نداء بوست – تحقيقات – مراسلو نداء بوست في إدلب
تزداد الأزمة الإنسانية في محافظة إدلب سوءاً يوماً بعد يوم، وذلك مع قلة المساعدات المقدَّمة وتراجُع أعداد المشاريع الإغاثية التي يتم تنفيذها، فضلاً عن انشغال عدد لا بأس به من الهيئات والمؤسسات الإنسانية العاملة في المنطقة بسد احتياجات النازحين من المسكن وتأمين سقف يقيهم برد الشتاء، خاصة بعد العواصف الأخيرة التي تعرضت لها المنطقة.
يُضاف إلى ذلك قلة فرص العمل، وانخفاض أجور العمال، في وقت تشهد به الليرة التركية انخفاضاً كبيراً أمام الدولار، الأمر الذي أدى إلى تضاعُف أسعار المواد الأساسية وبشكل خاص الغذائية والمحروقات منها، وخلق فجوة كبيرة بين الدخل وحجم الإنفاق.
مبادرة فردية تصنع فارقاً
في مسعى لإيجاد حل لجزء من هذه الأزمة، أطلق الدكتور السوري المقيم في ألمانيا، عدنان وحود، مبادرة "جيب صحنك"، والتي تهدف إلى تقديم وجبة طعام لأشخاص تقطعت بهم السبل أو عوائل غير قادرة على تأمين حاجتها من الغذاء.
وفي مدينة إدلب، وجد الدكتور وحود المكان وبدأ بإعداد وتجهيز "مطبخ أهل الخير" ليكون جاهزاً لاستقبال ضيوفه وقاصديه، ومع نهاية العام الماضي، فتح المطبخ أبوابه أمام المئات من السكان وعابري السبيل في المحافظة.
تفاصيل الفكرة
للوقوف على تفاصيل هذه المبادرة، أجرى موقع "نداء بوست" حواراً مع الدكتور عدنان وحود وهو مهندس سوري مغترب منذ فترة ليست بالقصيرة، وعالم ومبتكر حائز على العديد من براءات الاختراع في مجالات فكرية، وله العديد من المبادرات الخيرية في الشمال السوري أبرزها قرية "التُّوبات" النموذجية التي أمنت مسكناً كريماً تم بناؤه بمواصفات عالية الجودة لـ 125 أسرة نازحة.
وأوضح الدكتور وحود، أن فكرة المطعم الخيري جاءت من أنه "حتى في المدن الكبيرة في العالم مثل برلين وهامبورغ ونيويورك هنالك دائماً أناس تقطعت بهم السبل لأي سبب من الأسباب، فنجد في تلك المدن مطاعم ميدانية خيرية لرعاية هؤلاء الناس وتقديم أساسيات الحياة لهم ومنها وجبة طعام بسيطة".
وأشار إلى أن هذا الشيء بات موجوداً في سورية في مناطق الشمال وخاصة في التجمعات الكبيرة مثل مدينة إدلب التي نزح إليها أعداد كبيرة من الناس، حيث من المؤكد أن هناك أعداداً ليست قليلة لا تصلها المساعدات وتخفق في إيجاد المساعدة.
كما أن المخاوف من وجود أناس كثر جياع لا يجدون ما يأكلونه، كانت سبباً رئيسياً في فكرة إنشاء المطبخ الخيري لتقديم وجبة بسيطة لمثل هؤلاء الناس.
في منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، توجه الدكتور وحود إلى إدلب وناقش الأمر مع أشخاص على دراية بالواقع في المدينة ومباشرة تجاوبوا مع الفكرة التي لاقت استحساناً لديهم، وبعدها بدأ البحث عن مكان في وسط المدينة، وسط دعم عدد غير قليل من الناس من أهالي إدلب.
ويضيف محدثنا: "مباشرة استكملنا شؤون المطبخ واحتياجاته ومن ثَم انطلق العمل في الأسبوع الأخير من عام 2021".
ألف مستفيد يومياً
قال الدكتور وحود: إن عمل المطبخ الخيري قائم الآن بالتعاون مع منظمة بنفسج وجمعية النهضة الخيرية، وحالياً يتم تقديم الوجبات لحوالَيْ ألف شخص يومياً، مضيفاً: بدأنا بـ 700 مستفيد والآن وصلنا إلى الألف شخص والطلب كبير، وبالنسبة للوجبة تتألف من صحن حساء ورغيف خبز".
لماذا "جيب صحنك"؟
أوضح الدكتور وحود أنه في بداية الفكرة واجهتهم مشكلة حول كيفية تقديم الوجبة للمستفيدين، خاصة إذا ما تم تقديمها في صحون بلاستيكية، واحتمالية قيام البعض بتناول الوجبة ورمي الصحن في الطرقات، الأمر الذي سيؤدي إلى تلوث في البيئة وتراكُم للنفايات في الطرقات.
وأضاف: "لتجنُّب هذا الأمر طرحت فكرة أن يأتي كل شخص بصحن أو وعاء للحصول على وجبته ووجبة عائلته، وكانت فكرة جيدة جداً، خاصة مع ضرورة الانتباه للطبيعة وعدم تلويثها بالمشروع، ومن هنا جاءت فكرة تسمية المطعم بـ"جيب صحنك".
آلية التوزيع
تتم عملية التوزيع بسرعة كبيرة، تقريباً تأخذ ساعة من الزمن، ووفقاً لمحدثنا فإن الأمر "ناجح حالياً ويسدّ حاجة من حاجات الناس ونحن الآن نعتبر في فترة تجريبية للمشروع مدتها ثلاثة أشهر، ومن بعدها سيتم تقييم العمل واستمراره أو توقُّفه أو الاستمرار مع التوسع".
ويختم وحود حديثه بالقول: "نأمل بهذه الفكرة أن نكون قدمنا خدمة لأهلنا النازحين وما زالوا بحاجة إلى مساعدة، وهي أيضاً مساعدة تحفظ كرامة الناس حيث الذي يأتي إلى المكان لا يُسأل عن اسمه أو أي بيانات، فقط يقدم صحنه ونحن نضع له الطعام المناسب المطبوخ بشكل جيد، ونتمنى أن تقوم جهات أخرى بتنفيذ هذه الفكرة في تجمُّعات النازحين وغيرهم".