنة للحد من القيود والعوائق التي تحول دون تطوير التعاون الثنائي".
مراحل التطبيع الإماراتي مع النظام
خلال السنوات الماضية، تسارعت وتيرة خطوات التطبيع بين الإمارات والنظام السوري، حيث افتتحت أبو ظبي عام 2018 سفارتها في دمشق بشكل رسمي، وكلفت عبد الحكيم النعيمي للقيام بالأعمال بالنيابة، كما أجرت عدة وفود سياسية واقتصادية زيارات إلى سورية، كما دعت نظام الأسد للمشاركة في فعاليات أقيمت على أراضيها.
وكان التطور الأبرز إجراء ولي عهد أبو ظبي نائب رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان اتصالاً هاتفياً مع رئيس النظام السوري بشار الأسد في السابع والعشرين من آذار/ مارس الماضي، للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة السورية، حيث تم بحث سبل التصدي لفيروس كورونا في المنطقة.
وفي التاسع من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أجرى وزير الخارجية الإماراتي محمد بن زايد، زيارة إلى دمشق للمرة الأولى منذ عشر سنوات، التقى خلالها بشار الأسد، وقد اعتبر المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، أن هدف الزيارة هو "بناء الجسور ووصل ما انقطع".
وقال قرقاش في تغريدة على "تويتر": "الإمارات مستمرة في بناء الجسور وتعزيز العلاقات ووصل ما قُطع، وستحرص في ذلك كله على البُعد العربي وتجنيب المنطقة المزيد من الاحتقان والصراعات المستمرة".
رسائل أمريكية للإمارات
انتقدت الولايات المتحدة على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس، زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق ولقاءه برئيس النظام السوري بشار الأسد.
وقال برايس: إنه "على الدول في المنطقة، النظر بعناية إلى الأعمال الوحشية التي ارتكبها النظام السوري والأسد نفسه ضد شعبه خلال العقد الأخير، وجهوده المتواصلة لمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى العديد من المناطق".
وأضاف: "كما قلنا سابقاً إن الإدارة الأمريكية لن تعبر عن دعمها لأي جهود للتطبيع أو لتأهيل بشار الأسد الذي هو دكتاتور متوحش، وهذا الموضوع نناقشه بشكل متواصل مع شركائنا القريبين في المنطقة بما في ذلك الإماراتيون، وأوضحنا لهم موقفنا حيال ذلك".
كما شدد على أن الولايات المتحدة، لن تطبع علاقاتها أو ترفع مستواها مع نظام الأسد، ولا تدعم تطبيع دول أخرى أو رفع مستوى علاقاتها مع النظام نظراً للأعمال الوحشية التي ارتكبها هذا النظام ضد شعبه.
وتابع: "الإدارة الأمريكية ترى أن الاستقرار في سورية والمنطقة يمكن تحقيقه فقط من خلال العملية السياسية التي تمثل إرادة كل السوريين، ونحن ملتزمون بالعمل مع حلفائنا وشركائنا والأمم المتحدة من أجل تحقيق حل سياسي دائم".
كذلك أشار برايس إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، تحدث مع نظيره الإماراتي في بريطانيا، الأسبوع الماضي حول هذا الموضوع، وأن زيارة بن زايد إلى دمشق لم تُشكِّل مفاجأة للولايات المتحدة.
وفي السياق ذاته، نقلت قناة الحرة عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية -لم تسمه" قوله إن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أوضح أن واشنطن لم ترفع العقوبات عن نظام الأسد ولم تغير موقفها إزاء معارضة إعادة إعمار سورية، "إلى حين تحقيق تقدم لا عودة عنه تجاه حل سياسي نعتبره ضرورياً وحيوياً".
وأكّد "أنه في حين أن المساعدات الإنسانية إلى سورية مستثناة من العقوبات، إلا أن استثمارات أخرى عديدة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ليست مستثناة".