قال الكرملين: إن العملية العسكرية ضد أوكرانيا ستستمر طالما أنها ضرورية لتنفيذ أهدافها مُقدِّراً أن الشعب الروسي سيدعم تلك العمليات، كما أكد الناطق باسم الكرملين “دميتري بيسكوف” أن “موسكو” تهدف إلى فرض «وضع محايد» في أوكرانيا ونزع سلاحها والقضاء على «النازيين» الذين قال: إنهم موجودون في البلاد. وهو يقصد بهذا القيادة السياسية الأوكرانية وعلى رأسهم الرئيس “زيلينسكي”.
تشن “موسكو” منذ فجر اليوم الخميس 24/2 غزواً واسعاً مكتمل الأركان على “أوكرانيا”، حيث نفّذت قواتها المسلحة بمختلف أنواعها وصنوفها ضربات جوية وصاروخية طالت أهدافاً عسكرية وحيوية كثيرة في مختلف أنحاء البلاد (مطارات قواعد بحرية، ومستودعات للأسلحة، ومقرات القيادة)، خصوصاً في محيط العاصمة “كييف”، بينما دخلت قوات برية مدرعة من شمال وشرق وجنوب البلاد من الحدود الروسية والبيلاروسية ومن إقليم دونباس” بالإضافة للقيام بإنزالات بحرية على سواحل بحر “آزوف” و”البحر الأسود” انطلاقاً من البحر الأسود وشِبه جزيرة القرم.
فكرة الأعمال القتالية الروسية
ومنذ الساعات الأولى لانطلاق الغزو أن قرار المخطط الإستراتيجي الروسي قد استقر بداية الأمر بالتركيز على تحييد الأهداف العسكرية المهمة وأهداف الأفضليات الأولى (المطارات ووسائط الدفاع الجوي والرادارات والمدفعية الصاروخية) وغيرها من الأهداف التي ستؤثر على القدرات الدفاعية للجيش الأوكراني وعلى روحه المعنوية والنفسية، وتمنح الفرصة الأمثل للطيران الحربي وحوامات الدعم الناري والإنزالات الجوية للعمل بأريحية في الأجواء الأوكرانية لتنفيذ أهدافها وبسط سيطرتها الخاطفة على الأراضي الأوكرانية. وعملياً فإن القوات الروسية -كما بات واضحاً- تريد التوغل داخل الأراضي الأوكرانية عَبْر ثلاثة محاور رئيسية هي:
المحور الأول: من الجنوب من شِبه جزيرة القرم إلى مدينة “خيرسون” على نهر “دنيبر”.
المحور الثاني: من الشمال من “بيلاروسيا” إلى “كييف” على طريقين مقتربين من الشمال الشرقي والشمال الغربي للعاصمة الأوكرانية.
المحور الثالث: شرقاً من مدينة “بيلغورود” الروسية إلى مدينة “خاركيف” الصناعية الكبيرة.
بلا شك إن كل الدلائل والتحليلات كانت تشير إلى أن الجيش الأوكراني بالنظر للفارق الشاسع في ميزان كافة القوى والوسائط ونسبتها والتفوق الواضح للروس فيها، فإن هذا الجيش لن يصمد إلا أياماً قليلة أمام الضربات الروسية العنيفة التي تُستخدَم فيها أحدث أنواع الترسانات البرية والبحرية والجوية والصاروخية. وخاصةً أن مجريات الميدان تشير إلى أن الخطة العسكرية تستخدم التكتيكات التالية:
1- هجوم بري شامل وواسع فُعِّلَت من خلاله العديد من الجبهات كالشمالية (بيلاروسيا من محور خاركوف) والجنوبية (القرم) والشرقية (من الأراضي الروسية وإقليم دونباس) وتمّ الزج كمرحلة أولى بأكثر من 60 ألف مقاتل في المحاور المتعددة لهذه الجبهات، والغاية من ذلك تشتيت جهود الجيش الأوكراني وتثبيته في مناطقه ومنعه من الإسناد والمناورة من اتجاه لآخر.
2- كسر خطوط دفاعات الجيش الأوكراني في الأقاليم والمدن الكبيرة، والتقدم المباشر من كافة الجبهات والمحاور التي ذكرناها باتجاه العاصمة “كييف” بغية تطويقها وعزلها من كافة الاتجاهات سعياً على ما يبدو “لإسقاط” حكومتها وإحراز نصر عسكري وسياسي بأقصر الآجال.
3- إن الجغرافيا للأراضي الواقعة شرق (نهر دنيبر) الذي يقسم الأراضي الأوكرانية من شمالها إلى جنوبها يغلب على جغرافياتها الحقول والغابات والأحراش، وأيضاً العديد من المناطق الحضرية الرئيسية، ولذلك يتعين على القوات الميكانيكية والمدرعة الروسية إما أن تستولي عليها أو تتجاوزها أو تحاصرها وفي جميع الحالات فهذه المهمة ستكون صعبة تكتيكياً ولوجستياً وتحتاج إلى قوات روسية كبيرة لتنفيذها والحفاظ عليها.
