المصدر: الإندبندنت
ترجمة: عبدالحميد فحّام
بقلم: السير فينس كيبل (هو الزعيم السابق للديمقراطيين الليبراليين).
إن موسم السلام والنية الحسنة على وشك الانتهاء فربما حان الوقت للتفكير في بعض المخاطر المقبلة والتي من بينها احتمال اندلاع صراع عسكري في واحد من ثلاثة مسارح حيث تكون المخاطر كبيرة وتشارك فيها القوى الكبرى: أوكرانيا وإيران وتايوان.
إن القدرة العسكرية البريطانية، هذه الأيام، تتقلص وهامشية. لكن الالتزام الإستراتيجي الوحيد الذي لا لبس فيه لحكومة المحافظين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو التمسك بأكبر قدر ممكن بما تقرر واشنطن القيام به فالحياد ليس خياراً ممكناً.
لقد أثار تكريم العام الجديد للسير توني بلير تذكيراً غير مريح بالمكان الذي قد توصل إليه مثل هذه الأمور. فحقيقة أن الرئيس بايدن ليس من دعاة الحرب المتعجرفين وأنه ترأس للتو انسحاباً عسكرياً مُخزياً من أفغانستان لا يضمن أن إدارته ستتراجع وتنسحب في المستقبل.
وإذا كان لأوروبا، وبريطانيا على وجه الخصوص، خصم، فهذا الخصم هو روسيا. والتهديد يظهر بوضوح من اغتيال معارضي نظام بوتين على أراضي المملكة المتحدة، إلى الهجمات الإلكترونية، إلى نشر القوات التقليدية والنووية لروسيا حول المملكة المتحدة. ومع ذلك، فإن حلفاءنا في الولايات المتحدة مهْوُوسون بدرجة أكبر بـ "التهديد" من الصين.
ويتمثل الخطر الأكثر إلحاحاً في عام 2022 في حشد 100000 جندي روسي على الحدود الأوكرانية، ليكونوا قادرين على اتخاذ مجموعة من الخيارات العسكرية، من التعدّي المحدود إلى الغزو الصريح وتقسيم أوكرانيا.
يبدو أن التهديد أو الواقع المتمثل في عبور الروس للحدود والاستيلاء على الأراضي الأوكرانية يهدف إلى إقناع الغرب بالقيود المفروضة على انتشار الناتو والاعتراف بالاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم وربما دونباس، في جنوب شرق أوكرانيا.
وقد تكون حجة بوتين القائلة بأن روسيا في عهد يلتسين خاضعة لحلف شمال الأطلسي "العدواني"، مستغلاً ضعفها المؤقت في التسعينيات، انتهازية لكنها تلامس وتراً عميقاً من المشاعر الوطنية في روسيا. إن أوكرانيا لا تتمتع بضمانات من الناتو، فقد استبعد الرئيس بايدن الرد العسكري من قِبل الناتو، والذي من المحتمل أن يؤدي إلى استخدام الأسلحة النووية. ولكن ستكون هناك دعوة لتعزيز خط جبهة الناتو الممتد على طول الحدود الشرقية وتقديم أي دعم يمكن توفيره لأوكرانيا دون الاضطرار إلى خوض غزو روسي. فمن المتوقع أن تكون بريطانيا حليفاً كبيراً ومُخلِصاً وتقوم بنشر قواتها على الأرض.
ومن المرجح أن يتم خوض أي حرب أوسع يشارك فيها الغرب بأسلحة اقتصادية. حيث ستُفرض عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا، بما في ذلك مقاطعة النفط والغاز الروسيين، والوقف الفعلي لجميع المعاملات التجارية مع الغرب من خلال تعليق استخدام البنوك الروسية لنظام تسوية المدفوعات SWIFT.
ليس هناك شك في أن أشد أشكال العقوبات الاقتصادية سيضر بالاقتصاد الروسي بشكل كبير ويزيد من تقويض شعبية نظام بوتين. لكن من الصعب أن نرى كيف يمكن للإجراءات التي لا ترقى إلى الاستيلاء على البنوك السويسرية أن تلحق الضرر بالثروات الهائلة التي نهبها الفاسدون في الكرملين، بمن فيهم بوتين، في الخارج.
وفي الوقت نفسه، لدى الروس خيار تحويل صادراتهم من الغاز إلى آسيا مؤقتاً، وخاصة الصين المتعطشة للطاقة، مما يؤدي إلى التقارب بين البلدين.
أيضاً إنه من السذاجة تصديق فكرة أن أوروبا يمكن أن "تربح" حرباً اقتصادية. فلقد دخل الوزراء البريطانيون بالفعل في حالة من الهلع من احتمالية ارتفاع أسعار الطاقة دون دعوة المزيد من التعطيل الشديد لسوق الغاز.
إن ما يوصف بأنه سلاح عقوبات قوي – رفض فتح خط أنابيب الغاز الذي تم بناؤه حديثاً من روسيا إلى ألمانيا – سيُسبب مبدئياً نقصاً مستمراً ومؤلماً في الغاز في الغرب.
النقطة الأكثر جوهرية هي أن كل الحديث في مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين لتغير المناخ "COP26" عن الوقود الأحفوري باعتباره "أصلاً للانبعاثات" يثبت أنه سابق لأوانه بشكل كبير. حيث تشهد الاقتصادات التي تتعافى من قيود كوفيد زيادة في الطلب على الوقود بسبب ارتفاع فواتير التدفئة والحاجة إلى البنزين.
