أوصى معهد ”هدسون” للأبحاث في تقرير للباحث التركي عمر أوزكيزيلجيك والزميل في المركز مايكل دوران، بتوحيد مناطق نفوذ تركيا والولايات المتحدة في سورية، من خلال خارطة طريق تفضي إلى حل الخلافات بين الجانبين التي بدأت منذ أكثر من ثماني سنوات.
وأشار المعهد إلى العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة، وكيف تأثرت الشراكة الممتدة منذ أكثر من سبعين عاماً، بتحالف إدارة أوباما مع وحدات حماية الشعب، التي تعتبرها أنقرة أنها تمثل تهديداً لأمنها القومي.
كما أشار التقرير إلى اضطرار تركيا للاصطفاف مع روسيا في سورية بسبب الضغوطات التي تعرضت لها من قبل الولايات المتحدة، وتفضيل الأخيرة لـ”قسد” على الشراكة مع تركيا الحليفة في ”الناتو”.
وتطرق التقرير إلى أن مواقف تركيا تتماهى مع مواقف الولايات المتحدة في معظم القضايا الدولية كالغزو الروسي لأوكرانيا ورفض ضم شبه جزيرة القرم وغيرها من الملفات.
كما ذكَّر التقرير بأن الخلاف الاستراتيجي بين تركيا والولايات المتحدة يعود إلى دعم واشنطن لوحدات حماية الشعب الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مؤكداً أن مشكلة تركيا مع PKK ليست وليدة اليوم أو خلقت خلال فترة تولي أردوغان للسلطة وإنما هي قضية أساسية حتى حينما كانت الدولة تحكم من قبل جيش شديد العلمانية.
ويقول المسؤولون الأتراك صراحة إن التحالف بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب هو الشاغل الرئيسي للأمن القومي، وهو تحد أكبر حتى من موازنة القوة الروسية، نتيجة لذلك، فإن السياسة التركية تشهد انقساماً ملحوظاً، حيث تدعم أنقرة أوكرانيا في حربها ضد روسيا وكأن هدف السياسة التركية هو تقويض القوة الروسية، في غضون ذلك، تشارك مع روسيا في عملية دبلوماسية في سورية، من شأنها -إذا وصلت إلى نهايتها المنطقية- تحسين موقف روسيا الدولي.
وإذا حقق التقارب الذي ترعاه روسيا بين تركيا والنظام السوري أهدافه، فإن الضغط التركي على روسيا في سورية سيختفي، وستقف تركيا وروسيا والنظام بصف واحد ضد وحدات حماية الشعب وستجد الولايات المتحدة وحيدة في شمال شرقي سورية.
وفي حال حدث ذلك فإن إدارة بايدن ستجد نفسها أمام 3 سيناريوهات، أولها الانسحاب من سورية وتركها لتركيا وروسيا وإيران، وثانيها البقاء شرق الفرات ودفع تركيا نحو مزيد من التقارب مع روسيا، ومع مرور الوقت ستتفاوض واشنطن على الانسحاب.
أما السيناريو الثالث فيستلزم العمل مع تركيا لبناء سورية تخدم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، ويعتبر المعهد أن هذه الخطوة منطقية جيوستراتيجية سليمة، لكنها تحمل تكلفة سياسية باهظة مقدماً، فلكسب الأتراك يتعين على الولايات المتحدة إنهاء تحالفها مع وحدات حماية الشعب.
5 ميزات لخارطة الطريق
يشرح عمر أوزكيزيلجيك في خارطة الطريق التي وضعها كيف يمكن للولايات المتحدة تنفيذ هذه المهمة الصعبة، بطريقة من شأنها أن تنقذ وحدات حماية الشعب، وتكون أقل إزعاجاً لحياة السوريين الذين يعيشون حالياً تحت حكم ”قسد”، وتكون مفيدة للغاية من الناحية الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها، وليس أقلهم إسرائيل.
وتتكون رؤيته من خمس ميزات جديرة بالملاحظة:
1- بناء هذه الخارطة على الشراكة القائمة بين تركيا وحكومة إقليم كردستان في العراق، وهي شراكة تشعر الولايات المتحدة بالفعل براحة كبيرة معها.
2- من خلال حجب خطوط الإمداد الإيرانية عبر سورية، تخلق خارطة الطريق الأساس لتحالف الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا في سورية، على غرار الاصطفاف الذي كان موجوداً في التسعينيات.
3- تضعف خارطة الطريق نظام الأسد وداعميه، روسيا وإيران، وتخلق إطاراً للعمل الأمريكي التركي المشترك في المستقبل، بما في ذلك القضاء على داعش.
