مر 10 أعوام على ارتكاب قوات النظام السوري مجزرة "المسطومة" بريف إدلب، وذلك عندما أطلق الرصاص الحي المباشر على آلاف المتظاهرين الذين اجتمعوا من قرى ومدن ريف إدلب، بهدف الوصول للاعتصام بساحة "السبع بحرات" في مركز محافظة إدلب.
جمعة الحرية (آزادي) في 20 أيار/ مايو 2011 كانت إحدى المحطات الفاصلة في مسار الثورة السورية عموماً، وفي محافظة إدلب على وجه الخصوص.
وتحدث نشطاء شهدوا الواقعة إلى موقع "نداء بوست"، وروَوْا شهادات عما جرى في تلك الجمعة، التي عرفت للمرة الأولى في محافظة إدلب إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، مما أدى لسقوط ضحايا.
النشطاء أكدوا أنه كان هناك تنسيق على مستوى عالٍ بين كل تنسيقيات الثورة في مدن "معرة النعمان" و"جسر الشغور" و"جبل أريحا" ومركز محافظة إدلب ومنطقة "جبل الزاوية"، وبلدة "بنش" وريف إدلب الشمالي، من أجل توجيه حشود كل تلك المناطق باتجاه ساحة "السبع بحرات" في مدينة إدلب، ليتحول إلى اعتصام داخل الساحة على غرار الاعتصامات التي حصلت في باقي المحافظات.
وكان الهدف من الاعتصام تجميع أكبر عدد من الفعاليات الشعبية والضغط على النظام السوري وتحويل المظاهرات والحشود من القرى والأرياف إلى داخل المدن، لتوجيه رسائل سياسية بالغة.
وانطلقت المظاهرات من القسم الشرقي لـ "جبل الزاوية" على الدراجات النارية، مشياً على الأقدام والسيارات، ووصلت إلى منطقة "أحسم"، والتقت مع مظاهرات القسم الغربي من "جبل الزاوية"، رافعين أعلام الثورة السورية، والتقى المتظاهرون مع القادمين من منطقة "جسر الشغور" قرب بلدة "أورم الجوز" على طريق "حلب – اللاذقية" الدولي.
وبعد تجمُّع المتظاهرين انطلقوا باتجاه مدينة "أريحا" والتقى المتظاهرون عند جسر المشاة في المدينة، وقد تجمَّع حشد ضخم وكبير؛ حيث كان يمكن مشاهدة جموع المتظاهرين على امتداد 3 كم.
خطة المسير كانت تقتضي الالتقاء عند بلدة "المسطومة" الواقعة جنوب مدينة إدلب، قبل التوجه إلى الساحة داخل مركز المحافظة.
وقال الناشط الحقوقي "أحمد نور الرسلان" في شهادته لموقع "نداء بوست": "بعد خروج المتظاهرين نحو بلدة المسطومة لم يكن هناك بحسبانهم أن تنصب قوات النظام السوري كميناً قرب معسكر الطلائع الذي كانت تتمركز به على أطراف البلدة، رغم وجود معلومات عن استنفار بداخله".
وأضاف "الرسلان": "وصلتنا معلومات أن مظاهرات معرة النعمان تعرضت لإطلاق نار وسقط ضحايا، ولم يعد بإمكانهم المسير نحو أريحا، لذلك كان الأمل معقوداً على مظاهرات جبل الزاوية وجسر الشغور وبنش، للوصول والتظاهر في ساحات إدلب".
ولفت في حديثه: "وصل المتظاهرون عصراً إلى مشارف معسكر المسطومة، ولم يكن هناك مظاهر مسلحة، وقام المتظاهرون بأداء صلاة العصر، ومن ثَمَّ الانطلاق واللقاء مع متظاهري المسطومة، وبعدها المسير نحو الوصول إلى مدينة إدلب".
وأوضح أن "المتظاهرين كانوا في منطقة منخفضة ومكشوفة على المعسكر، وخلال إقامة الصلاة بدأ إطلاق نار كثيف من المعسكر باتجاه المتظاهرين، وكذلك من خلال كمائن بين أراضي الزيتون نصبتها قوات النظام، وبدأت الناس تتوزع وتختبئ على أطراف الطرقات".
