عملياً ماذا يعني تلويح وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في سلسلة تغريدات نشرها سابقاً على تويتر، والتي تدور فحواها بأن إسرائيل في حال طُلِبَ منها، أو اضطرت لمواجهة أي تهديدات أمنية قد تطال أراضيها ومواطنيها، فهي قادرة على تنفيذ “اجتياح” للبنان، وأن أية عملية عسكرية محتملة سيقوم بها جيش الدفاع الإسرائيلي فسوف تكون قوية ودقيقة، وبالتالي لن تكون أي بنى تحتية لبنانية حسب وصفه مستبعدة، أو محصنة أو بمنأى عن دائرة الاستهداف، وسيدفع حزب الله ولبنان من خلالها “ثمناً باهظاً”، وإذا لزم الأمر وبحسب التغريدات فسيصل الجيش الإسرائيلي إلى بيروت وصيدا وصور!.
من المعروف أن لبنان في تموز/ يوليو من صيف 2006 تعرض لحرب أقل ما نقول عنها أنها دامية، وهي الحرب التي نشبت بين إسرائيل وحزب الله وانتهت جولاتها في 14 آب/ أغسطس من نفس العام بعد الوصول إلى اتفاق وفق قرار مجلس الأمن رقم 1701، المتخذ بالإجماع في 11 آب/ أغسطس 2006.
وكان الهدف من القرار حل النزاع اللبناني الإسرائيلي، وتوقف الغارات الإسرائيلية التي تشن على الأراضي اللبنانية، وبالمقابل إيقاف إطلاق صواريخ حزب الله على الداخل الإسرائيلي، مع نشر الجيش اللبناني لقواته على كامل الشريط الحدودي مع تل أبيب، وإبعاد أي ظهور مسلح لمجاميع ومسلحي حزب الله أو حتى إقترابهم والمسافة محددة من هذا الشريط، وهنا لابد لنا من الإشارة على أن الحرب الأخيرة قد دامت 34 يوماً، حيث أنها بدأت في الثاني عشر من تموز/ يوليو 2006، كما ذكرنا في 14 آب/ أغسطس بعد أن خلفت خسائر مادية وبشرية كبيرة، إذ يذكر أنه قتل في هذه الحرب من الجانب اللبناني وحزب الله ما يقارب 1200 شخصاً، موزعين ما بين مدنيين ومقاتلين، و160 إسرائيلياً غالبيتهم العظمى من الجنود المشاركين في الحرب، ناهيك عن الخسائر الإقتصادية الكبيرة، وتدمير البنى التحتية اللبنانية التي تكفلت بها قذائف وصواريخ الطرفين.
لا نوايا وإرادات تصعيدية حقيقية بين أطراف المعادلة
لاشك في أن أي عمل تصعيدي أو أية مواجهة محتملة من قبل أي من الطرفين ولأي سبب كان، وأقصد هنا بين _حزب الله وإسرائيل _ فإن المعطيات الميدانية، والتغيرات المثيرة للإهتمام التي حصلت في المنطقة، والتوغل والتغول الإيراني بأذرعه على الجبهات والمناطق السورية، بل وحتى على الجغرافية العراقية، توحي وبشكل أكيد أن أي مواجهة مقبلة لن تكون سهلة، وربما لن تكون أيضاً مواجهة محدودة الأطراف والجغرافيا والجبهات، بل وحتى في النتائج الكارثية التي ستتمخض عنها، بل ستكون مواجهة مفتوحة، وستنعكس آثارها وتداعياتها بشكل كبير على المنطقة والإقليم.
ولذلك فأنا أرى أن كل هذه التغريدات التويترية، والتصريحات والحرب الكلامية التي نشاهدها ونسمع صداها في هذه الأوقات بالذات من قبل إسرائيل وحزب الله بشأن حقل كاريش والتنقيب عن الغاز، فهي وحسب قراءة واستقراء الأحداث، ليست بأكثر من تهديدات وتهديدات ردعية تحسبية مضادة، أما الواقع فيشير إلى عدم توفر النوايا والإرادات التصعيدية الحقيقية من قبل جميع الأطراف المذكورة، أو حتى أن يخطئ أي منهم في حساباته وتقديراته للمواقف، ويكون البادئ في تلك المواجهة وأول مطلق لرصاصها، وبالتالي تَحَمُلْ جميع تبعاتها التي قد تكون مدمرة للجميع، وستستمر آثارها وكوارثها على المجتمعات والإقتصادات لسنوات قد تطول، وخاصة أنها ستكون حرباً عبثية كسابقاتها، أي بلا تحقيق أية مكتسبات ميدانية نوعية مستدامة لأي من الأطراف على المديين المتوسط والبعيد.