4- لا تتطلب الخارطة أي عمل عسكري أمريكي مباشر ضد القوات الروسية أو الإيرانية، كون الخطة لا تدعو إلا إلى القليل من العمل العسكري المباشر، وسيقتصر دور الولايات المتحدة على توفير الدعم الدبلوماسي والردع العسكري الموسع.
5- تشجع خارطة الطريق الحكم المحلي العرب على العرب والأكراد على الأكراد.
7 افتراضات
أشار التقرير إلى أن التحالف بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب أدى إلى تسميم العلاقات بين أنقرة وواشنطن، مؤكداً أن الثقة لن تستأنف حتى يحل البلدان الصراع.
وترسم خريطة الطريق هذه حلاً محتملاً واحداً من خلال تحديد المسار الذي يمكن لتركيا والولايات المتحدة أن تمضيا فيه معاً لإنشاء مجال موحد من النفوذ، وقدم المعهد سبعة افتراضات أساسية يمكن الاسترشاد بها لهذا الاقتراح:
1- تتطلب الشراكة بين الولايات المتحدة وتركيا إنهاء كاملاً للتحالف بين وحدات حماية الشعب والولايات المتحدة، وانسحاب وحدات حماية الشعب بالكامل من منطقة النفوذ الأمريكية التركية التي يتم إنشاؤها.
2- يجب على الولايات المتحدة وتركيا السعي إلى تجنب المواجهة المباشرة مع روسيا.
3- تولي الجيش التركي وحلفائه السوريين والعناصر غير التابعة لـ”قسد” المهام الأمنية التي تقوم بها وحدات حماية الشعب حالياً.
4- يجب أن يعكس التكوين العرقي للهياكل السياسية والعسكرية في كل جزء من المجال المشترك بين الولايات المتحدة وتركيا التركيبة السكانية المحلية: يجب أن يحكم الأكراد الأكراد، ويجب أن يحكم العرب العرب.
5- القضاء على داعش في سورية مصلحة أساسية لكل من الأمريكيين والأتراك.
6- حماية المدنيين وتقليل الاضطرابات المحلية من خلال إجلاء وحدات حماية الشعب.
7- تتولى الولايات المتحدة وتركيا مهمة تطوير الهياكل السياسية والعسكرية المحلية وفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، الذي يعترف بشرعية المعارضة السورية ويدعو نظام الأسد إلى التفاوض معها بشأن الانتقال السياسي.
6 خطوات لتطبيق الخارطة
قدم المعهد 6 خطوات لتطبيق خارطة الطريق المقترحة، توحيد مناطق شرق الفرات بمناطق سيطرة المعارضة السورية في ريف حلب وإدلب.
1- إخراج وحدات حماية الشعب من دير الزور، وفصل مجلس دير الزور العسكري عن ”قسد” وضمه إلى الجيش الوطني السوري.
2- إخراج وحدات حماية الشعب من الحسكة، وإيجاد شريك كردي محلي من المجلس الوطني الكردي والبيشمركة، وإنشاء فيلق في الجيش الوطني السوري من المقاتلين الأكراد المنحدرين من المنطقة.
3- إشراك روسيا، في حال تطبيق ما سبق فإن وحدات حماية الشعب ستميل لروسيا أكثر من الولايات المتحدة، ما يعني أن مدناً مثل الرقة والطبقة ومنبج ستكون في متناول يد الأسد، لذلك فإن أنقرة وواشنطن مطالبتان بالتنسيق مع موسكو وإطلاق يدها في تلك المناطق، ومطالبتها بالانسحاب من عين العرب وعامودا والدرباسية والقامشلي، تجنباً لعملية عسكرية قد تحدث ضدها.
4- تطهير إدلب من القاعدة من خلال حل هيئة تحرير الشام ودمج عناصرها السوريين في الجبهة الوطنية للتحرير، واستخدام الخيار العسكري ضد العناصر الرافضة لذلك.
5- إعادة هيكلة الحكومة السورية المؤقتة وجعلها أكثر ديمقراطية وتعددية، لتعكس الحقائق الجديدة على الأرض، ولتهدئة المخاوف من أن توطيد مناطق النفوذ التركية والأمريكية مقدمة لتقسيم سورية بحكم الأمر الواقع بين تركيا والولايات المتحدة من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى.
6- قطع ممر الإمداد الإيراني ومنع قوافلها العسكرية من الدخول من معبري الوليد والبوكمال، وطرد الميليشيات من ريف دير الزور الشرقي.
وخلص التقرير إلى أنه في حال اتبعت الولايات المتحدة وتركيا عن كثب خارطة الطريق هذه، فلن ينسقا سياساتهما في سورية فحسب، بل سيقضيان أيضاً على أكبر مصدر للخلاف بينهما ويخلقان أساساً لعملهما كحليفين في المستقبل.