وأردف محدثنا بالقول: "شاهدت أكثر من 100 شخص بين قتيل وجريح في الصفوف الأمامية، وبدأ المتظاهرون بالعودة نحو مدينة "أريحا، وبعض الناس تتوزع على أطراف الطرقات للاختباء من الرصاص المتواصل، وفي الأثناء التي قام بها الجنود التابعون للنظام بإطلاق النار، انشق جنديان كانا في محيط المعسكر، وبادرا بالاشتباك مع قوات النظام التي تسدد رصاصها باتجاه المتظاهرين.
وبدأت عملية إخلاء الجرحى ونقل قسم من الإصابات الذين لم يكونوا مكشوفين على قوات النظام، أما بعض المصابين الذين وصل إليهم العناصر فتمت تصفيتهم ميدانياً.
من جهته قال الناشط "مجد سليم": إنه وبعد تشييع الضحايا في اليوم التالي، ونتيجة مشاعر الغضب مما حدث تسلل شعور إلى المتظاهرين بأنه لم يعد بالإمكان الاستمرار في التظاهرات السلمية في ظل تعاطي قوات النظام الوحشي معها، خاصة أن هذه الحادثة سبقتها عمليات إطلاق رصاص مباشر على المتظاهرين في كل من درعا وحمص".
وأشار "سليم" في حديثه لموقع "نداء بوست" أنه "بعد هذا اليوم بدأت الثورة في إدلب تأخذ منحى آخر، حيث بدأت الانشقاقات، وبدأنا نرى شباناً يحملون السلاح من أجل حماية المظاهرات، ثم تطور الأمر بعد عدة أسابيع إلى تنظيم مجموعات عسكرية صارت تتحرك باسم الجيش الحر".
وذكر في حديثه أن "بداية حمل السلاح كان على مستوى ضيق، حيث إنه في كل قرية كان هناك شخصان أو ثلاثة أشخاص منشقون، أو متقنون لحمل السلاح، ويلجؤون للمناطق الجبلية كي يتحصّنوا فيها، ويتعرضون لمُلاحَقات بشكل يومي من قِبل قوى الأمن التابعة للنظام السوري".
وتحدثت الشهادات عن التفاصيل التي جرت بشكل مباشر بعد عملية إطلاق النار على المتظاهرين قرب بلدة "المسطومة"، حيث توجَّه ذوو الضحايا والمصابين إلى المخافر الخاصة بالشرطة ومقرات حزب البعث في كل من "أريحا" و"ريف معرة النعمان"، وقاموا بالاستيلاء على البنادق الرشّاشة وبعض الذخائر كردّ فعل على ما جرى، وكانت هذه البنادق على وجه التحديد هي النواة الأولى لانتشار السلاح في محافظة إدلب.
وتُرجِّح بعض الشهادات أن عدد ضحايا المجزرة وصل إلى 15 متظاهراً، ستة منهم فارقوا الحياة على الفور، في حين قضى الآخرون في اليومين التاليين متأثرين بجراحهم.
وفي مطلع شهر حزيران/ يونيو 2011، سجلت محافظة إدلب أول استخدام علني وواضح للسلاح ضد القوات التابعة للنظام السوري، التي كانت متجهة إلى مدينة "جسر الشغور" لفض اعتصام في ساحة المدينة بالقوة، حيث قام شبان من ريف إدلب بنصب كمين لها قرب بلدة "أورم الجوز" غرب أريحا، وأطلقوا النار عليها، بهدف منعها من الوصول إلى "جسر الشغور" خشية من تكرار مجزرة "المسطومة"، ومهَّدت هذه الأحداث إلى نشر وحدات الجيش في كامل محافظة إدلب في العاشر من حزيران/ يونيو، وتسارعت بعدها وتيرة الانشقاقات وتصاعدت العمليات العسكرية التي قادها المنشقّون ضدّ قوات النظام.