طبعاً أؤوكد هنا أن هذا لا يلغي ولا يعني عدم إمكانية حدوث صدامات عرضية محدودة، وإن حدثت فغالباً ما ستكون من خلف الحدود نتيجة لوقوع طرف في مصيدة التسرع وسوء التقديرات.
حزب الله وإيران وإسرائيل ومعادلة ردع لاتنتهي
استناداً إلى ماتقدم فإن كل الدلالات خلال العقدين الماضيين، تشير إلى أن هناك “معادلة ردعية” مَرضٍ عنها قائمة بين إسرائيل من جهة وكل من حزب الله وإيران من جهة أخرى، وبالتأكيد فإن حزب الله بالذات ومن خلال متابعة تصريحات العديد من مسؤوليه وقياداته السياسية والعسكرية، فإنه ليس بوارد إدخال أي جديد إستفزازي وتعديلات بنيوية على هذه المعادلة، أو حتى إحداث أي تغييرات في قواعد الإشتباك.
بالمقابل فإن إسرائيل أيضاً تتحسب وتتخوف من أن أي تغيير في قواعد اشتباكها مع أي طرف من أطراف معادلة الردع تلك، أي _إيران وحزب الله_ قد يفتح عليها جبهات يمكن أن تشتعل من الداخل الفلسطيني وجنوب لبنان وسورية والعراق، لا بل ومن المحتمل من قبل حوثيي اليمن أيضاً، وستمطر مدنها بصواريخ متعددة الأشكال والأنواع والأسماء.
لذلك وبصرف النظر عن حدة التصريحات والتهديدات الإستفزازية المتبادلة لكل لاعب من اللاعبين الأعداء ولو تمثيلاً، فالواقع يقول أن أفضل ما يخدم مصالحهم التكتيكية والإستراتيجية، هو تفكيرهم وإرادتهم المتبادلة في تجنب أي حرب قد تلوح في الأفق أقلها في المدى المستقبلي المنظور.
في المحصلة فإن حزب الله، وبمساندة كاملة من طهران وحرسها الثوري، وتسهيلات نظام الأسد فالمتوقع أنه سيحافظ على الأغلب على وضعه الردعي والتهديدي الكلامي تجاه تل أبيب، يأتي ذلك واضحاً من خلال إصراره على مواصلةجهوده ومساعيه لزيادة مخزوناته الاستراتيجية من الصواريخ والأسلحة والمسبرات الإنتحارية، لكنه وبكل تأكيد لن يدخل في معادلة تحدي إسرائيل عسكرياً لأنه يدرم أن عتبات إسرائيل بالنسبة للخسائر البشرية دوناً عن الخسائر الأخرى هي نسبة منخفضة للغاية ولا يستطيع تحمل تبعاتها، بل وخطوطاً حمراً صعبة لديها ولا تتحمل نتائجها وأعباء حملها كحكومة وكشعب، ولذلك فإن موت بضع عشرات من الإسرائيليين نتيجة نيران الصواريخ الإيرانية وطائراتها المسيرة المفخخة التي يطلقها حزب الله، سيثير غضب تل أبيب ويحثها على توجيه ضربات إنتقامية شديدة يمكن لها أن تتسبب في دمار كبير في لبنان وقتل الآلاف من الضحايا اللبنانيين الأبرياء وهذا مالا يتمناه حزب الله ولو بشكل مشكوك فيه.
ختاماً… على جميع الأحوال فلن يبدأ “حزب الله” بأي أعمال عدائية ضد إسرائيل دون وجود موافقة وضوء أخضر من ملالي قم وحرسهم الثوري، لأن هذا الفعل لا يخدم توجهات وطموحات إيران الإستراتيجية وسعيها للهيمنة الإقليمية.
لا بل تجد إيران وفق المعطيات والدلالات الكثيرة أنه من باب الحكمة لها المحافظة والسيطرة على الوضع القائم، وعدم الرد على إسرائيل حتى مع إستمرار الاستهدافات الكثيرة التي تتعرض لها ميليشياتها واذرعها الطائفية في سورية، وبأن تضغط على حزب الله وتكبح جماحه وتقطع الطريق عليه وتمنعه من القيام بأي خطوات استفزازية غير محسوبة قد تدفع بإسرائيل إلى تدمير الكثير من قدراته و بنيته التحتية ومخزونه الاستراتيجي من الصواريخ.
وبذلك تفقد إيران حظوظها في تهديد إسرائيل من الجبهة اللبنانية والتي تخدم بجميع الأشكال مصالحها الإستراتيجية طويلة الأمد من خلال ترسيخ أقدامها في لبنان والمنطقة فقط والحفاظ على حزب الله قوياً.