ويذكرنا مصدرو الطاقة، بقيادة روسيا، بأن الوقود الأحفوري -للأسف- لا يزال مصدراً أساسياً للطاقة. فهو يظل مصدر نفوذ كبير تنوي روسيا استغلاله ونفس النقطة مفهومة بوضوح في إيران.
فقد تسببت العقوبات الأمريكية الشديدة في قدر كبير من الألم هناك، لكن يبدو أن النظام لا يزال بعيداً عن الانهيار. ولا تزال إيران تقف وراء الحلفاء في العراق وسورية ولبنان وهي مصممة أكثر من أي وقت مضى على امتلاك القدرة على صنع سلاح نووي.
لقد أوضحت إسرائيل أنها ستشن ضربة عسكرية استباقية لمنع مثل هذا "الاختراق" النووي. فإما أن الإيرانيين يخادعون، أو أنهم حسبوا أنهم يستطيعون الصمود في وجه هجوم وإلحاق أضرار كافية في أماكن أخرى – على الشحن البحري في الخليج، أو منشآت دول الخليج – لتبرير تحديهم. وإذا لم يكونوا يخدعوننا، فمن المحتمل أن يكون هناك شكل من أشكال النزاع المسلح في الأشهر المقبلة.
حتى الآن، يبدو أن القوى العظمى تحثّ على ضبط النفس -الولايات المتحدة الأمريكية بشأن إسرائيل؛ الصين وروسيا بشأن إيران- ولكن من السهل أن نرى كيف يمكن أن تندلع حرب شرسة وجر الآخرين إليها. يمكن لإيران أن تتسبب في زعزعة الاستقرار الشديدة مع الاستمرار في بيع نفطها -بشكل أساسي للصين- بأسعار مرتفعة.
كما أنها تستفيد من الغضب المُبرر الناجم عن مراعاة شروط خطة العمل الشاملة المشتركة التي تم التفاوض عليها بشكل مؤلم مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، والتي مزقتها إدارة ترامب بكل بساطة.
ساحة المعركة الثالثة المحتملة، التي يروّج لها صقور الولايات المتحدة، هي تايوان. فعلى الرغم من الضجيج الذي أحدثته القوات الجوية الصينية في الجزيرة، إلا أن خطر نشوب نزاع مسلح يبدو منخفضاً في الوقت الحالي. فلقد قام رئيس الأركان الأمريكي، الجنرال ميلي، بإخبار الكونغرس أن احتمال الغزو في أي وقت قريب ضعيف جداً.
إن غزو جزيرة محمية بشدة على بُعد 100 ميل سيكون مهمة عسكرية هائلة لم تظهر الصين أي دراية فيها حتى الآن. وعلى الرغم من الخطاب العدائي، فإن الصين تتعايش مع تايوان منذ 70 عاماً، بشكل سلمي ومربح. يعتمد بقاء تايوان على الغموض. حيث تتبع الجزيرة مساراً مزدهراً وديمقراطياً ومستقلاً، ويتظاهر بقية العالم (في الغالب) بأنها جزء من الصين. الاستقلال هو عبارة عن أمر واقع وليس بحكم القانون.
فلقد أوضحت الصين أن الإعلان الرسمي للاستقلال سيكون عملاً لإعلان الحرب، لكنها حتى الآن تتجاهل وتحافظ على الغموض بما يخص هذه المسألة.
يشعر المتشائمون بالقلق من أن هذا لا يمكن أن يستمر لفترة أطول. يبدو أن صبر الرئيس شي بدأ ينفد من فكرة إعادة التوحيد السلمي في نهاية المطاف. ويريد الجيل الأصغر من التايوانيين وممثليهم السياسيين التأكيد على هُوِيَّتهم المنفصلة، بدافع من أعضاء الكونغرس الأمريكي الذين سيرحبون بمواجهة مع الصين.
إنهم يرون الصعود الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي للصين على أنه تهديد للهيمنة الأمريكية ويريدون التحرك الآن قبل فوات الأوان.
إن "سوء التفاهم" بشأن تايوان، الناشئ عن السلوك العدواني للصين، يمكن أن يوفر ذريعة لمزيد من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على الصين. وسيرغب كِلا الجانبين في تجنُّب الصدام العسكري عندما تكون المخاطر المحيطة بالتصعيد كبيرة وغير مؤكدة، ولكن قد تحدث حسابات خاطئة.
على أي حال، توضح الولايات المتحدة أن الصين -وليس روسيا أو إيران- هي العدو الأول للجمهور.
وبالنسبة لحلفاء أمريكا في أوروبا، ولا سيما بريطانيا، فإن هذا يمثل وضعاً حرجاً. فهناك تهديد حقيقي جداً من روسيا وحشد القوات المعادية. لكن الرد الأمريكي هو التقليل من أهمية المخاطر العسكرية والبحث عن طرق سلمية للخروج أو أسلحة اقتصادية بدلاً من أسلحة حقيقية.
على النقيض من ذلك، لا يوجد تهديد حقيقي لأوروبا من الصين، ولكن لعب دور الحليف المخلص للولايات المتحدة – مع انتشار البحرية البريطانية في الشرق الأقصى – يمكن أن يجرنا إلى صراع ليس لدينا فيه مصالح حقيقية.