لا يخفى على أحد الوضع في الشرق الأوسط، حيث بات مكاناً لتصفية الحسابات للدول الكبرى، ومحلاً للتنافُس الاقتصادي.
في سورية على سبيل المثال؛ تتداخل مصالح الدول الكبرى، في إطار “مناحرات” بين هذه الدول، تجعل من سورية وسكانها ومواردها؛ مجرد ساحة لعب يتحرك فيها فاعلون أصغر على شكل حجارة شطرنج في سبيل تحقيق مكاسب معينة، “فاعلون” يتم تحريكهم من قِبل قوى عالمية وأخرى إقليمية، في سبيل تطوير قدرات اللعبة التي تمتد على مختلف أراضي الشرق الأوسط وربما أبعد من ذلك.
وفي العراق نجد أن كبريات شركات الطاقة تحاول الوصول إلى البلاد لعقد استثمارات جديدة، فخلال سيطرة الإيرانيين على القطاع المدمر نسبياً، عبر إمداده بالغاز، والكهرباء، سعت كل من سيمنس الألمانية، وجنرال إلكتريك الأمريكية، ولوك أويل الروسية، إضافة إلى شركة بي بي البريطانية وشركات أخرى صينية ويابانية للحصول على عقود الطاقة في العراق، كما زار الرئيس الفرنسي العراق في 2020 وطرح فكرة إقامة مشروع طاقة نووية يتم بناؤه من قِبل شركات فرنسية، وذلك في سبيل دعم استقلال العراق، في نطاق إقليمي تسعى كل من تركيا ودول الخليج -وكذلك مصر- للدخول إلى سوق الطاقة في العراق لأهداف اقتصادية وأخرى سياسية.
الحال في لبنان قد لا يختلف كثيراً عن الوضع في العراق، والفِرَق اللبنانية المحلية ما هي إلا بيادق في لعبة أكبر يتم لعبها في لبنان والمنطقة، وتنطبق اللعبة على كل شيء تقريباً، الساحة السياسية، والاستثمارات الاقتصادية، وقطاع النفط والغاز الواعد.
كانت روسيا وجدت في سورية صالة واسعة لعرض السلاح الروسي وتجريبه، ومَن اطلع على المعارض العالمية للسلاح والتي شاركت بها روسيا، يستطيع أن يشاهد مقاطع فيديو لسلاح روسي يتم تجريبه في سورية، وبالفعل حققت روسيا ارتفاعاً في مبيعات السلاح لعدة سنوات سابقة عَبْر عرضه في سورية. كما جربت دول عدة قدراتها العسكرية في سورية، فالأمريكيون والبريطانيون وغيرهم كثير دخلوا المسرح السوري لاختبار قدرات استخباراتية وعسكرية.
في هذه الأثناء يسلط الضوء على قطاع اقتصادي مهم، هو قطاع الألعاب الإلكترونية. السعودية كانت قد تعهدت مؤخراً بطرح (87 مليار دولار)، -وهو ما يعادل الدخل المحلي السنوي لعدة دول في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا- لتنشيط السوق الداخلي والاستثمار في قطاع الألعاب، وفي تركيا نجد أن قطاع الألعاب يشهد نشاطاً كبيراً؛ حيث تتهافت عليه شركات عالمية، ففي شهر حزيران/ يونيو الماضي جمعت شركة (Cypher Games) -وهي شركة مجهرية ناشئة- بضعة ملايين من الدولارات في جولة عالمية لتمويل خطتها، وقُيّمت حينها شركات الألعاب التركية الناشئة والمماثلة لـ (Cypher Games) بمليار دولار أمريكي، بعد أن تم جمع تمويل قطري وأمريكي للشركات الناشئة.
في مطلع 2022 استطاعت إحدى الشركات الأردنية أن تحقق 150 مليون عملية تحميل للعبة تحمل على الهاتف المحمول وتعمل ضِمن نظام أندرويد كانت قد طرحتها باللغة العربية فقط، وفي إسرائيل كانت شركات الألعاب قد حققت دخلاً سنوياً في 2021 بحوالَيْ 8.5 مليار دولار أمريكي، وفي الفترة نفسها طور أحد الفلسطينيين لعبة فرسان الأقصى التي تسمح بتحرير الأراضي الفلسطينية، وهو ما اعتبرته إسرائيل خطراً إلكترونياً يهددها، إضافة لترويج وجهة نظر فلسطينية بحتة لا تتناسب مع خطابها.
وكانت شركة صينية تدعى (Niko Partners ) قدرت سوق الألعاب في مصر والسعودية والإمارات بحوالَيْ 4 مليارات دولار وبدأت الاستثمار في هذا السوق فعلياً في 2021، كما بدأت الشركات الأوروبية والأمريكية تنظر إلى هذا السوق على أنها ذو فرص واسعة، مما يدفعها للدخول.
هكذا يُعَدّ سوق الألعاب الإلكترونية في الشرق الأوسط واعداً وتنافسياً وذا موارد مرتفعة، ورغم حداثة نشأته إلا أن التنافس الأكبر في سياق الشرق الأوسط، على السياسة والاقتصاد، سينتقل إلى قطاع الألعاب، فما يجمع بين قطاع الألعاب الإلكترونية ومسرح الشرق الأوسط؛ هو اللعبة نفسها وإن اختلفت قواعدها، ومن ناحية أخرى السعي لتحصيل أكبر قدر ممكن من الموارد.