الملاحظ وبعد أيام عدة من بَدْء الاجتياح والهجوم الروسي أن قواته تتكبد خسائر فادحة بالأرواح والمعدّات، وباتت وتيرة التقدم بطيئة بعكس ما يشتهي ويريد “قيصر” الكرملين وعلى جبهات عدة بنسب متفاوتة، وخاصة في جبهة شمال “كييف” وجبهة “خاركوف” وهذا مردّه إلى المفاجأة غير المتوقعة وأقلها للروس في صمود الجيش والمقاومة الأوكرانية المعزَّزة بصواريخ “ستنجر” م/ ط وصواريخ م/د من طراز “جافلاين؛ إم لاو” الأمريكية التي دمرت أرتالاً كثيرة للجيش الروسي وأجبرته على التوقف لمراجعة حساباته وتعديل خططه.
على الجبهة الشرقية والجنوبية ومن خلال الإنزالات البحرية لآلاف الجنود على سواحل بحر “آزوف” والهدف مدينة “ماريوبل” فإن الجيش الروسي يحاول تطويق الجيش الأوكراني بعمليات وتكتيكات “الالتفاف والإحاطة العميقة” والوصول إلى مدينة “خريسون” و”ماريوبل” من محورين متعاكسين بهدف السيطرة على كامل سواحل “البحر الأسود وبحر آزوف” بعد أن يلتقي المحوران وتلتحم قوات الانفصاليين مع الجيش الروسي في هذه الجبهة وبذلك تفقد الأراضي الأوكرانية التواصل مع العالم الخارجي بحرياً.
الجبهة الغربية يحاول الجيش الروسي القيام بإنزالات جوية على الضفة الغربية لنهر” دينيبر” كتلك التي نفذتها القوات الخاصة للسيطرة على مفاعل ومحطة “تشيرنوبل” في الضفة الشرقية لهذا النهر، وذلك لتنفيذ هدف “إستراتيجي” يتمثل بعزل وقطع خطوط الإمداد البرية الأوكرانية مع دول البلطيق والناتو (بولندا) وكذلك عزل هذه الأراضي عن سواحل بحر “آزوف” و”الأسود” وهذا الأمر إنْ تحقَّق فإنه سيكون مقتلاً وضربة أشبه بالقاضية للجيش الأوكراني ولذلك فعلى الجيش الأوكراني تركيز جهوده في هذه المنطقة للحفاظ على طرق الإمداد البرية والتواصل مع الخارج مفتوحة.
عملياً إن الواقع الميداني يقول إن المحاولة الروسية للاستيلاء على الأرض والمدن والاحتفاظ بها لن تكون سهلة وتسير كما تشتهي “موسكو” وتحب، وسوف تتأثر على الأرجح بتحديات عدة من بينها الطقس، والقتال في مناطق مدنية إضافة إلى صعوبة القيادة والسيطرة والخدمات اللوجستية وصعوبة الإمداد نتيجة تباعُد خطوط لهذه القوات، ناهيكم عن الروح المعنوية للقوات الروسية التي ستنخفض جراء الخسائر التي ستتكبدها في حروب العصابات والكمائن والإغارات بأنواعها، والتي ستقوم بها المقاومة الشعبية والجيش الأوكراني على طول مساحة البلاد وعرضها هذه المساحة المليئة بالأحراش والغايات التي ستساعد الأوكرانيين على أعمال المفاجأة وأعمال الكرّ والفرّ واستلام زمام المبادرات.
فرص الجيش الأوكراني
بلا شك إن القُوى وفوارقها كما قلنا غير قابلة للمقارنة بين الطرفين وهي لصالح القوات الروسية في نهاية الأمر حتماً، وإذا لجأ الجيش الأوكراني واعتمد على تكتيكات الحروب التقليدية وحروب التماسّ وعدم التماسّ فإنه وبمرور الوقت حتماً سيتكبد خسائر فادحة بالأرواح والمعدات وستؤثر على سير المعارك بسرعة لصالح الجيش الروسي، ولذلك فعلى مُخطِّطي العمليات للجيش الأوكراني الاعتماد على قتال المجموعات الصغيرة وتوزيع الخطوط الدفاعية في الجبهة والعمق وعلى المقتربات المحتملة للأرتال الروسية وإرهاق الجيش الروسي باقتناص آلياته ومدرعاته واصطياد ضباطه وعناصره وإسقاط طائراته على كامل الأراضي الأوكرانية والحرص الشديد على إبقاء طرق الإمداد مع الحدود الغربية مفتوحة.
ختاماً… حسب التحليلات فلا شك أن المزايا العسكرية الروسية على القوات الأوكرانية ستتضاءل إلى حد كبير مع مرور الوقت ومع صمود الجيش الأوكراني الذي تقاتله ومع تحوُّله من جيش منظم إلى “مقاومة لا مركزية متحركة وحروب عصابات” وبذلك ستواجه القوات الروسية مضايقات ومقاومة عنيفة قد تقوّض وتُضعف القوات الروسية وتجعل جيشها منغمساً في المستنقع الأوكراني كما انغمس الجيش السوفياتي سابقاً وخرج منكسراً مهزوماً من المستنقع الأفغاني.